السياحة وقصور القطاع الخاص
بقلم : بلال حسن التل … نحن نمر بضائقة اقتصادية خانقة تكاد تقودنا إلى زلزال مدمر؛ ومع ذلك فإننا لا نقوم بجهد حقيقي للخروج من هذه الضائقة، وينصرف جلّ جهدنا للحصول على مساعدات أو قروض، وكلاهما ليس حلاً، بل تعقيدٌ للمشكلة. والأصل ان نبحث عن حلول جذرية للمشكلة من خلال الاعتماد على الذات، وعلى تنمية قدراتنا المحلية مهما كانت بسيطة، علماً بأننا نمتلك في بعض المجالات مقومات كبيرة لو أحسنّا استثمارها وتسويقها فتسهم إسهاماً كبيرًا في حل أزمتنا الاقتصادية، وفي طليعة المجالات التي نمتلك فيها مقومات قابلة للاستثمار في مجال السياحة، والتي صارت جزءًا أساسيًا من حياة جلّ الناس،
وصارت رافدًا أساسيًا لاقتصاديات العديد من الدول التي تمتلك مقومات أقلّ مما يمتلك الأردن من مقومات سياحية، غير أن العقلية هناك أفضل وأكثر تطورًا من العقلية هنا. بالإضافة إلى أن الإرادة هناك متوفرة وهي شبه معدومة هنا على الصعيدين – الرسمي والشعبي-. فالسياحة ليست عملاً حكومياً صرفًا، بل إن دور القطاع الخاص فيها أكبر من دور القطاع الحكومي، ولعل هذا من أسباب تعثر السياحة في بلدنا، والأدلة على تقصير القطاع الخاص في بلدنا كثيرة، فهل من المعقول أن مدينة مثل جرش بكل ما فيها من آثار وبمهرجانها الذي زاد عمره عن ثلاثة عقود ما زالت تفتقر إلى فندق معقول يأوي إليه زوار المدينة، خاصة أيام المهرجان.
ثم لماذا تظل جرش خاوية على عروشها من المهرجان إلى المهرجان الذي يليه؟ ولماذا لا تقام فيها فعاليات بصورة مستمرة، ليكون المهرجان السنوي الذروة السنوية للأنشطة في المدينة؟ أليست هذه مهمة القطاع الخاص من مستثمرين، ونوادٍ وجمعيات وهيئات ثقافية وفنية..الخ؟ ثم لماذا لا نقيم أسواقًا سياحية ذات طراز معماري تراثي في جرش، وفي غير جرش من مواقعنا السياحية؟ ولماذا لا نقيم فنادق متوسطة تناسب أصحاب الدخل المحدود والمتوسط في مواقعنا السياحية؟ وهذه أيضًا مهمة القطاع الخاص.
إننا ونحن نتحدث عن جرش، إنما نقدمها كنموذج من نماذج التقصير والإهمال، وعدم إكمال المهمة، ففي بلدنا مئات المواقع التي لو أحسن استثمارها لشكلت مصدر دخل وطني كبير، ويكفي هنا ان نشير إلى السياحة الدينية التي نملك كل مقوماتها، ابتداءً من أضرحة الصحابة في مؤتة وعلى امتداد غور الأردن حيث معاذ، وضرار، وشرحبيل، وأبو عبيدة، وجعفر، وابن رواحة، وابن حسان، وغيرهم من الشهداء والقادة العظام من صحابة رسول الله. هذا عدا عن مقامات وأضرحة أنبياء الله الذين عاشوا في بلدنا أو مروا به كشعيب وعيسى، وموسى، وغيرهم عليهم سلام الله جميعًا. فإذا أضفنا إلى ذلك المعارك الكبرى التي جرت في بلدنا، وإهمالنا لمواقعها حيث لم نقم بانوراما لا لليرموك ولا لمؤتة ولا لغيرهما. فلماذا لا نستثمر ذلك كله في إيجاد صناعة سياحة دينية ستدر علينا الكثير الكثير من الدخل؟ وأين هو القطاع الخاص من الاستثمار في هذا المجال الهامّ.
غير السياحة الدينية، فإن بلدنا يمتلك الكثير من مقومات الطبيعة التي لو استثمرت لجلبت مئات الآلاف من الزوار.. فكل الذين زاروا جبال عجلون والمحميات الطبيعية في بلدنا مثل برقش، وضانا، والأزرق، وما حولها من مناطق، يجزمون بأنها أجمل من جبل لبنان، ومن غير جبل لبنان، وأنها قادرة على جذب السياح لو أحسن تطويرها وأدخلت إليها الخدمات، وهنا أيضاً يبرز قصور وتقصير القطاع الخاص، ويبرز السؤال الأهم: لماذا محاولة اختصار الأردن سياحيًا بالعقبة، والبحر الميت، والبترا، على أهمية هذه المواقع، التي نتمنى ان تكون جزءًا من سلسلة سياحية أردنية متكاملة يجري الترويج لها بصورة أفضل مما نفعل الآن؟ حيث نكاد نختصر الترويج السياحي «إن وُجد» على العقبة، والبتراء، والبحر الميت، بل وعن بضعة فنادق في هذه المواقع بطريقة أقرب ما تكون إلى الإعلان التجاري الفج، خاصة عندما تستضيف هذه الفنادق بعض معدّي ومقدّمي البرامج التلفزيونية، الذين أدمنوا على ضيافتها واختصروا شاشات المحطات التلفزيونية عليها متناسين سائر مواقعنا السياحية والأثرية.
خلاصة القول: إن حديث السياحة في بلدنا يدمي القلب، فهو أول ما يؤشر إلى عقلية غير خلاقة وغير جريئة تسيطر على قطاعنا الخاص، وهو حديث يقودنا إلى سيطرة الجشع والرغبة في الربح السريع، اللذين يسيطران على هذا القطاع، بدليل الفارق الكبير بين الأسعار في العقبة والأسعار في شرم الشيخ لمصلحة شرم، وبدليل خروج عشرات الآلاف من الأردنيين في كل عطلة إلى تركيا وغير تركيا بسبب فارق الكلفة، مع أن السفر إلى شرم، أو إلى تركيا، أو إلى غيرها يتضمن أسعار تذاكر الطيران، ومع ذلك تظل هذه المواقع أقل كلفة على المواطن الأردني
وقد أجرى أردنيون كثيرون مقارنات عديدة بين أسعار المرافق السياحية، خاصة الفنادق والمطاعم في عمان وغيرها من المدن الأردنية، مع أسعار المطاعم والفنادق في بيروت واسطنبول وتونس وغيرها، وفي كل المرات كانت المرافق الأردنية الأعلى سعرًا والأقل جودة، وهي قضية لا بد من معالجتها حتى نوقف نزف العملات الصعبة التي تخرج مع الأردنيين الذين يقضون إجازاتهم خارج الأردن هربًا من غلاء المرافق السياحية الأردنية، خاصة الفنادق، التي ينفرد بعضها بفرض رسم دخول مرتفع جدًا ولكي تصبح السياحة بدلاً من ذلك مصدر دخل وطني يساعد في حل أزمتنا الاقتصادية عبر شراكة حقيقية بين القطاعات المختلفة الحكومية والأهلية، فهل نفعلها ونبدأ بعمل جاد يغير وجه السياحة ودورها في بلدنا؟.