السياحة العالمية تصف "سوق عكاظ" بالتجربة الناجحة لاحياء التراث الثقافي غير المادي
الطائف "المسلة" ….وصفت منظمة السياحة العالمية، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، «سوق عكاظ»، بأنه تجربة ناجحة، ويأتي كإحدى أبرز المناسبات، التي تُعنى بالتراث الثقافي غير المادي، داعية السائحين لزيارة السوق، نظراً لما يحويه من أنشطة تهدف إلى توطيد العلاقة بين الأجيال وإحياء التراث.
وتوقعت المنظمة، عبر دراسة أعدتها هي، وأشرفت عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار عن «السياحة والتراث الثقافي غير المادي»، نجاحات أكبر للسوق مستقبلاً، خصوصاً بعد فتح الباب أمام الدول العربية للمشاركة فيه، مصنفةً المعلقات والمساجلات الشعرية المقامة على هامشه بأنها أول منتج سياحي تراثي ثقافي غير مادي حول العالم.
وأكدت أن «سوق عكاظ» مكَّن فئات المجتمع من المشاركة فيه، ما أثمر عنه تحقيق عوائد مالية لهم، كما أنه لعب دوراً في تعزيز التمسك باللغة وتأصيل السياحة الثقافية غير الربحية والفريدة. وأوضحت أن المعلقات والمساجلات الشعرية شكل من أشكال التعبير وتقليد عربي عريق ووسيلة تراثية غير ربحية، وكذلك الحال بالنسبة للحكايات والقصائد الملحمية التي يشملها برنامج السوق، واصفةً مساجلات الشعراء الشفهية بأنها ذات مستوى ثقافي غزير يحفظ اللغة ويحميها من الاندثار.
ولفتت المنظمة إلى أن الثورة التي شهدها مجالا الاقتصاد والتقنية أسهمت في تكوين فجوة بين الأجيال، وبات من الصعب تناقل التقاليد بينهم، مستدركةً أن السوق عمل على توفير «تواصل شفهي ناجح بين الناس»، مستشهدةً في هذا الجانب بـ «مسرح شكسبير» إبان ظهوره، و»سوق عكاظ»، ودورهما في تعزيز الروابط بين السياحة واللغة والتعليم حسب الشرق.
ووصفت المنظمة السوق، الذي يعود تاريخه إلى ما قبل نحو أربعة قرون، بأنه الأهم والأشهر عند العرب، فقد كانوا يجتمعون فيه للبيع والشراء ويستمعون إلى الشعراء والخطباء، موضحةً أن السوق الحالي يعيد إلى الأذهان التراث الأصيل من خلال الاحتفاء بأحد شعراء المعلقات بهدف تجسير الفجوة بين الأمس والحاضر، مؤكدة أنه عزز مفهوم الترابط وأعاد إحياء القصص التقليدية والفن الشعري المرتجل.
وأشارت الدراسة إلى أن اللجنة الإشرافية العليا للسوق تهدف من خلال هذه التظاهرة الثقافية إلى الوصول لسياحة مميزة، عطفاً على الميزات التي يضطلع بها السوق، الذي كان محطة للمساجلات الشعرية بين الشعراء، حيث كانت قبائل العرب تحرص على متابعتها بل والمشاركة فيها.
ودعت الدراسة إلى زيارة «سوق عكاظ» كأحد المهرجانات الإبداعية التي تكتسب الصبغة التاريخية، مستندة في ذلك على التاريخ العريق للمكان، وجمعه بين التقنيات الحديثة وجغرافية المكان وقيمته التاريخية، مؤكدة أن الحدث يوفر تجربة سياحية لا تنسى نظراً لتميز الأنشطة والمعروضات التي تحرص الجهات القائمة على المناسبة على عرضها بطريقة تجسد مختلف عناصر التراث الثقافي غير المادي لسوق عكاظ، ما يمكِّن السياح من اكتساب معارف واسعة ودقيقة للسوق وعاداته، كذلك جوانب الحياة اليومية للمجتمع السعودي في الماضي والحاضر.
