الطيران الداخلي فى الامارات يبحث عن منظومة إصلاحات وتسهيلات تقوده إلى الانتعاش
دبى "المسلة"… طالب خبراء ومتخصصون في مجال الطيران بتشييد مهابط صغيرة ومبان خاصة لرحلات الطيران الداخلي بالدولة، بهدف مواجهة التحديات التي تواجه نمو القطاع، والعمل على تسهيل تنظيم رحلات طيران من خارج المطارات الكبيرة بين مدن الدولة وجزرها، في ظل وجود طلب على هذا القطاع من رجال الأعمال والمواطنين.
وشدد الخبراء، في تصريحات لـ «الاتحاد»، على أهمية توفير التسهيلات والخدمات والسماح بالسفر في الرحلات الداخلية بدون جواز السفر، مع سرعة الانتقال إلى الطائرة في دقائق معدودة، دون تعقيدات في إجراءات السفر، إلى جانب تنسيق واسع مع الجهات المعنية، بما في ذلك الهيئة العامة للطيران المدني والمطارات والقوات المسلحة، فيما تم التأكيد على أن الأمن مسألة رئيسية في أي رحلة بغض النظر عن نوعيتها.
وأوضح سيف السويدي مدير عام الهيئة العامة للطيران المدني، أن رحلات الطيران الداخلية بين مناطق الدولة منظمة ومتاحة، ولكن أي رحلة ووفق القواعد التي تطبقها الهيئة تخضع لنفس شروط ومعايير المراقبة والإجراءات الأمنية المعمول بها في الرحلات التجارية.
وأفاد أن أي طائرة تقلع يمكن أن تتجه إلى أي مكان داخل أو خارج الدولة، طالما أصبحت في الأجواء، وبالتالي فإنه يجب تطبيق نفس معايير وشروط التفتيش والرقابة المتبعة مع الرحلات الخارجية، فالدولة تعطي الأولوية للإجراءات الأمنية، انطلاقاً من مسؤولية وطنية.
وأشار السويدي إلى أن الجدوى الاقتصادية تبقى القضية المحورية في استدامة النمو للرحلات الداخلية، وقد تكون مفيدة إذا ما كانت الرحلة إلى الجزر الإماراتية، مثل جزيرتي دلما وياس بأبوظبي وغيرها، وربما بين أبوظبي والفجيرة، لكن الأمر يصبح غير ذي جدوى بين أبوظبي ودبي، لطول الإجراءات، الأمر الذي يصبح معه التنقل بوسائل أخرى، مثل السيارات أكثر سهولة، وهذا من أهم التحديات التي تواجه الرحلات الداخلية بالدولة.
وأوضح السويدي أن فكرة إقامة مطارات صغيرة مزودة بمدارج خاصة للرحلات الداخلية موجود في دول أخرى بالفعل، لكنها مكلفة، وهذا العنصر في غاية الأهمية، من أجل حساب الجدوى الاقتصادية من كلفة تشييد مطار، والعائد منه، فلا يمكن الاستثمار في مطار صغير من أجل عدد محدود من الرحلات، كما أن هذه النوعية من الرحلات تنمو أكثر في الدول الكبيرة، والإمارات دولة صغيرة قياساً بدول أخرى، ولكن في كل الأحوال فإن الهيئة من شأنها دعم أي مجال لتعزيز حركة الطيران بالدولة.
سوق محدود
من جهته، قال علي النقبي رئيس اتحاد الشرق الأوسط للطيران الخاص، إن رحلات الطيران الداخلي تمثل نسبة كبيرة من الحركة الجوية في العديد من دول العالم، وبلدان عربية أخرى، ومنها بلدان خليجية، وما زال هذا القطاع في طور البداية بالدولة، وهو قابل للنمو إذا ما توفرت له شروط النجاح، والتسهيلات التي تدفع به إلى آفاق أوسع.
وبين أن رحلات الطيران الداخلي موجودة منذ سنوات بالدولة، إلا أنها ظلت قاصرة على طائرات الهليكوبتر، وبعض الرحلات الخاصة، وبرز الاهتمام بها مع تأسيس شركة «روتانا جيت» قبل نحو عام، إلا أن هذا النوع ما زال دون الطموح، لكونه يحتاج إلى صناعة متكاملة وخدمات خاصة، لافتاً إلى أنه في معظم دول العالم تتم رحلات الطيران المحلي من خلال مطارات ومدارج خاصة وصغيرة، ومبان متخصصة بهذا النوع، بعيداً عن المطارات الكبيرة، بل في بعض الدول الكبيرة توجد عشرات المطارات للطيران الداخلي فقط.
وأوضح النقبي أن الإمارات ليس لديها سوق كبير للرحلات الداخلية، فيما عدا سوق محدود للرحلات بين أبوظبي والفجيرة، ويتركز غالباً في نهاية الأسبوع، كما توجد رحلات إلى المنطقة الغربية والجزر، ولكن يبقى نمو القطاع مرهوناً بالتسهيلات الكفيلة بدفع القطاع إلى مزيد من النمو، ففي أسواق رحلات الطيران الداخلي الكبيرة توجد تسهيلات أكبر، وهذا أحد عوامل النجاح للسوق في الدولة.
