هيئة السياحة والآثار السعودية : إنجازات متتالية للحفاظ على التراث الوطني وتنميته
الرياض "المسلة"… توج قرار مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضى بالموافقة على "مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري" جهوداً كبيرة بُذلت في سبيل إحداث نقلة نوعية في مسار الاهتمام بالآثار والمتاحف منذ تولي الهيئة العامة للسياحة والاثار الإشراف على هذا النشاط عام (1428هـ)، وصولا إلى هذا المشروع الذي يتضمن برامج ومشروعات تستهدف التوعية والتعريف بالتراث الوطني وحمايته وتأهيله، والتكامل مع المؤسسات الحكومية الأخرى والمواطنين.
وقد عملت الهيئة العامة للسياحة والآثار على تحقيق نقلة نوعية في قطاع الآثار والمتاحف منذ استلامها الفعلي للقطاع في 18 ذو الحجة عام 1428هـ، حيث شرعت منذ ذلك التاريخ وبمشاركة عدد من الجهات الحكومية ونخبة من المثقفين ورجال الفكر في وضع رؤية واضحة للعناية بآثار المملكة وتراثها العمراني، ووضعت خطة تنفيذية لتطوير القطاع تتماشى مع توجيهات القيادة الرشيدة بشأن الاهتمام بحماية الآثار من العبث والتعديات وتوثيقها وتهيئتها والاستفادة منها، واستعادة الآثار الوطنية التي تمت حيازتها بطرق غير مشروعة من الداخل والخارج، وتسجيل المواقع الأثرية في قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، وإبراز البعد الحضاري للمملكة ليضاف إلى الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية التي تعرف بها المملكة إضافة إلى التوسع في إنشاء المتاحف في المناطق والمحافظات.
(28) بعثة سعودية دولية مشتركة تعمل في المواقع الأثرية
تنفذ الهيئة برنامجاً للتنقيب والمسح الأثري في كل مناطق المملكة بواسطة فرق علمية سعودية، أو مع فرق علمية أجنبية، حيث تعمل (28) بعثة سعودية دولية مشتركة في المواقع الأثرية، ويتم التعاون مع بعثات أثرية من فرنسا، وإيطاليا، وأمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وبلجيكا، حيث تولي الهيئة المسح والتنقيب الأثري أهمية كبيرة، خصوصاً أن المملكة تزخر بآلاف المواقع الأثرية التي تشكل كنزاً حضارياً له قيمة تاريخية وحضارية عالية.
وقد توسعت الهيئة منذ ضم قطاع الآثار والمتاحف إليها في أعمال المسح والتنقيب ليأخذ في شكله ومضمونه منحى آخر أكثر شمولية ومنهجية وليشمل مواقع أكثر، وأظهرت دراسات تلك المواقع نتائج في غاية الأهمية عن تاريخ وحضارة الجزيرة العربية، وتم حصر وتسجيل آلاف المواقع في جميع مناطق المملكة، تشمل كل المراحل والفترات الحضارية والتاريخية في الجزيرة العربية، وتم تأسيس السجل الوطني للآثار الذي يتم فيه تسجيل المواقع والقطع الأثرية.
وقد حظيت مواقع التاريخ الإسلامي باهتمام كبير من الهيئة التي قامت بتنفيذ القرار السامي الخاص بتكليفها بحصر مواقع التاريخ الإسلامي في المدينة المنورة ومكة المكرمة، بهدف المحافظة على جميع المواقع والمساجد التاريخية وعدم إزالتها، وشكلت الهيئة لجنة لحصر مواقع التاريخ الإسلامي في المنطقتين بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية ومجموعة من المتخصصين والمؤرخين والمهتمين بآثار المنطقتين، بهدف إعداد قوائم بمواقع التاريخ الإسلامي فيهما، ونتج عن المسح الميداني لمواقع التاريخ الإسلامي حصر (384) موقعاً في المنطقتين، منها (266) موقعاً في المدينة المنورة، إضافة إلى (118) موقعاً في مكة المكرمة، كما أنشأت الهيئة برنامج العناية بمواقع التاريخ الاسلامي.
وتوجت هذه الجهود بإطلاق برنامج العناية بمواقع التاريخ الاسلامي التي تعنى بحماية المواقع المتعلقة بالتاريخ الاسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة ويقوم عليها علماء دين من هيئة كبار العلماء، ومتخصصون في الآثار والتاريخ الاسلامي.
وإلى جانب المسح والتنقيب تعمل الهيئة بالتعاون مع شركائها في الجهات الحكومية،، على تأهيل وتطوير (120) موقعاً أثرياً في مختلف مناطق المملكة، وفتحها أمام الزوار.
كما اتخذت الهيئة العديد من الخطوات لحماية المواقع والقطع الأثرية، ومنها إعداد مشروع نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الجديد الذي وافق عليه مجلس الشورى، ومن المؤمل أن يقره مجلس الوزراء قريباً، والذي يتضمن كل التنظيمات التي من شأنها حماية آثار المملكة وتراثها الوطني، وسن العقوبات الرادعة في حالات التعدي، واستصدار القرارات والتوجيهات من الدولة والتي من شأنها تعزيز حماية المواقع الأثرية والتراثية، علاوة على تأسيس سجل الآثار الوطني الذي يحوي معلومات متكاملة عن المواقع والقطع الأثرية في المملكة ويتم تحديثه بشكل دوري.
وتقوم الهيئة كذلك بتهيئة المواقع التي تضم مباني أثرية وقلاعاً ومواقع تاريخية لتكون نقاط جذب سياحية، حيث تشمل أعمال التهيئة ترميم وتطوير تلك المواقع، وإنشاء مراكز زوار بها، وتوفير واستكمال البنى التحتية للخدمات في المواقع من اتصالات وطرق ودورات مياه ولوحات إرشادية وتعريفية، وتخصيص أماكن لخدمات الطعام والشراب.
وتضمن اهتمام الهيئة بالآثار تنظيم معرض "روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور"، التي انطلقت فعالياته من متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس، وبدأت رحلة المعرض من متحف اللوفر في فرنسا، وشملت مؤسسة لاكاشيا في إسبانيا، ومتحف الأرميتاج في مدينة سانت بطرسبرغ بجمهورية روسيا الاتحادية، ومتحف البيرغامون في مدينة برلين في ألمانيا، ومتحف سميثسونيان بواشنطن، ثم متحف كارنقي في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ويقام حالياً في متحف الفنون الجميلة في مدينة هيوستن.
استعادة (17) ألف قطعة أثرية
وشمل اهتمام الهيئة بالآثار استعادة الآثار الوطنية من الداخل والخارج، حيث توجد آلاف القطع الأثرية بين أيدي المواطنين والمقيمين داخل المملكة، إضافة إلى عدد من من القطع التي وجدت طريقها إلى خارج المملكة بطرق غير مشروعة، وتعمل الهيئة على استعادة هذه الآثار من الداخل والخارج وفق الأنظمة والاتفاقات المحلية والدولية، وقد وضعت الهيئة آلية لاستعادة القطع الآثار الوطنية ، وتم إنشاء وحدة لاستعادة الآثار الوطنية المنقولة إلى الخارج، كما شكلت بموافقة من المقام السامي لجنة لمتابعة استعادة الآثار الوطنية، وأطلق سمو رئيس الهيئة حملة استعادة الآثار الوطنية، بدعم وتبني من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله -، حيث كان خادم الحرمين الشريفين أصدر أمراً كريماً برعايته الشخصية لمعرض الآثار الوطنية المستعادة، وذلك بالتزامن مع المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" 1433هـ.
وأثمرت جهود الهيئة في هذا الصدد عن استعادة أكثر من (17) ألف قطعة أثرية، منها (14) ألف قطعة أثرية من خارج المملكة، بعضها مضى على اختفائها (50) عاماً.
المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي
وقد أولت الهيئة تسجيل المواقع الأثرية والتراثية بقائمة التراث العالمي في "اليونسكو" اهتماماً كبيراً، بهدف الحفاظ على الثراء التاريخي والأثري والتراثي المتنوع للمملكة، والتعريف بقيمة آثارها وتاريخها، وبدأت عملية تسجيل المواقع السعودية في القائمة عندما صدرت موافقة مجلس الوزراء الموقر على تسجيل الدرعية التاريخية، ومدائن صالح، وجدة التاريخية عام 1427هـ، وتم تسجيل موقع مدائن صالح في القائمة كأول موقع سعودي يدرج بالقائمة في شهر رجب عام 1429هـ (2008م)، وأعقبه تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية في عام 1431هـ (2010م)، ويجري العمل حالياً على إكمال ملف جدة التاريخية تمهيداً لتسجيلها في القائمة، كما وافق المقام السامي على تسجيل مواقع الفنون الصخرية في جبة والشويمس في منطقة حائل بقائمة التراث العالمي، وتعكف الهيئة حالياً على إعداد ملف تسجيل المواقع بالتعاون مع فريق من خبراء مركز التراث العالمي.
