المسلة السياحية
بقلم : د. عبد الرحيم ريحان
مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء – وزارة السياحة والآثار
•• إن العالم بكل تقنياته الحديثة واختراعاته وما أضافه للإنسانية من إنجازات ساهمت في تيسير أمور الحياة ، يفشل اليوم في مواجهة فيرس لا يرى بالعين المجردة كلما حاولوا من ناحية تحور إلى أخرى وما توصلوا إليه من أمصال فهي لتخفيف حدته وليس لمنعه حتى أصبح يتوحش في أكبر البلاد المتقدمة اقتصاديًا وتقنيًا ، كما يقف العالم عاجزًا أمام كارثة التغير المناخي والذى حذر منها العلماء أنفسهم منذ سنوات عديدة بأن مخاطر التكنولوجيا وما نتج عنها من تلوث بيئي، أفسد البر والبحر والجو وقد جاء في الآية الكريمة رقم 41 سورة الروم }ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ ••
ثورة الطبيعة
بدأت ثورة الطبيعة تكشف عن أنيابها ولن ترحم أحد ونرى أمامنا ما يحدث في كنتاكي في أكبر دولة اقتصادية وتقدم علمي فى العالم حدث بها ما جاء في الآية الكريمة رقم 82 من سورة هود }فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا{
وهذا ما شاهده العالم على شاشات التلفاز في كنتاكي علاوة على موجات أسوأ طقس يمر على العالم ، علاوة على ما يوجهه العالم من أخطار الإرهاب والمشاحنات وانهيار للقيم والتي تروج له وتدعمه هذه الدول ، وقد تأكد الآن بما لا يترك مجالًا للشك أن العالم في طريقه للصعود إلى الهاوية لأن تقدمه وحضارته الحديثة بنيت على صنم اسمه المادة وعبادة المال وتبرير كل الوسائل للحصول عليه ، فكان وسيلة للدمار وتغافلت عن القيم الروحية المستمدة من الأديان ومصدرها ومهدها الشرق ، وبالتالي فسيتحقق ما جاء في الآية الكريمة رقم 41 في سورة الرعد }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا{ ، والنقص من الأطراف تعنى سيادة دول وإمبراطوريات في الشرق والغرب تبدأ بانهيار دولة يعقبها انهيار الأخرى أو انهيار أفكار لتسود أفكار أخرى .!
الفرس والروم
بشّر القرآن الكريم بهزيمة الفرس وسيادة الروم خاصة في فترتها الثانية البيزنطية بعد الاعتراف بالمسيحية باعتبارها إمبراطورية صاحبة قيمة دينية روحية، لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب ونزلت هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم ، وتراجع هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية وحاصره فيها مدة طويلة ، ثم عادت الدولة إلى هرقل وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وقد ثبت الآن فشل الفكر الرأسمالي الذى طغى عليه وثن المادة والمال فعبده دون أن يشعر حين نحّى القيم الروحية ليتفرغ لهذا الصنم الجديد .
القيم الروحية
أوشكت القيم الروحية بل وكل المعاني الجميلة الحب والعطاء والرحمة والتراحم والتواصل على الانهيار الذى انقطع تمامًا بوسائل التواصل الاجتماعي ، فأصبحت أفراحنا وأحزاننا ولقاءاتنا افتراضية دون أن نتصافح ونتقابل وزاد من حدته الوباء العالمي ، وكان المجنى عليه الأول هو ترابط الأسرة والذى كان الغرب يحسدنا عليها فكل فرد داخل المنزل يعيش واقعه الافتراضي ، وزادت معدلات الطلاق بشكل غير مسبوق وظهرت دعوات بما يسمى “single” لم نسمع عنها من قبل وهذا طبيعي أن يعيش كل إنسان متقوقعًا حول الموبايل أو الكمبيوتر هذا علاوة على الجرائم الالكترونية المتعددة .
الهروب للأوهام
وبدلًا من إدراك العالم كينونة ما حوله وما يحدث له رغم أنفه والاعتراف بأن القيم الروحية المستمدة من الأديان هي الملجأ الوحيد الذى سينقذ العالم مما هو فيه ، يهرب إلى الأوهام وتطوير وسائل الانقطاع الاجتماعي بما يسمى ” ميتافيرس” وهى كلمة من شقين Metaبالإنجليزية بمعنى ما وراء، أو الأكثر وصفًا “Verse” مُصَاغ من الكون .
