كتب: د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة” ….. صدر حديثُا كتاب المباخر والبخور في مصر القديمة للدكتورة ماجدة أحمد عبد الله أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق والأدنى القديم ورئيس قسم التاريخ – كلية الآداب جامعة كفر الشيخ .
المصريين القدماء
وقد لعب البخور دورًا بارزًا في ديانة المصريين القدماء, وكذلك فى السحر والطب، فعملية حرق البخور كانت إحدى طقوس العبادة المصرية القديمة بشكل يومي داخل أروقة المعابد ، وقلما خلا طقس من الطقوس من حرق البخور.
وقد كشفت الحفائر عن بعض المواد الراتنجية التي كانت تستخدم لرائحتها الذكية في مقابر البداري ونقادة المؤرخة بعصر ما قبل الأسرات.
استيراد البخور قديما
وتشير الدكتورة ماجدة أحمد عبد الله إلى أن أقدم إشارة مكتوبة عن استيراد البخور هي ما سجله حجر بالرمو أثناء حكم ساحورع ثاني ملوك الأسرة الخامسة .
كما تبين من خلال الدراسة أن للبخور أنواع عديدة استخدمت جمعيها في مصر القديمة منها: الكندر، والمر، والقنة، والادن، والأصطراك، هذا بجانب مواد أخرى مثل الكاسيا والقرفة.
فضلاً عما تم ذكره فى النصوص المصرية القديمة من مواد أخرى متعددة للتبخير، ولكن لا نعرف إلى الآن كنه هذه المواد أو من أي شيء كانت تصنع.
زراعة البخور
وقد استورد المصري القديم احتياجاته اللازمة من البخور من أماكن مختلفة كانت أهمها على الإطلاق, بونت التي كانت تعد مصدرًا للعنتيو منذ العصور المبكرة، وإن كان هذا لم يمنع الحصول عليه من مصادر أخرى مثل النوبة، مجا، بلاد الشام، نهارين.
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن هناك بعض النصوص التي تشير إلى محاولة زراعة البخور فى مصر لاسيما فى أفنية المعابد الخاصة بالآلهة، هذا بخلاف أماكن أخرى مختلفة داخل مصر.
الأرواح الشريرة
وتضيف الدكتورة ماجدة أحمد عبد الله أن المصريون القدماء استخدموا البخور في جوانب متعددة من حياتهم اليومية، في الوصفات الطبية, والتطيب الشخصي، وتعطير المنازل والملابس وفى السحر، من أجل الحماية من الأرواح الشريرة التي كان يظن المرء أنها تتهدده هذا بجانب اعتباره واحدًا من مواد التطهر المهمة في طقوس الديانة المصرية.
فقد حظى استعمال البخور بأهمية رئيسية في الخدمة اليومية لآلهة المعابد، إذ كان يستخدم تقريبا في كل طقس يجرى داخل المعابد المصرية.
عيد أوبت
هذا بجانب استخدامه في الاحتفالات الدينية حيث صاحبت المباخر مواكب خروج المعبودات من معابدها وخلال مرورها أمام الناس، مثلما كان الحال في عيد أوبت، وعيد سوكر، وعيد الإله مين.
ونظراً لهذه الأهمية في استخدامه فقد ضمت المعابد المصرية معامل لتركيب العطور التي كانت تحرق بدورها داخل المعابد.
الطقوس الجنائزية
أما بالنسبة لاستخدام البخور في الطقوس الجنائزية، فقد كان البخور واجبًا لكى يقدم للمتوفى ضمن قائمة القرابين منذ العصور المبكرة، كعطر أو كقربان جنازي، أو عند تحنيط المومياء.
هذا بجانب ارتباطه بالطقوس التي تجرى للمتوفى منذ لحظة مماته حتى دفنه، هذا بجانب الاعتقاد في أن له قوة خارقة تساعد المتوفى على استمرار الحياة في العالم الآخر.
أسماء المباخر
وتشير الدكتورة ماجدة أحمد عبد الله إلى أن النصوص المصرية دلت على أن المصريين القدماء قد أطلقوا على المباخر العديد من المسميات منذ عصر الدولة القديمة وما بعدها .
وتنوعت أسماء المباخر طبقاً لتنوع أشكالها، فأطلقت kAp على نوعية المباخر ذات الشكل الكاسي ويصاحبها غطاء، أما اسم stAt فهو نادر ولم يظهر إلا في حالة واحدة فقط على أنه مبخرة من نفس النوعية السالفة الذكر.
أما المبخرة التي لها شكل الذراع في عصر الدولة الوسطى فأطلق عليها a n sntr ، وفى حالة واحدة حددت مادة صنعها a m Ht m aS وظهر هذا الاسم في العصر اليوناني والروماني على نحو a n Hr ، أما الاسم الشائع للمبخرة الذراع طوال عصور الدولة الوسطى والحديثة, والعصر المتأخر فهو اسم sHtpy
الوعاء الناقوسى
أما بخصوص الاسم الذى أطلق على الوعاء الناقوسى الشكل ai أو مشتقاته awt, a ، وكذلك aabw,،ab, Aaabw, aab, iab فجميعها أسماء لهذه النوعية التي ذكرها البعض كمباخر، ونرى في هذا الشأن أنها ربما استخدمت كمكيال للبخور أو لحبوب النطرون، كما يرى البعض.
