عصر ما بعد الحاسب الشخصي يقترب
القاهرة " المسلة " … سادت الحواسيب الشخصية بمختلف أنواعها طوال العقود الثلاثة الماضية لأغراض الاستخدام الشخصي والعملي، إلا أن الأمر تغير مع انتشار الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية حتى صار الحديث عن اقتراب عصر «ما بعد الحاسب الشخصي» أمراً واقعاً، من دون أن يعني ذلك نهاية الحواسيب الشخصية كليةً.
ومن ناحية، يعكس هذا جانباً من التغيرات الجارية في مجتمعات عدة، ومنها تزايد اعتماد الناس على الإنترنت لمهام مختلفة من الشبكات الاجتماعية إلى التسوق والعمل، وبالتالي تزايدت حاجتهم إليه في أوقات وأماكن قد لا يلائمها استخدام الحواسيب الشخصية.
كما يُؤكد، من ناحية أخرى، التحول في عالم التكنولوجيا؛ فمن قبل كانت التقنيات الجديدة تركز أساساً على مراكز الأبحاث والشركات والقطاع الحكومي، وفيما بعد تصل إلى المستهلكين مرحلة تالية، بينما وقبل ما يزيد على 10 سنوات صار الاتجاه عكسياً، وأصبح المستهلكون هم الدافع الأول للابتكار، فيحصلون أولاً على الابتكارات الجديدة قبل أن تصل إلى عالم الأعمال.
ويتضح هذا الاتجاه حالياً، بسرعة تفوق ما كان متوقعاً، مع غزو الحواسيب اللوحية لمكاتب العمل التي ظلت حكراً على الحواسيب المكتبية والمحمولة، ولم يعد خافياً تراجع مبيعات الأخيرة مقابل الحواسيب اللوحية، فمن المتوقع أن يقل عدد شحناتها هذا العام عن 300 مليون جهاز بنسبة انخفاض تزيد على 11% بالمقارنة مع العام الماضي، وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يتم شحن 184 مليون حاسب لوحي بزيادة 53% على العام الماضي، وإذا ما استمرت الأمور على هذا النحو، تتوقع شركة «جارتنر» للاستشارات التقنية أن تتجاوز الحواسيب اللوحية نظيرتها الشخصية في غضون عامين.
ولا يطمح منتجو الحواسيب اللوحية لضمان تفضيل المستهلكين العاديين وحسب، بل يسعون للحصول على المرتبة ذاتها في الشركات وقطاع الأعمال، وهو ما يمكن أن يظهر مع توالي إطلاق المنتجات الجديدة، وعلى سبيل المثال، شهد يوم 22 أكتوبر الماضي إعلان كل من «أبل» و«نوكيا» و«مايكروسوفت» عن حواسيب لوحية جديدة، بحسب مقال نشرته مدونة «باباج» التابعة لمجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
وضمن سباق منتجي الحواسيب اللوحية لإيجاد موضع لها داخل مجال الأعمال، تحتفظ «مايكروسوفت» وشريكتها «نوكيا» بموقع متقدم على منافسيها؛ نظراً إلى أن حواسيبها اللوحية، وكذلك ما تقدمه بعض الشركات الأخرى، يُشغل بعض تطبيقات نظام «ويندوز» المهمة في مجال الأعمال التجارية.
وفي عدد كبير من الشركات، باختلاف حجم أعمالها، في مختلف أنحاء العالم، يُمثل برنامج «وورد» من «مايكروسوفت» الخيار الأول لبرامج معالجة النصوص، وينطبق الأمر نفسه على «إكسل» كبرنامج للجداول الحسابية، و«أوتلوك» للبريد الإلكتروني وتنظيم جداول العمل، وفي المقابل، لا تتوافر حزمة برامج «أوفيس» بشكل رسمي لحواسيب «آيباد» اللوحية، على الرغم من شيوعها بين عدد كبير من مستخدمي حواسيب «ماك» الشخصية. لكن ذلك لا يعني أن «أبل» قد تراجعت مكانتها؛ فلدى حواسيب «آيباد» ميزة خاصة يصعب على المنافسين مجاراتها. وبحسب المقال، فسعياً من «أبل» لتحسين مكانتها يُتوقع أن تطرح في المستقبل غير البعيد فئة جديدة من «آيباد» تُخصص للشركات.
