اعلانات الهيدر – بجانب اللوجو

Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

شعراء من الزمن القريب وبعيده ينحتون على الصدور أبياتا مخمّسة اضافة اولى واخيرة

د. نضير الخزرجي

تخميسات منوعة
وإذا كان الأصل في التخميس اشتراك شاعرين في البيت الواحد أو المقطوعة أو القصيدة، فإن من إبداعات هذا الفن من المسمطات أن يعمد الشاعر نفسه الى تخميس ما أنشأه من شعر من ذي قبل، أو أن يُنشئ التخميس على رسله مباشرة، ومن ذلك قول الشاعر الإيراني حبيب الله بن علي مدد الكاشاني المتوفى سنة 1340هـ (1921م) في قصيدة من بحر الخفيف ضمت 60 بيتاً مخمساً بعنوان "نائبات الدهور" جاء في بعضها:
لستُ أنسى الحسينَ حين ينادي … أهلَ بغيٍ وغدرةٍ وعنادِ
قد دعوتم لنصرتي وَوِدادي
بشحادٍ من السيوفِ حدادِ … فأينَ نصرُكُمْ وأينَ وِدادي
ومن إبداعات التخميس أن يُشرك المُخَمِّس التشطير مع التخميس، من ذلك بيتان للشاعر العراقي عبد المجيد بن محمد العطار المتوفى سنة 1342هـ (1924م) قام الشاعر الكويتي عبد العزيز بن علي العندليب المتوفى سنة 1424هـ (2003م) بتشطيرهما وتخميسهما فأصبحا أربعة أبيات مخمسة من عشرين شطراً، وفي هذه الحالة فإن الأشطر الثلاثة الأولى والشطر الخامس من كل بيت هو للشاعر المُخَمِّس، ومن ذلك البيت الأولى من قصيدة مخمسة من بحر الطويل بعنوان "أكرم الأنفس":
لذاتكَ يُنمى كلُّ شيءٍ مقدَّسِ … وباسمِكَ يزهو كُلَّ حفلٍ ومجلِسِ
فَدَتْكَ البرايا يا بْنَ أكرمِ أنفُسِ
لِمهدِكَ آياتٌ ظَهرنَ لفُطرُسِ … ومجدُكَ يا بْنَ المجدِ أعلى ذُرى  المجدِ
وفطرس هنا هو أحد ملائكة السماء تشفّع بالإمام الحسين(ع) وهو في المهد كما في الأثر. وبذلك يكون الشاعر قد جمع بين التخميس والتشطير، وهو نوع محسَّن من المسمطات تكشف قدرة الشاعر على الإبداع وقولبة الشعر وصياغته بما يناسب المقام.
وإذا كان القاسم المشترك في التخميسات الحسينية أن الأشطر المشتركة للمُخَمِّس والمُخَمَّس له كلها في النهضة الحسينية وتوابعها، فإن من الإبداع أن يُصرف التخميس الى النهضة الحسينية حتى وإن كان أصل البيت في غرض آخر لا علاقة له بواقعة كربلاء، من ذلك قول الشاعر المؤلف الشيخ محمد صادق الكرباسي في بيت من بحر البسيط بعنوان "دم المحبوب" خمّس فيه بيتاً لمقطوعة سداسية الأبيات للشاعرة النجدية الخنساء تماضر بنت عمرو السلمية المتوفاة سنة 24هـ (645م)، وفيها:
يا نفسُ هوني على إزهاقِ موهوبِ … سبطِ الذي يَفتدي عن كلِّ مكروبِ
