متحف دمشق الوطني درة المتاحف الأثرية العالمية
دمشق " المسلة " … يعد متحف دمشق الوطني الذي يتربع على أحد فروع نهر بردى في قلب العاصمة السورية دمشق من أهم متاحف الوطن العربي وأقدمها وأحد أهم المتاحف في العالم. وأنشئ المتحف خلال فترة الاستقلال عن الاحتلال العثماني عام 1919 م بفضل الجهود التي بذلها المجمع العلمي العربي في دمشق وخصص لعرض وحفظ الأثار الكلاسيكية ثم أضيفت إليه قاعتان عرضت فيهما آثار تنسب إلى العصر الإسلامي.
ومع تزايد عدد القطع الأثرية كان لا بد من تشييد مبنى جديد أوسع للمتحف قادر على استيعاب عدد ضخم من اللقى الأثرية السورية حيث أنجز القسم الأول منه عام 1936كما يؤكد نائب مدير المخابر في المديرية العامة للآثار والمتاحف وقارىء النقوش الكتابية القديمة "مسمارية..هيروغليفية.. أبجدية" الدكتور محمود السيد.
وبما أن سورية تعتبر أحد أهم الدول في العالم التي قامت على أرضها حضارات الشرق القديم لذلك كان لا بد من إنشاء قسم متخصص بحفظ وعرض اللقى الأثرية التي اكتشفت في مختلف المواقع الأثرية السورية "موقع الكوم.. الندوية.. ست مرخو.. الشير.. بكسا.. اللطامنة.. القرماشي.. تل المريبط.. المشرفة قطنة.. رأس الشمرة.. رأس ابن هاني.. تل الكزل.. تل الصبي الأبيض.. تل عطشانة.. تل مرديخ.. تل نحاس.. تل طوقان.. تل رفعت.. تل سوكاس.. تل براك.. تل ليلان.. تل قرقر.. تل أم المرا.. تل النبي مندو.. وموقع الصور في شرقي حمص وفي مدينة حلب وقلعتها وفي حوض الفرات مثل.. تل الحريري.. وتل العشارة.. وتل البيعة و مئات المواقع الأثرية غيرها" والتي تؤرخ بعصور ما قبل التاريخ وبعصر البرونز وعصر الحديد.
ويشير السيد إلى أنه في عام 1939 بني القسم الشرقي من المتحف ثم أضيفت له واجهة قصر الحير الغربي المكتشف في بادية الشام وهو القصر الذي بناه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك عام 727م ما أضفى على المتحف قيمة جمالية و تاريخية خاصة ونقلت إلى المتحف القاعة الشامية من قصر مردم بيك في حي الحريقة بدمشق والمؤرخة بالقرن الثامن عشر الميلادي كما نقل أحد مداخل جامع يلبغا إلى حديقة المتحف وفي عام 1950 دشن المتحف الوطني بدمشق رسميا كمتحف وطني دولي بهدف المحافظة على التراث والمساهمة في نشر الثقافة والتوعية.
ويوضح نائب مدير المخابر أن المتحف الوطني يتألف من خمسة أقسام رئيسية.. قسم عصور ما قبل التاريخ و يضم آثارا تؤرخ بأكثر من مليون سنة قبل الميلاد وحتى تاريخ ظهور الكتابة تنسب إلى العصر الحجري القديم أو الباليوليت "5ر2/15/ألف سنة ق.م" والعصر الحجري الوسيط أو الميزوليت 15 ألف إلى 10 آلاف سنة ق.م والعصر الحجري الحديث أوالنيوليت 10 ألاف إلى 5 آلاف سنة ق.م والعصر الحجري النحاسي أو الكالكوليت 5 ألاف إلى 3300 سنة ق.م حيث أن معظم اللقى الأثرية المحفوظة في قسم عصور ما قبل التاريخ تؤرخ للعصر الحجري الحديث.
