القطارات المعلقة.. الحل الأمثل للنقل في مكة المكرمة
مكة المكرمة " المسلة " … يقترح خبراء في مجال النقل إمكانية مد جسور أنفاق معلقة لربط المشاعر المقدسة بالحرم المكي الشريف، مؤكدين أن هذه التكنولوجيا مناسبة للمدن التي تحتوي على حواجز طبيعية كالجبال والأودية والمسطحات المائية كطبيعة مكة المكرمة، ويمكن أن تساعد على ربط مواقع جبلية بعيدة سواء كانت على ارتفاعات مماثلة.
وقال علي اليافعي مهندس في مشاريع النقل إن مكة المكرمة مدينة معقدة «طيبوغرافيا» لديها حزام جبلي مسور، لكن كل هذا على وشك أن يتغير مع أنظمة المترو التي سيجري بناؤها في مكة جنبا إلى جنب مع خطط طموحة للمنظمة السكك الحديدية السعودية لربط المملكة مع خدمات السكك الحديدية بين جميع مدن السعودية بشكل سريع وفعال، بما في ذلك 450 كيلومترا لمشروع قطار الحرمين فائق السرعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر مدينة جدة.
وشدد اليافعي على أهمية الدراسات البحثية والاستراتيجية التي تنبثق من مدى المعرفة بوسائل النقل اللازم وجودها وطرحها في العاصمة المقدسة في ظل توافد أكثر من 10 ملايين معتمر وحاج سنويا إلى مكة المكرمة، وهي ما تتزامن مع أنظمة السكك الحديدية الحضرية. قد يتبادر إلى الأذهان معرفة الكم المتوقع من الناس ممن هم على استعداد للتخلي عن سياراتهم المحبوبة وشراء تذكرة السكك الحديدية بدلا من ذلك. ويشير الخبير اليافعي إلى التساؤل قائلا: هل لدى الناس القابلية للتحول الثقافي في استخدام القطارات؟ هل المسافرون على استعداد أن يستخدموا السكك الحديدية بدلا من استخدام الخدمات الجوية المجدولة بشكل أسرع؟
ويكمل: إن «شبكات السكك الحديدية تعد تجربة جديدة على المجتمع السعودي، وكان يجب تأطيرها جغرافيا منذ فترة بعيدة خاصة في العاصمتين المقدستين واللتين تتعرضان لضغط كبير على البنية التحتية.. ويجب من خلال تلك المشاريع أن تسير وفق رؤية علمية ممنهجة، وأن يكون لها تأثير هائل على اقتصادنا من حيث الحركة السريعة وكفاءة الشحن، ولكنها تحتاج أيضا إلى أن تتبناها منظومة الركاب أيضا، وهذا يعني أنه من حيث السعر والخدمة، يجب أن تكون خدمات السكك الحديدية الجديدة على حد سواء تنافسية وجاذبة مقارنة مع الرحلات الداخلية للحد من استخدام الرحلات البرية، مع تقديم تسهيلات للعمل على متن القطار، مع اتصالات جيدة وربما حتى مناطق خاصة حيث يمكن عقد اجتماعات مع نوعية جيدة من المطاعم، وتطوير كامل للمرافق والخدمات بشكل يبعث على التنافس أوروبيا وعالميا.
وضرب اليافعي مثالا على موسم رمضان المبارك والذي نعيشه في هذه الأيام، ورغبة جميع القاطنين في مكة المكرمة للذهاب والصلاة في المسجد الحرام في جميع اتجاهاتها المالية والغربية والشرقية والجنوبية، والمشكلة المتسقة في هذا الإطار، هو أن مكة لديها اتصال مباشر مع مدينتين مركزيتين وحيويتين، هما جدة والطائف، وكثير من قاطنيها يقصدون مكة للصلاة فيها بشكل ويومي وهو ما يفتح مجالات للتحدي بأن تربط مكة بسلسلة القطارات، لمساعدة العاصمة المقدسة وتخفيف الضغط عنها، في ظل وجود مواسم الحج والعمرة، ووجود الشباب الذين ربما لن يتخلوا عن حبهم لسياراتهم بسهولة، بيد أنها عملية ثقافية صرفة.
إلى ذلك قال سعد الشريف، خبير المنطقة المركزية لـ«الشرق الأوسط»، إن إنشاء البنية التحتية للمدينة الذكية يتطلب التبصر في جميع وظائف الدعم الحضارية الكبرى وهذا ينسحب على توحيد المعلومات وإنشاء بنية تحتية قوية جدا وحماية البنية التحتية القديمة والجيدة وتطويريها، كل هذه المؤشرات يمكن أن تكون دافعا قويا في بانوراما المدينة الذكية.