في مهجتي قد جرى من دمِّ محبوبِ
يا عينُ جودي بِدَمعٍ منكِ مسكوبِ … كَلُؤلُؤٍ جالَ في أسماطِ مثقوبِ
ويتكرر مثل هذا النمط من التخميس للشاعر المؤلف نفسه في أكثر من موضع.
ولأن الحكمة ضالة المؤمن، فإن الشاعر المُخَمِّس ينحو باتجاه تخميس شعر الحكمة تأثراً بها ودعوة الى التمسك بها والعمل بمقتضاها، من ذلك تخميس الشاعر السعودي المعاصر عقيل بن ناجي المسكين المولود عام 1386هـ (1966م) لبيت منسوب الى الإمام الحسين(ع) من بحر الطويل، وفيه تحت عنوان "منارات الهدى":
سلامٌ .. منارات الهدى وقِبابها … سلامٌ لجناتِ النَّدى ورِضابها
ديارُ حسينٍ إذ يُقالُ ببابها
إذا جادت الدنيا عليكَ فجُدْ بها … على الناسَ طُرًّا قبلَ أنْ تَتَفَلَّتِ
فالشاعر استحضر الحكمة الحسينية مُخَمِّساً عليها ليحلق معها في فضاءاتها المعنوية والملكوتية.
وقد يُحلق الشاعر مع المثل مُخمساً عليه، كما فعل الشاعر العراقي راضي بن صالح القزويني المتوفى سنة 1285هـ (1868م) عندما خمَّس ثلاثة أبيات للشاعر البغدادي حيص بيص سعد بن محمد التميمي المتوفى سنة 574هـ (1178م)، وهي من بحر الطويل بعنوان "سلو الحرب عنّا"، جاء في البيت الثالث من التخميس:
تقاضيتُمُ دَيْناً ولَمْ نقضِ دَيْنَنا … غداةَ أطالَ الدهرُ بالغدْرِ بينَنا
كفى بينَنا فرقًا بما قد تَبَيَّنا
وَحَسْبُكُمً هذا التفاوتُ بينَنا … وكُلَّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضَحُ
والشاعر والمُخَمِّس يُقارن بين مدرستين في الأخلاق، مدرسة الرسول (ص) الذي قال لأعدائه (إذهبوا فأنتم الطلقاء) ومدرسة بني أمية الذين قتلوا سبط الرسول(ص) وسبوا أهل بيته، وعجز البيت الأصل أو الشطر الخامس ذهب مثلاً.
وَيُلاحظ في التخميس غلبة الذكورة على الأنوثة، وهو أمر طبيعي لكثرة الشعراء الذكور ويلحق بذلك كثرة المخمسين الذكور، ولكن لا نعدم في الجزء الثاني من ديوان التخميس من شاعرة واحدة لها تخميسان، تخمس الشاعرة المعاصرة نجلاء بنت هادي باستي في كليهما على بيت للشاعر العراقي المعاصر السيد محمد رضا بن محمد صادق القزويني المولود سنة 1359هـ (1940م) في ولادة السيدة زينب بنت علي(ع) شريكة الإمام  الحسين(ع) في نهضته، تقول في بيت مخمس من بحر المتقارب بعنوان "توارثُ الخُلْق":
عن الكُوَّةِ الشمسُ ردَّتْ يداكِ … لينعَمَ بالنوم حينًا أخاكِ
توارثْتِ خُلْقًا هُما أورثاكِ
عليٌّ وفاطمةٌ أنجباكِ … معينًا مِنَ الخَيْرِ لا ينضُبُ
 