ويركز منتجو الحواسيب اللوحية على إيجاد مكان لمنتجاتهم في وسط الشركات؛ لأن قطاع الأعمال يمثل الموضع الأخير الذي يوفر هوامش ربح قوية إلى حد معقول، فعلى الرغم من إقبال المستهلكين على الحواسيب اللوحية، إلا أن السوق مزدحمة، وحتى «أبل» تخوض المنافسة مع حواسيب «أندرويد» المتنوعة والرخيصة التي تنال معظم المبيعات. وتزداد حدة المنافسة مع دخول لاعبين جدد إلى الميدان لا تعنيهم بالدرجة الأولى أرباحهم المباشرة من مبيعات الحواسيب اللوحية، ويشير مقال المجلة البريطانية إلى شركة «أمازون» التي أطلقت حاسبها اللوحي «كيندل فاير» بسعر يبدأ من 139 دولاراً، إذ تبتغي الشركة المتخصصة في خدمات التجارة الإلكترونية من ورائه تسهيل عمليات شراء مزيد من البضائع عبر موقع «أمازون».
وعلى مستوى قطاع الأعمال في الوقت الراهن، تبدو هذه المسألة ملحة لكثيرٍ من الشركات؛ لأن مديري أقسام تكنولوجيا المعلومات لم تعد لهم الكلمة الأولى في اختيار أجهزة الحاسب التي يستخدمها الموظفون، وهو الأمر الذي بدأ مع سماح الشركة للموظفين باستخدام أجهزتهم الخاصة من هواتف وحواسيب لإتمام العمل، ووصلها بشبكة الحواسيب الخاصة بالشركة. وهو الأمر الذي قاد إلى الاتجاه المعروف باسم «اجلب جهازك الخاص»، الذي يُشار إليه بالأحرف الأولى «بي واي أو دي»، ويشهد هذا الاتجاه انتشاراً سريعاً؛ بفضل تراجع أسعار الحواسيب اللوحية، وتحسنها من الناحية الأمنية، وإثباتها جدارة للقيام بمهام العمل الحقيقي.
ولعبت قدرات الحواسيب اللوحية دوراً مهماً في دعم هذا الاتجاه؛ ففي العمل صارت تنجز مزيداً من المهام اعُتبرت حكراً على الحواسيب المكتبية والمحمولة في الماضي، وفي المنزل تُستخدم كشاشة ثانية لتصفح البريد الإلكتروني ولألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام والعروض عبر الإنترنت، ومع هذا العدد المتزايد من الوظائف لا يشعر المستخدمون بالحاجة إلى ترقية حواسيبهم الشخصية وشراء أخرى أحدث، ويرونها «جيدة بما يكفي» لإنجاز المهام القليلة المتبقية التي تعجز عنها الحواسيب اللوحية.
وفي الواقع كان انطلاق الحواسيب اللوحية بسيطاً بدرجة مدهشة؛ لأنها جيدة بدرجة كافية لاحتياجات المستخدم وسهلة الاستخدام؛ فقد طُورت في الأصل كمنتجات للأفراد أكثر من كونها أدوات احترافية لإنجاز الأعمال، ولذلك من السهل تشغيل الحاسب اللوحي ويعمل على الفور بعكس الحواسيب الشخصية التي تتطلب الانتظار دقيقتين، لكي يتم تحميل نظام التشغيل الضخم.
ويُسلط هذا الفارق الضوء على صدام الثقافات الحوسبية، الذي يجري في مكاتب العمل في كل مكان، ومما لا شك فيه أن منتجي الحواسيب اللوحية الذين يركزون بالأساس على حاجات المستهلك ستكون لهم اليد العليا في الصراع، وهؤلاء يقودون كثيراً من الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات، بجانب فئة أخرى، وهي بعض الشركات التي توقفت عن إنتاج الحواسيب الشخصية وبرمجياتها لتركز جهودها على إدارة وتقديم خدمات التخزين السحابي. فعصر «ما بعد الحاسب الشخصي» سيوفر للمستخدم جميع الوظائف الذكية الأساسية من خلال بعض الأجهزة في متناول يده، أو في المخدمات السحابية التي تُتيح له الوصول الفوري ومن أي مكان إلى ملفاته، ومشاركتها مع الآخرين من دون الاعتماد على قدرت الجهاز على المعالجة ومساحات التخزين.