وأفاد الشريف أن مكة المكرمة دأبت حاليا على الدخول في منظومة نقل متطورة وعالمية، والذي سيبدأ تقريبا بعد ثمانية أشهر، حيث تضع حاليا إحدى الشركات العالمية التصاميم النهائية للمشروع الذي سينقل النقل العام التقليدي إلى النقل بأحدث الوسائل العالمية، تمهيدا لإحلال مترو مكة داخل عباءة النقل العالمي لتصبح المدينة الذكية، حيث أصبح من الحقائق المقبولة أن عددا من العوامل تتلاقى سويا للشروع في عملية النقل وآثاره المهمة والاستراتيجية اللازم توافرها في مكة، وهو ما أقره العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وأمر بتنفيذه بتكلفة تبلغ 62 مليار ريال تنفذ على ثلاث مراحل، ستغطي بالكامل مدينة مكة المكرمة، مكونة من أربعة خطوط مترو، يصل مجموع أطوالها بعد اكتمالها إلى 182 كيلومترا و88 محطة، وهي بذلك تغطي مناطق التنمية الحالية والمستقبلية حسب المخطط الهيكلي لمكة المكرمة.
وفي نفس الوقت، وبحسب الشريف، فإن ارتفاع تكاليف الطاقة والمخاوف البيئية على خلق متطلبات جديدة على حد سواء في التحكم في الطاقة والرصد البيئي، أمر مهم خصوصا في المدن التي تعاني ضغطا كبيرا على بناها التحتية، كل ذلك يبعث حول التحديات الحقيقية جراء استخدام الحافلات بشكل رئيس في العاصمتين المقدستين، فضلا عن المخلفات البيئية التي تنبعث من العوادم السفلية لحافلات نقل الركاب في البلاد والقلق إزاء ما تسببه من مخاطر صحية ومنها إزعاجات رئوية ومشكلات دائما تصيب بأمراض الربو، لافتا إلى أن ما يتم نفثه من العادم يكون على المستوى الأفقي مما يضاعف من الآثار السلبية على الصحة العامة، وعلاوة على ذلك، فإن كمية المعلومات تجعل الاتجاه باستخدام منظومة نقل القطارات وهي الأكثر فاعلية للمواطنين والحجاج والمعتمرين، وهو طلب يتنامى بسرعة كبيرة مع فهم وتقييم الأحداث المحيطة بهم بشكل أفضل.
وأشار خبير المنطقة المركزية، أن ما يبعث على التحدي والعمل بشكل استراتيجي هو ربط المشاعر المقدسة من وإلى الحرم بشكل ذكي وحضري، ويقول إن «التحدي فرضه تكدس الحافلات، ونرى فيه الحافلات تتدفق بشكل كبير إلى الحرم خاصة في موسم الحج، وتمر عبر الأنفاق، بحكم أن الأنفاق هي السبيل الوحيد والأقصر والأفضل للوصول بانسيابية نحو الحرم، هذا التدافع الكبير في المركبات أمر مربك لأي جهاز أمني ومروري عالمي، في وقت تشهد فيه دوما طرق العاصمة المقدسة هذه الأيام خاصة المناطق التي تكثر بها المراكز التجارية ازدحاما شديدا حيث تزحف أرتال المركبات في الشوارع الرئيسة المؤدية إلى تلك المجمعات وحولها».
وأفاد الشريف أنه يجب تعيين السلامة العامة الشاملة للنمو في الكثير من المناطق الحضرية الكبرى في جميع أنحاء العالم، وهذا يحدث من خلال تشجيع ترابط الأنظمة وتبادل المعلومات بين وظائف الدعم الرئيس للمدينة، والاتصال المباشر بمجال التكنولوجيا وخدمات الدعم على عدد من مشاريع البنية التحتية المتقدمة، التي من شأنها أن تنسق جميع خدمات الدعم في التنمية الحضرية.
وقال الشريف: «هناك حاجة متزايدة للمدن الكبيرة لتحسين الطريقة التي ترصد تطبيقات الأعمال الأساسية الخاصة بها، مثل النقل، والأمن، وتوزيع الطاقة، وتوزيع المياه وإدارة النفايات وشبكات الاتصال، كي تعمل بشكل مستقل، مع أنظمة تكنولوجيا المعلومات المكرسة والمتداخلة مع المعلومات التقنية، حيث يهدف مفهوم المدينة الذكية إلى سد الفجوة من خلال إتاحة الفرصة لجميع هذه التطبيقات التجارية الرئيسة لتغذية المعلومات في الوقت الحقيقي في منصة إدارة مركزية، ومن خلال ربط هذه الطبقات الأمنية معا، فمن الممكن خلق منصة إدارة قوية، لتحسين رصد وصنع القرار وتنسيق الإجراءات من قبل جميع الخدمات المعنية». وهناك فوائد متعددة، بدءا من إدارة الطاقة الذكية، وتحسين الرصد البيئي وتخصيص الموارد الأمثل، والتخطيط والترقب على نحو أفضل، فضلا عن سرعة الاستجابة لحالات الأزمات.