ودعا إلى وجود قواعد مختلفة في نظام رحلات الطيران الداخلي، بخلاف تلك المتبعة في الرحلات الخارجية، دون أن يؤثر ذلك على إجراءات الأمن، لافتاً إلى أن غياب التسهيلات يؤدي إلى توقف الرحلات، وهو ما حدث مع إحدى الشركات التي توقفت رحلاتها بين أبوظبي والفجيرة، لتدني الطلب بسبب الإجراءات الطويلة، كسبب من الأسباب.ويرى النقبي أن السوق يحتاج إلى طيران داخلي، ولا يمكن أن نتجاهل ذلك عند مناقشة تطورات هذا القطاع، ولكن الأمر بحاجة إلى مناخ متكامل يوفر مظلة نمو مستدام، بما في ذلك السماح بالسفر عبر استخدام الهوية الإماراتية للمواطنين والمقيمين في الدولة، لافتاً إلى أهمية أن تكون هناك مطارات صغيرة في المستقبل لاستيعاب النمو في السنوات المقبلة، ومع نمو عدد السكان، والإقبال على رحلات الطيران الداخلية، منوهاً إلى أن مطار آل مكتوم في دبي يمكن أن يكون به مدرج صغير ومبنى متخصص لمثل هذه الرحلات في المستقبل.
مطارات صغيرة
من جانبه، أشار محمد الشامسي مدير أول مراقبة الحركة الجوية في مطارات دبي، أن التحدي الذي يواجه تسيير رحلات الطيران الداخلية يتركز في أنها رحلات قصيرة، ولكنها تتطلب وقتاً في الإجراءات، مثلها مثل باقي الرحلات، فالمسافر بين مطارين في الدولة يتطلب على الأقل 45 دقيقة انتظار في كل مطار، فضلاً عن التوجه من مقر إقامته إلى المطار مبكراً، ليصل في رحلة بين دبي وأبوظبي لا تستغرق بالسيارة سوى ساعة واحدة أو أكثر بقليل.
وأضاف أن الأمر بحاجة إلى إجراءات مختلفة وأكثر سرعة عن غيرها من الرحلات الدولية، لافتاً إلى أن هناك حاجة إلى مطار خاص وتسهيلات، بما في ذلك السماح بالسفر ببطاقات الهوية الوطنية ليس للمواطنين فقط بل للمقيمين أيضاً، على أن يتم إنجاز إجراءات المسافر في غضون 5 إلى 10 دقائق، وتسهيل الإجراءات الأمنية بشكل أسرع من الرحلات الدولية.
ونوه الشامسي إلى أن نمو الرحلات الداخلية يتطلب على المدى البعيد دراسة إنشاء مطارات صغيرة في أماكن مختلفة وبعيدة عن المطارات الدولية، مزودة بمدارج صغيرة تناسب الطائرات الصغيرة المستخدمة في الرحلات الداخلية، ومن الممكن أن يدخل رجال أعمال في الاستثمار بهذا المجال، إذا ما توفرت التسهيلات لهم، على أن يتم التنسيق في ذلك بين الجهات المعنية بالطيران في الدولة والإمارات المختلفة، والقوات الجوية بالدولة، للاتفاق على منهج وخطط عمل محددة.
وأشار إلى أن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، أقام مدرجاً خاصاً على جزيرة النخلة، وآخر على طريق العين، لممارسة «سكاي دايف»، وهو ما يمثل نموذجاً يمكن الاستفادة منه في وضع تسهيلات لرحلات الطيران الداخلية، مشيراً إلى أن هذا أحد المجالات التي تحتاج إلى دراسة جدوى للدخول فيها.
منظومة تسهيلات
من ناحية أخرى، قال خالد الحاي مدير العمليات في شركة «أكزكيوجت» الشرق الأوسط للطيران الخاص، إن رحلات الطيران الداخلي من أهم الوسائل التي يبحث عنها رجال الأعمال والعديد من المسافرين لسرعة إنجاز مهامهم.
وأضاف: «تمثل الرحلات بين بعض المدن والجزر البحرية التابعة للدولة أهم مجال لنجاح هذه النوعية من الرحلات، إلى جانب الرحلات بين أبوظبي والفجيرة على سبيل المثال، وهناك تجارب نجحت من جانب شركات في السوق مثل »روتانا جت«، ويبقى عنصر الوقت والسرعة هو الحاسم.
وبين الحاي أن نمو القطاع يحتاج إلى نظام تسهيلات متكامل حتى يتحقق النمو المطلوب في الرحلات الداخلية لتصل إلى نفس المستوى القائم في بعض الدول، إلى جانب التعاون مع المؤسسات والشركات المعنية بقطاع السياحة، ليصب الأمر كله في منظومة واحدة تعزز من النمو، وتحقق العائد المناسب للشركة التي تغامر بالاستثمار في هذا المجال.
وشدد على أهمية أن تقوم الجهات المعنية بدراسة مستفيضة وشاملة حول مستقبل القطاع وآفاق نموه، والاحتياجات الكفيلة بمواجهة التحديات التي تواجه الرحلات الداخلية، انطلاقاً من كون الإمارات اليوم مركز عالمي لصناعة الطيران وتطمح إلى مزيد من التطور.
إلى ذلك، قال فهد محمد والي المدير التنفيذي للشؤون التجارية في شركة «رويال جيت» للطيران الخاص: «أن رحلات الطيران الداخلية ما زالت جديدة على السوق الإماراتي، ويمكن أن تنجح في حال ما إذا نظمت من جانب الشركات الكبيرة للعاملين فيها».
وبين في تصريحات سابقة لـ «الاتحاد» يمكن أن تنجح رحلات الطيران الداخلي على مستوى الأفراد إذا كانت موجهة للمناطق البعيدة في الدولة كالمنطقة الغربية، أما بين دبي أبوظبي وغيرها فهي خسارة لوقت المسافر.