شاعر وقافية
تفاوت في هذا الديوان عدد الأبيات المخمسة التي يضمها العنوان الواحد كما تفاوت عدد الشعراء، فبعض الشعراء خمّس بيتاً، وبعض بيتين، وآخر ثلاثة، وغيره قصيدة فاقت عشرة أبيات، وقد يصل التخميس عند بعضهم ستين بيتاً، ولكن بالمجمل فإن الشاعر عقيل المسكين ظفر بعدد أكبر من العناوين حيث استأثر بسبع وعشرين مخمّساً يليه الكرباسي بثمانية عناوين، ومن بعده الشاعر مرتضى السندي الطباطبائي سبعة عناوين، ويليه الشاعر يوسف آل بريه بستة عناوين، ويليه الشاعران عبد العزيز العندليب وياسر المطوع ولكل منهما خمسة عناوين، وأربعة عناوين لكل من الشاعر: حسين آل جامع وصالح الستري البحراني وشاعر ذلك لم يتضح اسمه، وثلاثة عناوين للشعراء: باقر الخفاجي وسلمان التاجر وعبد العزيز شَبِّين ومنصور الجشي، وعنوانان للشعراء: حسين الموسوي البحراني وعبد الغني الحر العاملي ومحمد اللخمي المرسي ونجلاء باستي وهادي الخفاجي، فيما كان المخمس الواحد من نصيب الشعراء: إبراهيم آل مبارك، وهب الرضي، إحسان الحكيمي، أحمد الرويعي، أحمد الدر العاملي، أركان التميمي، جعفر أبو المكارم، حبيب الله الكاشاني، حسن الخطي، حسن إحليل، حسن خشيش العاملي، خضر القزويني، راضي القزويني، سعيد الدبوس، سلمان الخليفة، شاعرا ن لم يقف المؤلف على اسميهما، عباس الترجمان، عباس العسكر، عبد الباقي العمري، عبد الكريم آل زرع، عبد الله الخميس، عبد الهادي التميمي، عقيل اللواتي، علي الخالصي، علي الأمين، علي المرهون، علي المهنا، كاظم الحلفي، كاظم سبيتي، محفوظ العوامي، محمد الفحام، محمد آل محمد، محمد الصفار، محمد علي المظفر، محمد فاتح الهبراوي، محمود السابوري البحراني، منصور المبارك، مهدي اليعقوبي، وسام الطائي، ويوسف الصفّاني.
وتوزعت عناوين الديوان على القوافي والروي على النحو التالي:
الهمزة المضمومة (1)، الهمزة المكسورة (2)، الباء المفتوحة (18)، الباء المضمومة (30)، الباء المكسورة (7)، الباء الساكنة (2)، التاء المضمومة (2)، التاء المكسورة (14)، الثاء المكسورة (1)، الجيم المفتوحة (1)، الجيم المكسورة (3)، الحاء المفتوحة (2)، الحاء المضمومة (4)، الحاء المكسورة (4)، الخاء المضمومة (1)، الدال المفتوحة (9)، الدال المضمومة (10)، الدال المكسورة (19)، الدال الساكنة (1)، والدال المفتوحة عنوانان.
كما توزعت العناوين على عشرة أبحر وبالنحو التالي:
بحر الكامل (43)، الطويل (32)، المتقارب (21)، الخفيف (16)، البسيط (7)، السريع (4)، الوافر (4)، الرمل (3)، البسيط المخلّع (1)، وبحر مجزوء الكامل عنوان واحد.
وكما عوّدنا المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي في الأجزاء السابق من الموسوعة الحسينية، فإن الجزء الثاني من ديوان التخميس، والذي يمثل رقم 94 من أجزاء الموسوعة الحسينية المطبوعة والتي تعدت المائة، قد ضمّ مقدمة باللغة البلغارية للمستشار القانوني ديميتر جوردن هريستو، تناول في بدايتها: (خصائص الشعر الجاهلي وأثره في حياة المجتمعات العربية وتأثيره على شعراء فترة العصر الإسلامي، وأهمية الشعر العمودي القريض في حفظ اللغة العربية وتراث الأدب العربي، بما فيه من بلاغة وقيمة فنية يشكلان مصدراً رئيسا للغة العربية وقواعدها ومفرداتها، وبوصف الشعر القريض سجلاً تاريخيا يوثق الحياة السياسية والثقافية في ذلك الوقت).
وينتقل المستشار هريستو في مقدمته الى تناول الأدب الحديث من الشعر الحر وقصيدة التفعيلة، معرجاً على الأدب الحسيني المنظوم وخواص شعر التخميس ومميزاته ليؤكد وهو يتناول النهضة الحسينية والتخميس على شعرها: (إنّ الإمام الحسين يمثل أعظم إلهام للبشرية، فالتضحية بنفسه وأهل بيته ومن أجل دينه الإسلامي أمر لا يصدق، فحتى غير المسلمين يقفون اجلالاً وتعظيماً لجهوده من أجل الإنسانية والوقوف بالضد من إرهاب السلطة المتمثلة آنذاك بحكم يزيد بن معاوية).
وأضاف المستشار القانوني هريستو، المسيحي المعتقد، وهو يتناول خصوصيات ديوان التخميس وجهد المؤلف فيه: (إن سماحة الشيخ الكرباسي يعد واحداً من كبار العلماء والباحثين بما خطت يمينه من موسوعة كبيرة في شخص الحسين بن علي إلى جانب تمكنه من النظم والتأليف في أبواب شتى ومهارات متنوعة تجسدت فيه جعلته قادراً على تأليف دائرة المعارف الحسينية).
وهذه حقيقة تؤكدها مؤلفات الكرباسي ومصنفاته في الأبواب والأغراض المتنوعة.

المركز الحسيني للدراسات – لندن

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

error: Disabled