الواقع الافتراضي
ويستخدم المصطلح عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية المفترضة للإنترنت، المكون من مساحات ثلاثية الأبعاد لا مركزية ومتصلة بشكل دائم، وهذه المساحات الافتراضية يمكن ولوجها والوصول لها عبر نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز والجوالات والحواسب المكتبية ومنصات الألعاب ، وقد لا تشير “ميتافيرس” بالمعنى الأوسع إلى العوالم الافتراضية فحسب، بل قد تشير إلى الإنترنت ككل بما في ذلك النطاق الكامل للواقع المعزز .
ميتافيرس
وقد تزايد الاهتمام مؤخرًا بعالم “ميتافيرس” بعدما أعلن “مارك زوكربرج” المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “فيسبوك” تغيير الاسم إلى “ميتا”، وهو ما ضاعف من القيمة السوقية والآفاق والفرص المستقبلية لكل السلع والخدمات المرتبطة بعالم الواقع الافتراضي داخل العالم وخارجه على حد سواء، وارتفع الطلب على خليط متنوع من السلع والخدمات والمنتجات المرتبطة بكثير من القطاعات في العالم الواقعي منها الذكاء الصناعي والبث المباشر عبر الإنترنت وألعاب الجوال ومعدات وأدوات مثل النظارات ثلاثية الأبعاد والأجهزة الإلكترونية المختلفة، لكنه ارتفع كذلك على كل السلع والخدمات بداخل هذا العالم الافتراضي ومنها أسعار الأراضي والأصول وبدأت الناس في شراء أراضي بالفعل .
الاتجاه الي الشرق
وأرى أن يتجه العالم الغربي والدول المتقدمة اقتصاديًا وتقنيًا إلى الشرق مهد الأديان ومنبع القيم وهو العلاج الحقيقي لما نحن فيه والاتجاه إلى الشرق له دلالة فكل كنائس العالم تتجه إلى الشرق وتوجد دخلة في كل كنيسة بمنتصف الجدار الشرقي يطلق عليها الشرقية، وكانت قبلة المسلمين في البداية ناحية الشرق حتى تم تغيير القبلة ، وهناك مسجد شهير بالسعودية يطلق عليه المسجد ذو القبلتين حيث تمت الصلاة فيه تجاه الشرق ثم نزلت الآية الكريمة رقم 144 من سورة البقرة }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ{ فاتجه المصلون إلى مكة المكرمة .
ذكر إنجيل متى 24 : 27 (لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق و يظهر إلي المغارب هكذا يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان) ، وذكر في القرآن الكريم في سورة مريم آية 16، 17 اتجاه السيدة مريم العذراء إلى الشرق حين جاءتها البشارة بنبي الله عيسى عليه السلام }وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا{، وقد أمر سبحانه وتعالى كل المسلمين في سورة البقرة آية 3 ، 4 بأن أول قواعد الإيمان هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالقرآن الكريم والإيمان بكل الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام }وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{ ومنهم نبي الله عيسى عليه السلام .
الشرق مهد الأديان
إذًا فالشرق مهد الأديان ورسالة التوحيد والسلام لكل العالم التي انطلقت من الشرق منذ دعوة نبي الله إدريس في مصر ، ونبي الله إبراهيم في العراق وانتقاله إلى الشام ، ونشأة نبي الله يوسف وإقامته بمصر مع إخوته وأبويه بعد قدومهم من الشام ، وتربية نبي الله موسى في مصر ومناجاته لربه عند شجرة العليقة المقدسة وتلقيه ألواح الشريعة بالوادي المقدس بسيناء ، وولادة السيدة مريم العذراء بفلسطين ، وولادة نبي الله عيسى ببيت لحم ، ومجيء العائلة المقدسة إلى مصر وإقامتها مدة ثلاث سنوات و11 شهر ثم عودتها إلى فلسطين بعد مباركة أرض مصر .
وانبعاث نور الإسلام من الجزيرة العربية في رسالة السلام والتعايش الحضاري بين كل الشعوب .