Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

(المساكات الليبية) … الحديقة السرية للفن الحجري في الصحراء الكبرى

(المساكات الليبية) … الحديقة السرية للفن الحجري في الصحراء الكبرى

 

رحلة إلى جنوب غرب ليبيا، خلف تلال الرمال الصافية، تتيح لك فرصة مثالية لمناجاة أقدم الأسرار المخبوءة، والمغلفة بالكثير من الرموز والطوطمات والطلاسم الضاربة في غياهب التاريخ، عبر سلسلة متواصلة وشريط حي وواقعي لأحداث شهد فصولها مسرح الأحداث قبل عشرات آلاف السنين، وتشير إليها الآلاف من لوحات الفن الصخري المفعمة بالحيوية في أشكالها، وقوة التعبير في معانيها ودلالاتها، فالحياة تنبعث في تلك الوهاد الشاسعة التي يسيطر عليها السكون، ويغلفها الصمت المطبق، عبر لوحات تستضيف ملامح نشوء نواة التجمعات البشرية، وبداية تشكل صورها التعبيرية، وهي تبوح عما يخالج إنسان تلك الحقب من أحاسيس، وما يداعب مخيلته من أفكار، في أولى خطواته على سلم الحضارة، وهي تنبعث فناً على واجهات صخور وديان هضبة "مساك ستافت"، الذي يشكل بتضاريسه هضبة متخلفة من الحجر الجيري الطباشيري مائل تجاه الشرق، وهو يعبر عن كلمة طوارقية تعني "أسود" وترجع إلى الحمادة الصخرية المغطاة بصورة كاملة بحجارة سوداء " مطلية بالورنيش" " والورنيش معروف "بورنيش الصحراء"، الأكثر حداثة للورنيش الصخري قد تطورت خلال منتصف العصر الحديث كنتيجة للمرحلة الأولى من الجفاف.

مقصد سياحي

وقد أتاحت أعمال الفن الصخري المنتشرة على جنبات وديان المنطقة، بمضامينها الفنية والتعبيرية المجال واسعاً أمام التخمينات، مفتتحة صفحات جديدة لدراسة مساحة زمنية مظلمة من تاريخ البشرية لم يكشف النقاب عنها كاملة حتى الآن، وأفرزت قصصاً وأساطير وروايات تروى وأخرى لم يتسنى للعلماء إزاحة الغموض عن فحواها بعد، حتى بات الشعور بشيء من الغرابة يسيطر على زوار المكان الذي صار مقصداً لآلاف السياح، يتراوح عددهم وفق تقديرات فريق قسم الأحياء البشرية والحيوانية بجامعة روما "لا اسابتينزا" الصادرة سنة 2008، مابين 60 – 80 ألف سائح في العام، فيما تسود الرهبة أمام روعة وجمال النقوش الصخرية التي تصور جزء من مظاهر الحياة قديماً، وتسيطر مظاهر الاعجاب على مشاعر رواده، الذين تشدهم دقة وروعة مشاهد الصيادين، والحيوانات المفترسة التي كانت تدرع المكان قبل آلاف السنين إلى قضاء ساعات طويلة في تفحص تلك الأعمال الفنية للكشف عن معانيها ومضامينها، فالمنطقة مصنفة على أنها أهم موقع للنقوش الصخرية بالعالم، هكذا وصف المكان من قبل البحاث والدارسين الأجانب، بعد أن تكشفت لهم دقة وندرة الأعمال الفنية المنقوشة على جنبات وديانه البالغة نحو 41 وادي، بمسمياتها المختلفة، وعلى رأسها وادي "متخندوش"، الذي يضم إلى جانب وديان " تيليزغن"، و"أمريون"، و "أراماس"، أكبر مخزن للقى الأثرية والأنصاب الحجرية، ومخلفات حضارات ماقبل التاريخ، على مستوى أراضي الصحراء الكبرى، وتلك الحقيقة تؤكدها التقارير العلمية… بينما تقف تقارير البعثات العلمية لتؤكد على أهمية المساكات العلمية الثقافية في شقها التاريخي، فضلا عن ماتكتنزه أراضي المكان من إرث طبيعي يتمثل في الحياة البرية من نباتات وطيور وحيوانات وحتى فطريات دقيقة.

حيرة واعجاب

حظي الموقع باهتمام شريحة كبيرة من علماء الآثار، الذين صنفوا مرتفعات امساك (ستافت) من ضمن مواقع الفن الصخري المثيرة للإعجاب على مستوى العالم، وأكثرها غنى بالنقوش الصخرية التي تعبر عن أشكال الحياة، وأنماطها قبل عشرات آلاف السنين. وكان الجغرافي والرحالة الألماني "هنري بارث" – مكتشف لوحات الفضائيين الغامضة بسلسلة جبال "تاسيللي" – أول من أزاح الستار عن "المخزن" الهائل لنقوش المساكات يوم 5 يوليو سنة 1850 وسط وادي " تيليزغن"، وأعد تقريراً عن الموقع، واصفاً أياه بالمخزن الهائل للأعمال الفنية، لتتوالى بعد ذلك اهتمامات العلماء والبحاث، حيث ظهرت أول دراسة توثيقية لنقوش وادي " تيليزاغن" على يد العالم الإيطالي " باولو غراتسيوزي" خلال سبعينات القرن الماضي، ولحقه عدد كبير من المهتمين من بينهم "بول هيوار"، و " وليون ألار، و"بافل سيرفيتشك"، و"جيرار جكيه"، و"ويان جيلينيك"، للتتوسع الدراسات، وتغطي بأبحاثها كامل مساحات "مساك ستافت" بداية التسعينات على يد العالمان " ميشيل فان ألبادا"، وأكسل وأن"، وأصدر العالم " جان لويك – لوكليك " ملحقاً خاصاً يوثق الأعمال الفنية بمنقطة المساكات، في دراسة متكاملة صدرت سنة 1998 أظهرت أن المنطقة فريدة من نوعها على مستوى العالم في فن النقوش الصخرية.

وكانت خلاصة التقارير العلمية، تعزز قيمة المكان، الواقع على تخوم سلسلة اكاكوس تادرارت الشمالية الشرقية، وتؤكد بأن المساكات موقع إستثنائي للتبع فصول الحضارة الإنسانية بمنطقة الصحراء وعموم قارة أفريقيا، وتقف أغلبها بحقيقة قائلة : " إن المساكات الموقع الوحيد والمؤهل بالصحراء الكبرى لقيام دراسات مقارنة للفن الصخري نظراً لترابط أحداثها وأزمانها ومواضيعها، فضلاً على إن نقوش المنطقة تعد إحدى المجموعات النادرة على مستوى العالم لتحقيق نهج علمي لفهم مغزى تلك الطلاسم والألغاز المنبعثة منذ آلاف السنين، بمافي ذلك النقوش المحفورة أعلى صخور المرتفعات، التي لاتتعدى أحجامها السنتيمترات، ووزعت بطريقة عشوائية، حيث لاتظهر إلا عندما تنعكس عليها الأشعة أثناء شروق الشمس أو غروبها، وتختفي بقية ساعات النهار .

وفي الختام نخلص إلى ماردده العالم الإيطالي " فابريتزيو موري"، الذي يقول واصفاً المكان : " مساك صطفت حديقة حيوانات الفن الصخري الوحيدة في العالم"… ويضيف في موقع آخر : " المساكات الليبية الحديقة السرية للفن الحجري في الصحراء الكبرى".
 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله