بيت لحم …. بعض من هدوء وبعض من سياحة لكن دون سلام
بقلم : اكرم عطاالله العيسة … فجأة تتوقف حركة السير على المفرق الرئيس "باب الرقاق" الذي يعتبر شريان الحركة الاكبر بين مناطق مدينة بيت لحم, اربع جيبات عسكرية اسرائيلية تسير في دورية غير عادية, لا يوجد هناك من مؤشر او من داواعي لمرورها. فلا احداث على المدخل الشمالي للمدينة والذي يوصلها للقدس , ولا احداث عند بلدة الخضر جنوب بيت لحم, والتي كثيرا ما تشهد مواجهات مع جنود الاحتلال والمستوطنين. والمدينة من المفترض انها تخضع للسطلة الفلسطينية المدنية والامنية منذ عام 1995 بناءا على اتفاق اوسلو, كان ذلك في الاسبوع الاول من شهر سبتمبر 2013.
هو نفس المكان الذي اختلف فيه بعضا من الشبان الفلسطينيين قبل عشرون عاما, فمنهم من بصق, او القى حجرا على الجنود مودعا, وجزءا اخر تقدم منهم باغصان من الزيتون دلالة للسلام, كان ذلك يوم اعلان المبادئ قبل عشرون عاما, معتقدين ان السلام قد حل وان الاحتلال قد زال. فلا من القى حجرا قد فاز بوادعهم, ولا من اعطاهم غصنا من الزيتون اقنعهم بصدقية نوايا الفلسطينيين بالتوصل الى حل عادل.
القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية منشغلتين بجولات من المفاوضات , تبدوا علنية ولكنها سرية المحتوى, وكلا العسكر الاسرائيلين والمواطنيين الفلسطينين يبدوان وكانها غير عابئين بها, فالجيبات العسكرية تتحرك بمنتهى الحرية, غير مكترثة باي اتفاق او اية محادثات, والفلسطينيين سكان المدينة, لم يعدودا يدركون او يحسون ما هو الفرق بين مدينة محتلة ومدينة محررة .
هي مدينة بيت لحم مركز محافظة بيت لحم , هذه المدينة الموغلة بالقدم وبالتاريخ مدينة كنعانية تعود جذورها الى الفي عام قبل الميلاد , ميلاد السيد المسيح عليه السلام اضاف لها صبغة وقدسية دينية, وبامتزاج الدين مع السياسية والتاريخ لهذه المدينة فقد اخذت حيزا مهما عبر كل مشاريع واقتراحات السلام التي استهدفت حل قضية الصراع العربي الاسرائيلي. قرار التقسيم الصادر عن الامم التحدة في تشرين الثاني عام 1947, اخذ تلك الحصوصية الدينية وذلك التماس الروحي بينها وبين مدينة القدس, وكان " المقترح القرار يقول بمدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية" لم يرى هذا القرار النور بعد ان عاجلته حرب العام 1948.
من وحي العلاقة التاريخية والروحية ما بين القدس و بيت لحم, كانت خصوصية المدينة وفق قرار التقسيم, حيث تتمركز القيادات الدينية المسيحية على مختلف طوائفها الشرقية والغربية في مدينة القدس, وهي التي اعتادت دوما على الانطلاق بمواكبها في اعياد الميلاد من القدس ويقوم ممثليى القيادات المحلية في بيت لحم باستقبالهم رسميا عبر موكب من الخيالة عند دير مار الياس, والذي كان يمثل نقطة الحدود الشمالية لبلدية بيت لحم , ولا يبعد عن منتصف مدينة القدس سوى 6 كيلومترات. وبالتالي فان اسرائيل انتهكت ما اعتاد الفلسطينيون على اعتباره طقسا دينيا تاريخيا , و اجتماعيا في مواكبة البطاريكة عند دخولهم لحدود المدينة المقدسة وبيت لحم.
لم تعد الحركة بمثل تلك السهولة التي كانت قبل عشرون عاما, حيث اصبح المدخل الشمالي لبيت لحم نقطة حدودية بكل معنى الكلمة, ولا يمكن للفلسطينيين الدخول والخروج منه الا عبر تصريح خاص من السلطات الاسرائيلية, وبدلا من تمثل الحدود الشمالية لمدينة بيت لحم احد اهم مناطق التوسع السكاني الطبيعي لبيت لحم, فقد اقيم جدار يعزلها وتم بناء مسوطنة جبل ابو غنيم على اراضيها في العام 1997, على الرغم ان جبل ابو غنيم هو جزء من الاراضي التي احتلتها اسرائيل 1967, وشكل ذلك احد مسامير نعش حل الدولتين عبر اغلاق حالة التواصل الجغرافي والسكاني والطبيعي ما بين القدس وبيت لحم, خاصة انه اتصل بتجمع جيلو الاستيطاني المقام شمال غرب بيت لحم.
بشكل اسبوعي وعلى مدار الثلاثة اعوام الماضية تنشط حركة فلسطينية وبمعاونة نشطاء اجانب وفي بعض الاحيان نشطاء سلام اسرائيليين , على تنظيم انشطة غير عنفية لمقاومة الجدار وتمتد بمحاذاة, بيت جالا , الولجة والمعصرة, حيث ان المواقع الثلاث على تماس مع بعض المستوطنات, او اراضي مههددة بالاستيطان والجدار العازل. يضاف الى ذلك حالة الاشتباك شبه المتواصلة مابين بعض الشبان الفلسطينيين والجنود والمستوطنين الاسرائيليين في محاذاة بلدة الخضر, ومخيم عايدة للاجئين, وعلى مقربة شارع ستين الذي تم بناؤه على اراضي بيت جالا والخضر حتي يصل القدس مع مستوطنات الخليل.
ان اكتمال هذا الحزام الاستيطاني والجدار يعني الاغلاق الكامل لشمال غرب, وغرب وجنوب بيت لحم, بما يعنيه ذلك الغاء اية امكانية للتواصل جغرافيا مع المناطق الواقعة في ريف بيت لحم الغربي, وكذلك قطع التواصل مابين بعضا من سكان بيت جالا واراضيهم القريبة من مستوطنة جيلو شمال غرب بيت لحم.
يحلو للكثير من الفلسطيين ان يقولوا قبل اوسلو كنا وكنا, بمعنى ان الحال كان افضل بكثيرا قبل اوسلو, فصاحب بستان الزيتون البيتجالي الذي يقع في محاذاة مستوطنة جيلو " ابو جورج" يقول قبل اوسلو كنت اذهب لحقلي اهتم باشجاري دون اية معيقات تذكر, اما اليوم فانني وعن قريب سأفقدها بحكم الجدار العازل على الجانب الشمالي الغربي لمحافظة بيت لحم.
في رسالة وجهها فلسطيينيون مسيحيون من بيت جالا احدى المدن اللصيقة لمدينة بيت لحم, الى البابا فرنسيس في شهر ابريل الماضي, يقولون "اسرائيل تود فصل بيت لحم والمناطق المجاورة لها عن القدس واماكننا المقدسة" و قالت الرسالة ايضا " لقد تركنا وحدنا لنواجه الاعتداءات الاسرائيلية ضد شعبنا الأعزل, ونحن على الرغم من التهديدات الاسرائيلية, لا نزال نكافح للبقاء في بلدنا" يعلق على ذلك احد النشطاء في مكافحة الجدار والاستيطان من بيت لحم, قبل اوسلو كنا نعاني الاستيطان فقط اما بعد اوسلو فاضيف الجدار لمعاناتنا, وقبل اوسلو كنا نقول سيكون لنا دولة وحدود, اما الان فصرنا نعيش في مدنا محدودة بجدران ونقاط تفتيش من كل جانب.
هدوء وسياحة- لكن دون سلام:
على مدار الخمس سنوات الماضية شهدت مدينة بيت لححم ومدن بيت ساحور وبيت جالا بناء اكثر من عشرة فنادق جديدة, كل ذلك تم في غياب التوصل الى اتفاق سياسي فلسطيني اسرائيلي بل حتى في ظل توقف العملية التفاوضية برمتها هذا من جانب, ومن جانب اخر فان عملية البناء هذه التي تؤشر الى نموا ما تتم في حالة لا تتسم بالهدوء على مستوى الضفة الغربية, بل انها وفي احيان كثيرة حملت بعض نواحي التفجر الانتفاضي الواضح مثلما حصل في نهاية العام 2011 وفي مع معظم عام 2012. السؤال الذي يطرح نفسه ما هو سر ذلك؟
يقول احد اصحاب الفنادق في بيت لحم, " هنالك نوعيين من السواح الذين يمكن ان يزورا بيت لحم, الاول هو من تكون بيت لحم جزءا من جولة سياحية شرق اوسطية له, وهو السائح الغني, وهو لا يميل الى ان تكون زيارته لبيت لحم الا كجزء من زيارة اعم واشمل, لأسرائيل وبعض الدول المحيطة, وهذا النوع من السواح يرهن زيارته للمنطقة بالاجواء السياسية والامنية للمنطقة بمجملها, اما السائح الاخر فهو الافقر .
مما لا شك فيه ان مدينة بيت لحم ومحيطها تعتبر مثالا له ما يميزه, فهي من جهة وبسبب طابعها الديني التاريخي والذي لا يمكن ان ينتهي ستظل تمثل نقطة جذب سياحية, وهذا يعني نموا اقتصاديا, لكن هذا الجذب قد يهبط احيانا وقد يزدهر في احيان اخرى تبعا للحالة الامنية المحلية اولا والاقليمية ثانيا, ومن جهة اخرى فان وقوع بيت لحم في محاذاة مدينة القدس والتي تمثل نقطة جوهرية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, يضعها في دائرة الاستهادف الاسرائيلية من حيث الاستيطان والمصادرة واحيانا الحصار.
قراءة بيت لحم خارج السياق الفلسطيني قد تخرجنا بنتائج متناقضة,حيث ان المحافظات الفلسطينية الاخرى لا تتسم بالخصوصية التي تحملها بيت لحم , فمدن مثل طولكرم وجنين وقلقيلة , اصبحت بعد حصارها بالجدار والمستوطني طاردة للسكان اكثر مما هي جاذبة لهم , اما الخليل ونابلس فهما بحكم اتساعهما الجغرافي مقارنة بالمناطق الاخرى, فهما ما زالتا قادرة علي استيعاب حالة الضغط التي تعيشها, اما رام الله فهي بحكم محوريتها السياسية والاقتصادية والادارية فهي اكثر جذبا للأهتمام.
اما بيت لحم والتي تتقلص كل يوم بسب الحصار والجدار, الا انها مصرة على الصمود والتصدي لمحاولة ليس فقط سرقة اراضيها وانما سرقتها كتراث وطني وديني وسياحي فلسطيني وتسويقه للعالم كأنها مدينة ومعلم سياحي اسرائيلي. ويصر الاسرائيليين على ابقاء السلام بعيدا عن ارض السلام .