عناية كبيرة بالمتاحف
وإلى جانب الآثار، أولت الهيئة المتاحف اهتماماً كبيراً وربطتها بالأنشطة السياحية، حيث يتبعها حالياً (29) متحفاً، منتشرة في مناطق المملكة، وتقوم الهيئة حالياً بإنشاء (5) متاحف إقليمية في كل من الدمام، والباحة، وأبها، وحائل، وتبوك، كما يجري العمل في تطوير ستة متاحف قائمة في كل من تيماء، ونجران، وجازان، والأحساء، والعلا، والجوف، حيث تشمل عملية التطوير المباني والعروض المتحفية.
وإضافة إلى إنشاء متاحف جديدة، وتطوير متاحف قائمة، تعمل الهيئة على توظيف بعض المباني الأثرية والتاريخية التي تم ترميمها كمتاحف للمحافظات، ويبلغ عددها (15) متحفاً، ومنها متحف المدينة المنورة، ومتحف الدوادمي بقصر الملك عبدالعزيز، ومتحف وادي الدواسر بقصر الملك عبدالعزيز، ومتحف محافظة ضبا بقلعة الملك عبدالعزيز، ومتحف الوجه بقلعة السوق، ومتحف محافظة شقراء ببيت السبيعي، ومتحف محافظة القريات بقصر كاف، ومتحف طريق الحج الشامي بقلعة الحجر، ومتحف سكة حديد الحجاز بورشة القطارات بالحجر، ومتحف محافظة المجمعة ببيت الربيعة، إضافة إلى تحويل قصر خزام بمدينة جدة إلى متحف للتراث الإسلامي يحمل اسم الملك عبدالعزيز، ودراسة تأهيل قصر الملك عبدالعزيز بالبديعة وتحويله إلى متحف للصور التاريخية بالتعاون مع ، والهيئة العليا لتطوير مدينة الري ض ودارة الملك عبدالعزيز وأمانة مدينة الرياض.
كما تعمل الهيئة بالتعاون مع إمارة منطقة الرياض ومحافظة الخرج والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وبلدية محافظة الخرج على إعداد دراسة لتطوير وتأهيل قصر الملك عبدالعزيز بالخرج والأرض المحيطة به، وتحويل الموقع إلى مركز تاريخي يحمل اسم الملك عبدالعزيز بوسط الخرج، ويشمل المشروع إنشاء متحف لمحافظة الخرج في قصر الملك عبدالعزيز.
كما تعمل الهيئة على دعم الثقافة المتحفية وتبادل الخبرات، وقد نفذت الهيئة في إطار برنامج التعاون بين المتحف الوطني والمتاحف الأخرى الكثير من معار ض الآثار بقاعة العروض الزائرة بالمتحف الوطني، وتتضمن خطة الهيئة إقامة عدد من المعار ض في المتحف الوطني خلال الأعوام القادمة بمعدل أربعة معار ض كل عام.
مشاريع لتأهيل التراث العمراني وتطويره
تنطلق الهيئة في عملها للعناية والمحافظة على التراث العمراني من عدد من المحاور وبدعم من الدولة عبر سلسلة من الأنظمة والقرارات السامية التي تمنع التعدي عليه وإزالته، وتعمل الهيئة من خلال مركز التراث العمراني الوطني على حماية مواقع ومباني التراث العمراني من خلال صيانتها وترميمها وتأهيل هذه المواقع وتوظيفها في المجالات كافة من خلال إيقاف الإزالة العشوائية للمباني التراثية من خلال عدد من التعاميم والأنظمة التي أصدرتها الدولة، وعدد من البرامج التي تعالج قضايا تطوير التراث العمراني وحمايته، علاوة على توثيق وتصنيف مواقع ومباني التراث العمراني وتسجيلها، وقد تم حصر (1985) موقعاً للتراث العمراني شملت قرى وأحياء، ومراكز تاريخية، ومباني ومعالم تراث عمراني.