وبجانب هذا الاستخدام ، فأحيانًا ما كانت تستخدم كمباخر خاصة إذ صورت وهى يتصاعد منها اللهب أو يصاحبها غطاء، أو موضوعة على مقدمة الذراع المستخدم في التبخير ويتصاعد منها اللهب ويلقى بداخلها حامل المبخرة بحبات البخور.
وقد اختلفت أشكال المباخر وتباينت فكان لكل حقبة أحد الأنماط السائد استخدامها، وظهرت المباخر منذ عصور ما قبل الأسرات، إذ تم العثور على مبخرة كأسية الشكل بنقادة، وأخرى لها شكل الوعاء في البلاص، هذا بجانب العثور على عدد كبير من المباخر المصنوعة من الحجر الجيري في حفائر المعادي.
ولقد صنفت الدكتورة ماجدة أحمد عبد الله المباخر المستخدمة خلال العصر التاريخي تحت خمسة أنواع :
النوع الأول: مباخر كأسية الشكل
وقد ظهر هذا النوع من المباخر مصورًا في مقابر عصر الأسرة الرابعة مقدمًا للمتوفى نفسه، أو لتمثاله، أو مصاحبًا لطقوس تجرى أمامه، هذا بجانب تصويره على اللوحات الجنائزية، وقد عثر على هذا النوع كأثر مادى في أبيدوس، ويصاحبه أحيانًا ملاعق ذات نهايات مختلفة، إما مدببة أو دائرية.
وهذه النوعية من المباخر سواءً ذات الغطاء، أو بدونه قد اختفت تقريبًا بنهاية عصر الدولة القديمة، ولم تظهر بعد ذلك إلا في حالات نادرة.
النوع الثاني: مباخر بقواعد
ومن أقدم نماذج هذا النوع هو تلك المبخرة التي عثر عليها في أبيدوس وتؤرخ بالعصر العتيق، ولقد صور هذا النوع من المباخر ذو القاعدة المرتفعة على إحدى لوحات الأسرة الرابعة.
وصور على جدران مقابر وآثار عصر الدولة الوسطى، واستمر هذا النوع من المباخر مستعملاً خلال عصر الدولة الحديثة، والعصر المتأخر.
النوع الثالث: مباخر على هيئة الذراع
ظهرت مباخر هذا النوع لأول مرة في عصر الدولة الوسطى, ويعلوها صندوق لحفظ حبات البخور، وطبق لحرق البخور وفى نهايتها شكل رأس صقر، وهناك من يرى أن المصري القديم قد وجه رأس الصقر جهة وعاء الحرق منذ عصر الأسرة الثالثة عشرة.
إلا أن الدكتورة ماجدة تشير إلى أن هذا التطور قد حدث غالبًا في وقت أقدم بدليل ظهور المبخرة ورأس الصقر تتجه نحو وعاء الحرق في منظر بمقصورة الملك أمنمحات الرابع بسرابيط الخادم بسيناء.
فكرة أخناتون
وقد بدأت زخرفة هذا النوع من المباخر بشكل زهرة البردى عند رسغ ذراع التبخير ورأس الصقر ذات الملامح المصرية في عصر الدولة الحديثة .
وجدير بالذكر أن صورة المبخرة التي على شكل الذراع قد ظهرت في مقابر العمارنة بإضافة جزء دائري في نهايتها يحل محل رأس الصقر.
ولعل هذا التغير فى شكل المبخرة نابع من فكرة أخناتون نحو التوحيد وعبادة الإله آتون دون شريك له، نظرًا لأن رأس الصقر ترمز للإله حورس.
وعندما يصاحبها قرص الشمس ترمز للإله رع حور أختي، ولذا حرص المؤمنون بدعوة أخناتون على عدم تصويرها في مقابرهم.
ولعل المقصود من الشكل الدائرى فى مؤخرة المبخرة أن ترمز إلى قرص الشمس رمز الإله آتون.
الشكل الملكي
وقد بدأ إضافة الشكل الملكي الجالس أمام وعاء حفظ حبات البخور في عهد الملك توت عنخ آمون، وأحيانًا تظهر هذه النوعية من المباخر بذراعين أو بثلاثة أذرع.
أما عن العصر المتأخر، فقد بلغت قمة تطورها، إذ كانت تصنع في أربعة أذرع، ولكن لم يغن هذا عن استخدام المبخرة ذات الذراع الواحد، أما عن الآثار المادية لهذه النوعية فلدينا مجموعة كبيرة منها ما يعرض في المتحف المصري بالقاهرة، وبعضها في المتاحف العالمية الأخرى.
النوع الرابع: مباخر ناقوسية الشكل
و هي التي كانت تستخدم كمخصص لكلمة بخور في قوائم القرابين منذ عصر بداية الأسرات ، وهى نفس النوعية التي كانت توضع أعلى الحوامل في عصر الدولة القديمة.
