جرافيتي صيني على جدران معبد الأقصر يدفع بكين لإطلاق حملة لـ «التحضر السياحي»
بكين " المسلة " … تعد مدينة ليجانج بجنوب شرق الصين مثالا قويا حول كيف ساهمت زيادة معدلات السياحة في تحويل وتغيير هيئة أحد المقاصد المفضلة لملايين الصينيين الذين يسعون للهروب لعدة أيام من صخب المدن الكبرى. ولكن يبدو أن الهروب من الضوضاء قد لا يجلب إلا ضوضاء أكبر، فتلك المدينة التي تم إدراجها على قائمة اليونسكو الخاصة بتراث الإنسانية، حيث كانت في القدم مركزا تجاريا مع بورما والهند، حينما تمتلئ عن آخرها يزداد فيها الصخب والضجيج الذي يختلط في المساء بأضواء الإنارة المختلفة في مشهد معتاد بمناطق سياحية أخرى مثل جزيرة إيبيزا الإسبانية أو بوكيت التايلاندية.
دفع هذا الأمر الحكومة الصينية إلى وضع لافتات بمختلف أنحاء المدينة تطالب الزوار بالتصرف كـ «سائحين متحضرين»، وذلك في إطار حملة قومية تلقت دفعة قوية في مايو الماضي، جدير بالذكر أن صورة مراهق صيني قام برسم «جرافيتي» على معلم أثري يبلغ عمره ثلاثة آلاف و500 عام بمدينة الأقصر كانت سببا في موجة من الغضب التي اجتاحت البلد الآسيوي حول غياب التوعية الصحيحة بخصوص التعامل مع الآثار والمعالم التاريخية.
حول هذا الأمر يقول خبير السياحة بجامعة بكين «وو بي هو» إن حوادث مثل تلك التي وقعت، تلفت في الغالب الانتباه على الصعيد الدولي بشدة، بسبب الزيادة المطردة في رحلات السائحين الصينيين للخارج حيث يقول «خلال السنوات الأخيرة، ازدادت رحلات الصينيين للخارج، لذا تصرفاتهم أصبحت تحت المنظار ووسائل الإعلام الأجنبية بصورة أكبر». وأضاف «وو بي هو»: «قضية الجرافيتي الذي رسم في مصر تسببت في انتقادات عديدة ومتنوعة على الإنترنت، وهو الأمر الذي يعكس وعيا بضرورة حماية التراث التاريخي، ويظهر أن تصرفات الصينيين كسائحين في الخارج يجب أن تتحسن».
من ناحيته يرى المشرف على قطاع سياحة الشباب بشنغهاي «وانج زيوي» أن بعض المشكلات تعكس اختلافات ثقافية، حيث يظهر هذا الأمر خاصة في الرحلات إلى أوروبا، مضيفا «على سبيل المثال، البصق على الأرض أو التحدث بصوت مرتفع، الغرب ليس لديه مثل هذه العادات».
وعادة فإن أغلب الصينيين يسافرون في مجموعات خاصة إذا كان الأمر خارج البلاد، وهذا الأمر يعود جزئيا لقيود التأشيرات التي تفرضها السلطات في البلاد على الصينيين في حالة السفر الفردي، وأمام زيادة السياحة الصينية الموجهة لأوروبا وجنوب شرق آسيا ضمن دول أخرى، فإن نائب رئيس الوزراء «وانج يانج» حث في مايو الماضي المواطنين على التحلي بـ «قيم صحية وحضارية وعرض صورة جيدة للصين».
في بعض الأماكن مثل باريس تعتبر زيادة السائحين الصينيين بمثابة صداع في الرأس لبعض السكان المحليين والشرطة أيضا بسبب سهولة سقوطهم في فخ السرقات وعمليات النصب، كما تسببت هذه الزيادة في إثارة إعجاب الكثيرين من المستفيدين من هذا الوضع لما لهذا الأمر من أبعاد.
ولكن نمو السياحة بالنسبة للسياحيين لم يكن خارجيا فقط، بل داخليا أيضا، فوفقا لآخر إحصائيات الحكومة فإن الصينيين البالغ تعدادهم مليار و340 مليون نسمة يقومون بـ83 مليون رحلة للخارج سنويا وثلاثة مليارات رحلة داخلية. وأثناء النقاشات التي جرت بعد واقعة الأقصر، تحدثت وسائل الإعلام المحلية عن وقوع حوادث مشابهة في الصين، على سبيل المثال قيام سائح صيني في فبراير الماضي بوضع توقيعه على أحد مراجل المدينة المقدسة أو «المحرمة» في العصر الإمبراطوري، والتي تدخل أيضا ضمن قائمة التراث الإنساني، وتعد من أهم الآثار التي تمتلكها العاصمة الصينية بكين.
ويقول معارضو هذه التصرفات التي تصدر من السائحين أن الزوار والحكومات المحلية وشركات السياحة ينقصها الحس الثقافي في المناطق البعيدة، والأقل تطورا في الصين والتي يسكنها غالبا أقليات تبتية ومنغولية أو من اليوجور. عن هذا الأمر يقول الخبير وو «بوجه عام فإن سكان المناطق الأكثر ثراء يسافرون إلى المناطق الأكثر فقرا، لذا يحدث تصادم بين الثقافة العليا والثقافة السفلى، داخل هذا الإطار يوجد من يحترم العادات والثقافة المحلية، ولكن يوجد آخرون لا يفكرون سوى في الوقاحة والغرور، ولكن هذه مشكلة في كل الأماكن وليس الصين فقط». وبعد فضيحة الأقصر نشرت الحكومة لائحة حول التصرفات التي يجب أن يتحلى بها السائح في الخارج، وستشكل جزءا من قانون جديد للسياحة، من المتوقع صدوره في أكتوبر المقبل، حيث ينص على أن «كل المواطنين ملزمون بأن يكونوا سائحين حضاريين»، ويحث أيضا على عدم الإضرار بالآثار أو تسلقها مع التقاط الصور في الأماكن المسموح بها فقط. في الوقت نفسه يؤكد «وو» على ضرورة قيام وكالات السفر بلعب دور في «توجيه العملاء» حول الفرق بين التصرف في الوطن والخارج، وإن كان هذا الأمر صعبا خاصة مع تطبيق مبدأ «العميل دائما على حق طالما دفع ما عليه».
المصدر : – د.ب.أ