"دبور زن.. علي خراب عشه"
بقلم : جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين
تُقاس الوطنية بمدي التجرد والبذل والعطاء من أجل تقدم الأوطان وازدهارها. في نفس الوقت يُعرف قدر قادة الدول بما يمكن أن يقدموه لجمع الشمل وإقناع وتحفيز الشعب علي المشاركة الإيجابية والتضحية وصولا إلي الآمال والتطلعات. تفعيل هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك اقتناع شعبي بهذه القيادة وأن يتوافر الإيمان بقدرتها علي القيادة والأداء.
ليس من فرصة للنجاح والاستمرارية أمام هذه القيادة إذا ما اختارت أن تسلك طريق تقسيم وشق الصفوف وإثارة الصراعات إلي حد التقاتل بين أطياف الشعب.
لا جدال أن الحكمة السياسية في الحالات المعبرة عن الإرادة الشعبية تفرض عدم اللجوء إلي العناد. إن العقل في مثل هذه الحالات يقضي بالاستجابة لهذه الإرادة علي أساس أنه لا قدرة لأحد علي التصدي لها. إنها دائما ما تكون كالسيل الجارف إذا لم تتجنبها بالتماشي مع توجهاتها فستجرفك إلي هوة التهلكة.
لقد أنعم الله سبحانه وتعالي علي الإنسان السوي بالعقل كي يفكر وأن يلجأ إلي كل حواسه من أجل استشعار ما هو قادم علي ضوء المؤشرات المحيطة به. عليه أن يري الحقيقة كما هي.. واقعا يتسم بالوضوح والشفافية. العقلاء الذين أفاء الله عليهم بنعمة بُعد النظر يرون هذه الحقيقة كجمرة مشتعلة لابد من البعد عن أخطارها..
بينما نجد من يفتقدون هذه القدرة ممن أعمي الله حواسهم وقلوبهم لا يقدِّرون هذا الخطر. في ظل ظلام التفكير وانعدام الرؤية والإحساس.. فإن هذه الفئة تسعي إلي ارتكاب غلطة العمر محاولين الإمساك والسيطرة علي هذه الجمرة المشتعلة وهو ما يدفع بهم إلي الوقوع في كمين سوء الإدراك والتقدير. في مثل هذه الحالات فإن أعضاءها بهذا التصرف يكونوا دخلوا في دائرة المثل الشعبي الذي يقول »دبور زن علي خراب عشه«. إن الذي لا يدركه هؤلاء هو أن هذه الجمرة المشتعلة ما هي إلا تجسيد للغضب الشعبي الذي هو من انعاكسات للأرادة الشعبية.
الموقف في مثل هذه الحالات يحتم علي العقلاء ـ وأقول العقلاء ـ أن يقفوا أمام هذه الإرادة احتراما وتعظيما. كان عليهم من أجل الإفلات من المصير المحتوم العمل علي التهدئة وإطفاء جذوة الاشتعال. لا نتيجة لهذا السقوط المأساوي سوي سوء المصير جزاء تناسي أخذ العبرة مما سبق أن تعرضوا له من كوارث.
ما يجب أن يقال وعلي ضوء ما سبق إعلانه أمام جماهير ميدان التحرير يوم ٩٢ يونيو عام ٢١٠٢ عقب الانتخابات الرئاسية إنه لا مجال للتشدق باستحقاقات للشرعية التي هي وليدة الإرادة الشعبية ـ الأصل والفيصل ـ والتي حسمت موقفها وحددت أين مصلحتها. وفي هذا الإطار فإن أحدا لا يمكن أن ينكر الإيمان الراسخ بوطنية القوات المسلحة والثقة الشعبية غير المحدودة التي تتمتع بها وما يمكن أن تقوم به لصالح إخراج الوطن من محنته.
أخيرا أقول ونحن نعيش هذه اللحظات الفارقة من تاريخ الوطن إن ما جري لنا علي مدي الثلاثين شهرا الماضية ليس سوي برهان علي أن الله عز وجل أراد عقابنا علي خطأ ارتكبناه. ومع الإيمان بأنه »لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا«.. إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون السبب هو أننا ضللنا الطريق السليم تحت تأثير الانتقام الأعمي.. وهو ما دفعنا إلي اختيار من لا يستحق أن يقودنا وعلينا الآن تصحيح المسار.