ونوَّهت الدراسة إلى أن احتواء برامج السوق وأنشطته على أجنحة مخصصة للحرف اليدوية والتقليدية، أدى إلى استقطاب الجماهير وأسهم في رفع مستوى الإقبال على المناسبة، واصفة ذلك بأنه عامل مهم لتأصيل التراث وترسيخ جذوره، مضيفةً إن السوق أسهم من خلال أجنحة العروض في تقديم دروس في تطوير المنتج السياحي المبني على أساس التراث الثقافي غير المادي.
ووصفت منظمة السياحة العالمية الأنشطة التي يقدمها «سوق عكاظ» بـ»الجذابة»، مشيرة إلى استطاعتها جمع أنشطة عدة في أشكال مختلفة تحت مظلة التقاليد إلى جانب السجال الشعري، موضحةً أن من بين عوامل الجذب؛ الاهتمام بالحرف والفنون بأنواعها، إضافة إلى عادات الغذاء والتظاهرات الاجتماعية والعادات التي تصاحب المناسبات المختلفة التي تزخر بها المملكة.
وأشارت المنظمة في دراستها إلى جادة عكاظ والأنشطة المصاحبة لها، موضحةً أن الجادة يتم تطويرها بشكل سنوي لتواكب التطور الذي يشهده السوق سنوياً.
وتمتد جادة عكاظ مسافة كيلومتر واحد طولاً في موقع السوق، بأسلوب يحاكي الأجواء الحقيقية لسوق عكاظ القديم، بهدف الإعادة للأذهان ما كان عليه السوق، من خلال دراما تمثيلية على أرض الواقع، فضلاً عن مشاركة الحرفيين والأسر المنتجة من داخل المملكة وخارجها في أنشطتها.
وذكرت الدراسة أن السوق تجاوز المحلية وبات تظاهرة عربية يشارك فيها غير السعوديين، وينافس على جوائز مسابقاته عرب آخرون.
وفيما يخص المسابقات، نوهت المنظمة إلى أن السوق يقدم جوائز مالية للمتسابقين الفائزين في أفرع المنافسة الثمانية «شاعر عكاظ، شاعر شباب عكاظ، لوحة وقصيدة، الخط العربي، التصوير الضوئي، الحرف اليدوية، الفلكلور الشعبي، وجائزة الإبداع والتميُّز العلمي».
وجاء في الدراسة أن الحفاظ على التراث الثقافي غير الربحي يعد ركيزة لإيجاد أرض خصبة لسياحة ناجحة، لافتة إلى ضرورة تشكيل روابط بين السياحة والتراث الثقافي، فضلاً عن مبادرات التدريب والمعارض الدولية الهادفة لمساعدة الجهات الأخرى في تعزيز تراثها وإيجاد فرص وظيفية جديدة.
وشددت الدراسة على ضرورة إعطاء التراث غير الربحي أولوية مطلقة، مستشهدة في هذا الشأن بالخطة الاستراتيجية للسياحة في المملكة التي بنيت على منهج علمي يرمي إلى النهوض بالتنمية السياحية المستدامة، مستخدمة في ذلك أحدث النظم والهياكل والاستراتيجيات.
ونوهت الدارسة إلى أن السوق غير المادي ينظم على مقربة من محافظة الطائف، وانطلقت فعالياته في عام 2007م وشارك في تنظيمه نحو ألف شخصية من مختلف مناطق المملكة، فضلاً عن اللجان المشاركة في تنظيم التظاهرة.
واستشهدت المنظمة بدراسات صادرة عن الهيئة العامة للسياحة، أكدت من خلالها أن سوق عكاظ بات معلماً سياحياً ورافداً سياحياً، وأن السياح يقصدونه كونه معلماً تاريخياً مازال يحتفظ بعبق التاريخ وبريق الحاضر.
وذكرت أن السوق شهد تزايداً في أعداد الزوار، إذ بلغ عددهم في عام 2008م، 180 ألف زائر، وتزايد العدد إلى 224 ألف مرتاد في العام 2009م، فيما بلغ العدد في 2010 نحو ربع مليون زائر.
وخلصت إلى ذكر أن الهيئة العامة السياحية والآثار في المملكة نظمت خلال أربعة أعوام نحو 20 مهرجاناً غير مادي أسهمت في خلق قرابة خمسة آلاف فرصة عمل، مؤكدة أن لـ «سوق عكاظ» باعاً في دعم البرامج السياحية في المملكة نظراً لما يحويه من أنشطة ثقافية وتراثية ضخمة.