ويضيف السيد: هناك أيضا قسم الآثار السورية الشرقية القديمة ويضم اللقى الأثرية المؤرخة من 3300/3200 ق.م حتى قدوم الإسكندر المقدوني إلى بلاد الشام حوالي عام 333 ق.م ويتألف من قاعتان لمملكة أوجاريت وقاعة لحضارة و ممالك سورية الداخلية وقاعة لحضارة وممالك الساحل السوري وقاعة لمملكة ماري.
وأيضا قسم الآثار السورية الكلاسيكية أو المؤرخة بالعصر اليوناني والروماني والبيزنطي و يتألف من جناح آثار حوران وجبل العرب وجناح آثار مملكة تدمر و مدينة دورا أوروبوس وجناح الفن الروماني.. اليوناني.. البيزنطي وقسم الآثار العربية الإسلامية وأهم قاعاته قاعة الرقة وقاعات الزجاج إضافة إلى قسم الفن الحديث.
ويؤكد قارئ النقوش الكتابية أن متحف دمشق الوطني يصنف كواحد من أهم المتاحف العالمية نظرا لما يحتويه من لقى أثرية ونقوش كتابية تشكل أحد أهم المصادر العالمية في تأريخ الحدث وتدوين أحداث الماضي وفهم المراحل التي مر بها تطور الحضارة الإنسانية وكيفية الانتقال من مرحلة الجمع واللقط والصيد والسكن في الكهوف والمغاور إلى مرحلة الزراعة والاستقرار والتدجين وتشكل القرى الزراعية ومن ثم المدن وتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية و الدبلوماسية والعلمية والقضائية والأدبية بفضل اختراع الكتابة.
ويتابع السيد يوجد في المتحف الوطني بدمشق على سبيل المثال أقدم فأس حجري آشولي مكتشف في العالم خارج القارة الإفريقية مؤرخ بالمرحلة الثانية من العصر الآشولي المبكر اكتشف في موقع ست مرخو الأثري في محافظة اللاذقية ويعتقد أنه صنع وفقا لنمط الألدوفاي الذي شاع في الفترة الواقعة ما بين 4ر1 مليون سنة و3ر1 مليون سنة وينسب إلى إنسان الأمو..أوراكتوس استخدم بشكل رئيسي في الكسر.
كما يوجد في المتحف ناقوبة مصنوعة من حجر الصوان تؤرخ بحوالي خمسمائة ألف عام ق.م اكتشفت في موقع اللطامنة الأثري وشظية مصنوعة من حجر الصوان عليها بقايا مادة القار تجسد أقدم دليل مكتشف في العالم حتى الآن على استخدام القار كمادة لاصقة من أجل تثبيت الشظية في شق محدث في القبضة تؤرخ بأربعمئة ألف عام قبل الميلاد اكتشفت في موقع أم التليل الأثري إضافة إلى فأس يدوي مصنوع من حجر الصوان اكتشف في موقع أرض حماد الأثري ويؤرخ بأربعمئة ألف عام قبل الميلاد ومقشط مصنوع من حجر الصوان استخدم في تقصيب الحيوانات وكشط جلودها ويشكل ظهوره أحد الدلائل على الانتقال من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الوسيط اكتشف في يبرود ويؤرخ بحوالي مئة ألف عام قبل الميلاد ومئات القطع غيرها التي تشكل واحدة من أهم المصادر في دراسة المراحل التي مرت بها صناعة الأدوات الحجرية في عصور ما قبل التاريخ.
كما يملك المتحف الوطني أقدم وعاء مصنوع من حجر الكلوريت مكتشف في سورية ينسب تاريخه إلى الألف التاسع قبل الميلاد اكتشف في موقع تل جرف الأحمر الأثري وأنية من الحجر غطيت بطبقة من الصلصال ممهورة بختم يعود تاريخها إلى 5200 عام قبل الميلاد اكتشفت في موقع تل الصبي الأبيض الأثري.