كما تعمل الهيئة على التوعية والتعريف بقيمة هذا المنجز الحضاري، وتأهيل مواقع التراث العمراني وتنميتها اقتصاديا وعمرانياً وثقافياً ، وتحويلها إلى مورد اقتصادي للسكان المحليين ومصدر لفرص العمل، والاستثمار والتمويل بمشاركة القطاعين العام والأهلي، وأطلقت الهيئة عدداً من البرامج والمشروعات منها، مشروع صندوق تنمية القرى التراثية، وبرنامج تمويل مشروعات التراث العمرانية من خلال بنك التسليف، ومشروع تأسيس شركة الفنادق التراثية.
كما اهتمت الهيئة بالتدريب وتطوير القدرات وتأهيل الكوادر الوطنية في مجال التراث العمراني، وقدمت الدعم الفني للتراث العمراني، حيث أسست وحدة خاصة للإشراف على تنفيذ مشروعات الهيئة في مجال التراث العمراني، ونظمت زيارات استطلاع الخبرات الدولية في مجال التراث العمراني، وأقامت شراكات مع الجهات الحكومية لتنفيذ مهام مشتركة في مجال المحافظة على التراث العمراني وتأهيله وتنميته مع عدد من الوزارات ذات العلاقة.
وتقوم الهيئة بتطوير أواسط المدن التاريخية من خلال العمل مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والجهات ذات العلاقة، مع التركيز على المراكز التي تحتوي تراث عمراني ومفردات معمارية تقليدية متميزة، ومنها مشروعات تطوير وتأهيل، الدرعية التاريخية، وجدة التاريخية، ومدينة تيماء، ومدينة الهفوف، وأبها، والطائف، والمركز التاريخي بمدينة نجران، والمركز التاريخي لمدينة تبوك.
وتنفذ الهيئة برنامج تأهيل التراث العمراني في موانئ البحر الأحمر، يركز في مرحلته الأولى على تطوير وتأهيل المراكز التاريخية لكل من ينبع وأملج والوجه، وضبا.
اهتمام بالحرف والصناعات اليدوية
كما اهتمت الهيئة بالحرف والصناعات اليدوية، وأسهمت في استصدار قرار مجلس الوزراء بالموافقة على الاستراتيجية الوطنية لتنمية الحرف والصناعات اليدوية وخطتها التنفيذية الخمسية ، والذي يعكس اهتمام الدولة – حفظها الله- بتنمية هذا القطاع الذي يحمل فوائد اقتصادية وتوفير مصادر دخل لشريحة واسعة من المواطنين في كافة مناطق المملكة، كما يأتي القرار تتويجا للقرارات التي استهدفت تطوير هذا القطاع الاقتصادي المؤثر، ومن أبرزها الأمر السامي الكريم بأن تكون جميع هدايا الدولة من المصنوعات التراثية المحلية، اضافة إلى الجمعيات والمهرجانات التي أسهمت في حفظ التراث وفي مقدمتها مهرجان الجنادرية الذي جسد رؤية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله واهتمامه بالتراث الوطني.
ويتجاوز سوق الصناعات اليدوية بالمملكة يتجاوز ملياري ريال سنوياً ويعمل بالقطاع أكثر من عشرين ألف حرفي يمارسون عملهم بعدد كبير من الحرف والصناعات والمنتجات اليدوية.
ومن أبرز جهود الهيئة في دعم هذا القطاع تنظيم البرامج التدريبية للحرفيين للارتقاء بمنتجاتهم، ومن ذلك إقامة (153) برنامجاً تدريبياً تمكنت من تدريب (2400) من المواطنين الراغبين في تطوير مهاراتهم على الحرف والصناعات اليدوية في مختلف مناطق المملكة، و تنظيم الهيئة رحلات لاستطلاع الخبرات والتجارب الدولية الناجحة في مجال الحرف والصناعات اليدوية شملت زيارة كلاً من المملكة المغربية والجمهورية الإيرلندية، وتخصيص منافذ لتسويق منتجات الحرفيين في عدد من المجمعات والأسواق التجارية، إضافة إلى التعاون مع البريد السعودي في بيع المنتجات الحرفية من خلال السوق الالكترونية.