وقال الشريف بأهمية تحسين البنى التحتية لدعم منطقة حضرية كبرى، ويعتبر أيضا مفهوم المدينة الذكية وسيلة لتحسين جاذبية للتطورات العمرانية الجديدة، حيث يتم حاليا بناء مدن جديدة من الصفر، لا سيما في آسيا والشرق الأوسط، ومن الأمثلة على ذلك مدينة نوسجايا في ماليزيا، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه التطورات العمرانية الجديدة تتنافس على جذب الشركات والمستثمرين على حد سواء مثل الكفاءة البيئية (الإيكولوجية للمدن) أو المحاور الثقافية والفكرية والأعمال (المعرفة ومدن اقتصادية)، وكثيرون ينظرون إلى مفهوم المدينة الذكية باعتبارها الاختلافات القوية في هذا الصدد، ومن المتوقع أن تحفز الاستثمار الحيوي كجزء من هذه المشاريع العمرانية الجديدة.
من جهته قال محمد ناجي، أستاذ الهندسة المدنية، إن «مكة المكرمة وتصميم هندسيتها، أمر بالغ الأهمية، ويجب فيه اختيار التكنولوجيا المناسبة الخاصة بالنقل، وأن عددا من التقنيات عالية القيمة والمفاهيم السوقية للمدينة الذكية موجود بها، بما في ذلك أجهزة الافتراض البيئية وإيجاد أجهزة أخرى حديثة لمراقبة أعمال القطارات القادمة والمتوقع بأن تحدث فارقا مهنيا كبيرا من حيث تهيئة مراقب أجهزة افتراضية تجمع التكنولوجيا والخدمات وتربط المعلومات من جميع نظم الأمن المتورطين في عمليات مهمة حاسمة، ومراقبة أجهزة افتراضية تنتج تقارير تقييم الوضع في الوقت الحقيقي للسماح بالعمل المنسق من جانب جميع الأطراف المعنية، من وحدات النقل المترابط وخدمات البنى التحتية».
وأفاد ناجي بأهمية تعاضد خبرات النقل التي تكونت لدى الأجهزة المرورية في السعودية، والتي أكسبها بعدا تنظيميا حقيقيا بحكم خبراتها المتراكمة التي تخدم جميع المكونات الرئيسة لنظام المدينة الذكية التي يأمل المسؤولون عليها تقديمها، من وسائل النقل، وتوزيع الاستراتيجيات الفاعلة وخدمات المطارات، لجميع أشكال البنية التحتية الحيوية جنبا إلى جنب مع عمليات قوات الأمن والتركيز على خصائص واحتياجات مكونات البنية التحتية المحددة باعتبارها حجر الزاوية في تنمية المدن الذكية.
وأشار ناجي إلى أن بدأ مفهوم المدن الذكية آخذة في التشكل منذ سنين في السعودية، كوسيلة ممكنة للتعامل مع واحدة من النتائج الأكثر وضوحا للعولمة والمعني بالنمو الحضري المتسارع وبحلول عام 2050، سيكون هناك 3.3 مليار نسمة يعيشون في أكثر المناطق الحضرية، والقلة سوف يعيشون في المناطق الريفية، مؤكدا أن الغرض من المدن الذكية هو إيجاد سبل للتعامل مع المدن المتحضرة سريعة النمو كمكة المكرمة، من خلال استخدام تقنيات الحوسبة الذكية وتطبيقها على سبعة مكونات وخدمات البنية التحتية الأساسية: الرعاية الصحية، والتعليم، والعقارات، والنقل، والمرافق، وإدارة المدينة والسلامة العامة، مع تقديم الحلول التي تغطي الكثير من هذه المكونات البنية التحتية الأساسية التي ستجرى على مدى السنوات العشر المقبلة.
وأبان ناجي، أن مكة تواجه تحديا كبيرا في فتح عنق زجاجة النقل، وتحسين تجربة المستخدم في وسائل النقل وإحداث خطط علمية ناجعة في نموذج المدينة الذكية والقيام بدور فاعل في مشروع بحثي تعاوني يشمل الشركاء الاستراتيجيين لتصميم تقنيات إدارة وسائل النقل العام ودراسة معلومات وخيارات النقل، لتحسين الراحة والاعتماد الكلي على القطارات، بالإضافة إلى أن مشغلي وسائل النقل العام سيتم إكسابهم القدرة على تحسين إدارة أسطولهم في الوقت الحقيقي، والحصول على رؤية أكثر وضوحا في حركة المرور في المدن والقدرة على الرد على الاختناقات المرورية. وأخيرا، سهولة وصول المعتمرين والحجاج إلى وجهتهم في الوقت المحدد، وذلك بفضل البنية التحتية للنقل متعدد الوسائط الذكية.
من ناحيته قال نبيل كوشك، وكيل جامعة أم القرى للإبداع المعرفي إن «الكابينات من الممكن أن تكون معلقة من فوق بالكابلات الممتدة بين محطات الركاب والمسندة على الأبراج، وتسير هذه الكابينات بسرعة منتظمة بين محطات الركاب في دورة ثابتة، وهذه التكنولوجيا مناسبة للمدن التي تحتوي على حواجز طبيعية كالجبال والأودية والمسطحات المائية كطبيعة مكة المكرمة، إذ يمكن أن تساعد على ربط مواقع جبلية بعيدة سواء كانت على ارتفاعات مماثلة أو مختلفة، مما يسهل تنمية الجبال كأراض سكنية أو تجارية دون الحاجة إلى تغيير التضاريس الجبلية للمدينة».