بقلم … د . محمد محمود عبادي … تعد السياحة الدولية أحد أشكال الأنشطة الاقتصادية الخارجية التي كانت وما زالت أحد اهم العوامل التي يرتبط بنشاطها ونموها جزء ليس بالبسيط من التنمية الاقتصادية, تحسين مستوى المعيشة و الأحوال الاجتماعية .السياحة الدولية هي امتداد للسياحة الوطنية لأي بلد , و تدويل أي سياحة وطنية يرتبط برصيدها من المعالم والآثار التي تؤهلها لجذب اهتمام السياح الاجانب و حصولها – بعد زيارتهم – لهذه المعالم لمسمى السياحة الدولية .
ترتبط آفاق السياحة في فلسطين بالعديد من العوامل و لعلّ أهمها المناخ المعتدل على مدار العام , الذي يخوّل السيّاح الأجانب مع اختلاف مواقعهم الجغرافية بالرغبة في زيارة فلسطين .تاريخ السياحة الفلسطينية لها جذور قديمة مرتبطة بالحجّ لهذه البلاد التي فيها الأماكن المقدسة العزيزة و الغالية على قلوب المؤمنين من الديانات السماوية الثلاث اليهودية, المسيحية و الإسلام.
أصبحت السياحة الدولية تحتل مكانة هامّة في اقتصادات البلدان العديدة و خاصّة النامية لما لها من تأثير على قطاعات أخرى من الاقتصاد , كالزراعة, التجارة , والثقافة و قطاع المعلومات أيضاً . صناعة السياحة في فلسطين صناعة صغيرة نسبيا , الّا أنها تعد واحدة من اهم المصادر التي تضخ النسب ليست بالضئيلة في الناتج الإجمالي المحلي و لاسيما تغطية أجزاء من العجز في العملة الأجنبية من ميزانية الدولة و هي في المحصلة النهائية تؤثر في الاقتصاد ككل و خاصّة في ميزان المدفوعات الفلسطينية .
السياحة في فلسطين تولي اهتماما لكونها السياحة الدينية , وهو ما يصب في تدويل السياحة الفلسطينية لوجود الاماكن و الآثار المقدسة للأديان السماوية المختلفة التي تستدرج الوحي و الإلهام مع اختلاف العقائد و الأديان لزيارة هذه الاماكن لأداء الفرائض و استعادة القوى الروحية و النفسية بعد أداء الفروض و الواجبات الدينية . و هنا يجب الإشارة إلى أن السياحة لا يمكن أن تنمو في ظل الكساد و الحروب السياسية و الاحتلال و الركود الاقتصادي بل إن هذا الوضع يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية, ليس فقط على فلسطين بل على المنطقة بأسرها اذا استمر الوضع على ما هو عليه , فسلطات الاحتلال الإسرائيلي تنشر الذعر و تحارب بكافة الأشكال للنهوض بهذا المجال الاقتصادي الأمر الذي سيؤدي فقط إلى انخفاض السياحة . فوضع العديد من الحواجز التي تمنع حركة السيّاح , عزل المدن و البلدات الاقتصادية و عزل القدس و تدمير مرافق البنية التحتية من فنادق و مطاعم وغيرها لا يؤدي الّا إلى انخفاض نشاط صناعة السياح في فلسطين و يشكل انتهاكا واضح لجميع الأعراف و القوانين الدولية .
و لعلّ أكبر عقبات السياحة هو إنشاء (بناء) المستوطنات اليهودية التي تعترض تنمية السياحة و التي تبنى من قبل السلطات الإسرائيلية فوق الأراضي الفلسطينية و هذا إذ يمثل الاستعمار الأخير و العدوانية بكل المقاييس التي تؤثر فقط سلبا على المجالات الأمنية و السياسية و الاقتصادية و تقسيم المنطقة و الاستيلاء على القدس .
هنا يجب التنويه إلى أن تنمية قطاع السياحة محض الدراسة للجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي ضمن اتفاقية باريس الاقتصادية 1994 و التوقيع على البروتوكول الاقتصادي الذي شمل فصلا خاصا بالسياحة ومع ذلك فان الجانب الإسرائيلي مستمر بسياسة التأخير و العرقلة مما يدل على عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة في مجال السياحة و التي تعد واحدة من أهم التحديات الرئيسية لتعزيز السياحة .
في السنوات الأخيرة برزت أهمية السياحة في المجتمع الدولي و التي تتزايد باستمرار و هذا طبعا يعود للعديد من العوامل أهمها ارتفاع مستويات الدخل و تحسين مستوى المعيشة غيرها .و قد لعبت السياحة دورا في المجتمع التي تحولت لصناعة واسعة النطاق عالميا , فموارد السياحة النادرة و الفريدة أصبحت جزءا أساسيا من الثروة الوطنية في العديد من البلدان . و على هذا الأساس يمكننا ان نستنتج ان قطاع السياحة يدعم الاقتصاد الوطني في الأراضي الفلسطينية يؤثر على عامة السكان في الأنشطة الاقتصادية , و يفتح فرص عمل جديدة و ينبغي ان لا يغيب عن الأذهان المبالغ(الإيرادات ) من عائدات السياحة للعملات الأجنبية ( يورو , دولار)من السياح الاجانب و تغطية البعض من عجز الدولة في ميزان المدفوعات من الميزانية العامة و التي تعتبر موارد إضافية للميزانية من هذه العملات .
و لعلّ أبرز مهامّ الدولة الفلسطينية تتمثّل بالحفاظ على استمرار الاتصال مع العالم الخارجي التي من شأنها إنعاش موارد السياحة و التجارة الدولية و دفع الديون من هذه الإيرادات . و لدى فلسطين حاليا عنصر قوة هامّ يتمثّل بالانجاز و النصر الدبلوماسي الذي حقق بالانضمام لليونسكو لتولي السياحة الفلسطينية الدولية أهمية بإعادة و إحياء الآثار و المعالم المغتصبة من أراضي السلطة بالقوة و إعادتها تحت السيادة الوطنية لتصب بالتالي بالتنمية الاقتصادية الكلية .
و أخيرا السياحة ليست فقط مصدرا للدخل المالي , و لكنها عنصر هامّ من عناصر التنمية الاجتماعية و الثقافية و هي تلعب دورا هامّا في تعزيز العلاقات مع البلدان و الشعوب الأخرى و التي هي بمثابة " الجسر" الذي يضمن البداية لاندماج الاقتصاد الوطني الفلسطيني في خارطة الاقتصاد العالمي .