أما في عصر الدولة الوسطى فصورت على التوابيت ويصاحبها الغطاء، واستمر هذا النوع في عصر الدولة الحديثة مستخدماً، هذا بجانب استخدامها في العصر المتأخر أيضًا.
النوع الخامس: مباخر متنوعة الشكل
وهى مثل الأطباق التي لها شكل العلامة الهيروغليفية والأوعية أو المباخر الممثلة كجزء ملحق بتمثال، ومن خلال دراسة أنواع المباخر وجدت آثار يشير لها البعض على أنها للتبخير مثل أطباق الدولة الوسطى التي تمتاز بوجود وعاء في المنتصف، والأطباق التي أخذت شكل الطائر وتم العثور عليها في منطقة دير المدينة، ونعتقد أن هذه الأنواع تستخدم في الإضاءة أكثر منها في التبخير.
كما تبين من الدراسة التي تضمنها الكتاب أن الحامل من القطع المهمة جدًا حيث أنه كان يفضل وضع المباخر الناقوسية الشكل.
أو التي لها شكل الطبق أعلى حوامل اختلفت أشكالها على مر العصور، وهذا ربما لصعوبة حمل هذه النوعية من المباخر باليد المجردة أثناء احتراق البخور.
صناعة المباخر
وأظهرت الدراسة أن المواد المستخدمة في صناعة المباخر كانت متنوعة، فنجد أن المصري القديم قد استخدم معظم المواد التي وصلت إلى يديه مثل الفخار والعاج.
واستخدم أيضا الحجر مثل الحجر الجيري، والقشاني، والمرمر، والديوريت، كما استخدم المعادن بأنواعها المختلفة مثل النحاس والبرونز، والذهب والفضة.
وكذلك استخدم الأخشاب مثل الأبنوس، والأرز، وهذا النوع الأخير نرى في شأنه أنه بجانب العاج كان يصنع منهم اللب الداخلي لذراع التبخير ثم يصب فوقهم المعدن المراد استخدمه.
وهذا بغرض تحقيق هدفين، الأول منهما صلابة ذراع التبخير، وثانيهما تخفيف درجة الحرارة التي تصل إلى يد الشخص حامل المبخرة.
كما ظهر جليًا من خلال دراسة لمجموعة مباخر المتحف المصري بالقاهرة أشكال المباخر المستخدمة في كل عصر في مصر القديمة.
ومواد صناعتها ونقوشها إن وجد ، ومن خلال هذه الدراسة استطعنا أن نستنتج أن بعض الأوعية التي يشير لها البعض كمصابيح مثل أوعية البرشاء الخمسة إمكانية استخدامها كمباخر أيضا.
نتائج الدراسة
وقد توصلت الدكتور ماجدة أحمد عبد الله إلى نتائج مهمة لدراستها المتضمنة في الكتاب، ومنها إمكانية استخدام المباخر بأشكالها المختلفة كوسيلة من وسائل التأريخ لأى قطعة أثرية مصورة عليها ومجهول عنا عصرها.
إذ أن لكل فترة من فترات مصر القديمة كان لها النمط المميز والسائد استخدامه خلالها، فمثلاً المبخرة الكأسية الشكل والتي يصاحبها أحياناً غطاء تعد المبخرة الشائع استخدامها خلال عصر الدولة القديمة.
أما في عصر الدولة الوسطى فاستخدم المصريون القدماء المبخرة الذراعية الشكل واتجه فيها وجه الصقر الممثل للمقبض للخلف، ويعلوها صندوق ذو غطاء لحفظ حبات البخور الطازجة.
وفى عصر الدولة الحديثة حرص المسرى القديم على تصنيع مباخره في شكل الذراع أيضاً ، ولكن مع اتجاه رأس الصقر إلى وعاء الحرق، وقد استبدل صندوق حفظ حبات البخور بوعاء له شكل زهرة البردى وبدون غطاء.
أما في العصر المتأخر فنجد أن المبخرة الذراعية الشكل ظهر على ساعدها صندوق له شكل الطغراء ، وهذا لحفظ حبات البخور بداخله واختفى تقريباً الوعاء الذى كان مستخدماً خلال عصر الدولة الحديثة.
هذا بجانب ظهور نوع المبخرة ذات القاعدة المرتفعة وطبق الحرق الخاص بها يمتاز بجوانب مجنحة الشكل ، وهى من الأنماط المميزة أيضاً في هذا العصر.
وتؤكد الدراسة بالكتاب أن المباخر لعبت دورًا هامًا في حياة قدماء المصريين ، كما يبدو ذلك في طرزها المختلفة والمواد المختلفة المستخدمة في صنعها .
ومن تتابع استخدامها منذ عصور ما قبل التأريخ حتى العصور المتأخرة مما أعطاها أهمية خاصة سواء في أسلوب صناعتها .
أو في ضرورة الحصول على البخور اللازم لها كان محليًا او مستوردًا.