بالاضافة إلى أكمل هيكل عظمي لإنسان النياندرتال معروف في العالم يعود إلى طفل نياندرتالي ينسب تاريخه إلى أكثر من مئة ألف سنة اكتشف في كهف الديدرية في وادي نهر عفرين في منطقة جبال سمعان شمال حلب. وأقدم نحت لوجه بشري في منطقة الشرق الأوسط اكتشف في موقع جرف الأحمر الأثري يعود تاريخه إلى الألف التاسع قبل الميلاد وأقدم تمثال يمثل بشر مصنوع من الطين يؤرخ بالألف السابع قبل الميلاد اكتشف في جزيرة أرواد.
ويشير السيد إلى أنه يوجد في المتحف الوطني بدمشق أيضا لوحة حجرية بازلتية حفر عليها أقدم نوع من أنواع الكتابة الصورية في العالم اكتشفت في موقع تل الجرف الأحمر الأثري على الضفة اليسرى لنهر الفرات تنسب إلى عصر النيوليت ما قبل "الفخاري أ" ويمكن تأريخها في الفترة الواقعة ما بين 8700 /8500 سنة ق.م. كما تمثل اللوحة واحدة من أقدم نماذج العد والإحصاء عند الإنسان القديم.
ويملك المتحف الوطني أيضا أقدم نوطة موسيقية كاملة في العالم منقوشة بالكتابة المسمارية على رقيم فخاري يحتوي أربعة أبيات شعر مدونة بالكتابة المسمارية الحورية يليها ستة أسطر مدونة بالكتابة المسمارية الأكادية فيها أسماء الأبعاد الموسيقية البابلية اكتشفت في مملكة أوجاريت في محافظة اللاذقية يؤرخ بالقرن الرابع عشر قبل الميلاد.
ويفتخر المتحف الوطني بامتلاكه لرقيم فخاري نقشت عليه أقدم أبجدية مسمارية في العالم ذات نظام قواعدي متكامل هي أبجدية أوجاريت يؤرخ بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد ورقيم فخاري آخر نقشت عليه أبجدية مسمارية وفقا لترتيب الألفبائية العربية الجنوبية وهو الوحيد في العالم فضلا عن امتلاكه للرقيم الفخاري المنقوش بالإشارات الأبجدية الأوجاريتية والوحيد في العالم الذي يقرأ من اليمين إلى اليسار.
بالإضافة إلى خرزة من حجر اللازورد مضلعة لها ثمانية وجوه كتب عليها بالخط المسماري السومري "هدية من ميزانيبادا ملك مدينة أور للرب كال في عهد كانسو ملك ميرا أي مملكة ماري" ورقم مسمارية آكادية وحورية وحثية وأوجاريتية تتحدث عن الطب البشري والطب البيطري السوري خلال الألف الثاني قبل الميلاد والاتفاقيات الدولية بعضها ممهور بأختام ملكية ورقم فخارية نقشت عليها كتابات قبرصية.. ميناوية موجودة فقط في متحف دمشق ومتحف حلب ومتاحف قبرص فضلا عن كتابات لوفية حثية نقشت على فخار ومعادن أهمها ختم الملك الحثي مورشيلي الثاني وخاتم نقش عليه عبارة المرأة الحرة.
ماسبق ذكره هوجزء يسير من اللقى الأثرية السورية المحفوظة في متحف دمشق الوطني والتي تشكل جزءاً أساسياً من الوثائق الأثرية والتاريخية التي توثق تاريخ الحضارة الإنسانية والمراحل التي مر بها تطورها والسمة المميزة لكل عصر من العصور التاريخية التي عاشتها الحياة البشرية فالقيمة التاريخية والأثرية والعلمية والفنية لهذه القطع الأثرية هي التي منحت المتحف الوطني بدمشق هذه المكانة المرموقة كواحد من أهم المتاحف الأثرية في العالم.