وزير المالية التونسي: نجاحات دبي مصدر إلهام
دبى "ادارة التحرير" … كشف إلياس فخفاخ، وزير المالية التونسي، عن أن دبي من الأسواق المحتملة لأول إصدار تونسي من نوعه للصكوك في يونيو المقبل، مشيرا إلى أن معظم تلك الإصدارات ستصدر في أسواق خارج تونس وما بين 15 إلى20 % منها سيتم داخل تونس. وأشاد بالنجاحات الاقتصادية التي حققتها الإمارات قائلا إنهم ينظرون للنجاحات التي حققتها دبي على أنها مصدر إلهام لهم في بناء تونس الجديدة.
وقال الوزير التونسي، في حوار مع "البيان الاقتصادي"، إن هناك محادثات مع الصندوق السيادي الإماراتي جهاز أبوظبي للاستثمار "أديا" من أجل الاستثمار في مشاريع تنموية في تونس، مشيرا إلى أن تونس تحتاج إلى ما قيمته 25 مليار دولار لبناء مشاريع تنموية فيها خلال السنوات الخمس المقبلة، بمعدل 5 مليارات دولار سنويا، داعيا المستثمرين من الإمارات والخليج والمنطقة العربية للاستثمار في قطاعات واعدة في تونس، واصفا بلاده بأنها دولة استثمار بامتياز .
وأكد الوزير التونسي أن مشروع "عربستات" أضخم مشروع إحصائي عربي يعنى بالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة بإشراف صندوق النقد العربي .
وفي ما يلي نص الحوار:
الهيئات المالية العربية
شاركتم مؤخرا في الاجتماعات السنوية للهيئات المالية العربية في دبي، ما أهم ما خرجتم به من تلك الاجتماعات، وتحديدا في الشأن التونسي ؟
تونس حظيت بشرف المشاركة في هذه الاجتماعات المهمة، بما فيها الاجتماع الرابع لمجلس وزراء المالية العرب، خاصة وأن رئاسة المجلس ستكون لتونس هذا العام.
والاجتماعات شكلت فرصة لتدارس الوضع الاقتصادي في العالم، وتم تسليط الضوء على تداعيات الربيع العربي على الاقتصاد، وكيفية التصدي للتحديات وتجاوز الصعوبات القائمة، وخاصة في تونس، مهد انطلاقة ثورات الربيع العربي، كما تم التطرق للميزانيات في بلدان الربيع، والتراجع فيها، والذي شمل التراجع في العوائد التجارية وفي أرقام السياحة، وأيضا تزايد الاحتياجات الاجتماعية، مثل خلق فرص عمل جديدة وخفض الفقر وأرقام البطالة.
وبالطبع كل هذه الأمور تخلق جواً من التوتر واختلال التوازن الاقتصادي للميزانيات، والذي يتطلب دعما من قبل الآليات المالية العالمية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي، وكان هناك توصيات في تلك الاجتماعات بضرورة دعم أكبر لاقتصادات بلدان الربيع العربي، وأيضا مزيد من التدعيم للتجارة والاستثمار البيني للدول العربية، إلى جانب تطوير الخدمات.
وهنا جاءت مبادرة إطلاق مشروع "عربستات"، وهو مشروع يعني بالإحصائيات الشاملة، وعلى رأسها المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وهو مشروع ضخم سيشرف عليه صندوق النقد العربي، وسيكون مشروعاً يوفر إحصائيات دقيقة عن المنطقة .
مبادرة "عربستات"
مبادرة "عربستات"، هل هي محاولة عربية لعدم الاعتماد الكامل على مؤشرات المؤسسات الغربية فيما يتعلق بالمؤشرات الاقتصادية تحديدا ؟
نحن لا نزال نعتمد في العالم العربي على مؤشرات والإحصائيات الغربية، وبرأيي أنه من المهم جدا أن يكون لدينا قاعدة إحصاء عربية، وأن يكون لنا مؤشر للأداء الاقتصادي والاجتماعي العربي يركز بشكل كبير على الدول العربية، أيضا جاء قرار الترفيع في رؤوس أموال الهيئات المالية في صندوق النقد العربي، نظرا للتحديات القائمة.
وقد تقرر بالإجماع رفع رؤوس الأموال الحالية للهيئات المالية العربية بنحو 50 إلى 100 % حيث تمتلك كل هيئة رأسمالا خاصا بها، والقرار جاء لزيادة نشاط تلك الهيئات من جهة، وأيضا نظرا لارتفاع الطلب من قبل البلدان العربية على الدعم والضمان، وهذا بطبيعة الحال يتطلب رفع رؤوس الأموال في تلك الهيئات.
مباحثات مع "أديا"
كيف ترون العلاقات الإماراتية التونسية؟ وأوجه التعاون المحتملة بين البلدين؟ وفرص الاستثمار المتاحة في تونس؟
تربطنا علاقات متميزة مع أشقائنا في الإمارات وباقي الدول العربية، ونحرص على تعزيز علاقاتنا مع المنطقة العربية. كما ترتبط تونس بعلاقات قوية مع البلدان الخليجية ودول المغرب العربي ومع أفريقيا .
تونس دولة استثمار بامتياز في كل المجالات، وعلى رأسها الاستثمار الزراعي والتجاري والصناعي والسياحي، ونحن بصدد مراجعة قانون الاستثمار والجباية تهيئة لاستقطاب مزيد من المستثمرين من المنطقة الخليجية والعربية والعالم.
وعندما كنت أشغل منصب وزير السياحة في تونس كانت لي زيارات مستمرة للإمارات، بما فيها دبي والفجيرة، وكانت هناك مناقشات بشأن فرص الاستثمار في تونس في العقار والبينة التحتية والفلاحة والمنتجعات وغيرها، وتونس بكل ما تحمله اليوم من أسس ديمقراطية ومناخ شفاف يجعلها دولة استثمار بامتياز في كل المجالات.
وهناك مباحثات مع جهاز أبوظبي للاستثمار "أديا" من أجل الاستثمار في مشاريع تنموية في تونس. أيضا نحن نركز على التعاون مع الإمارات في النجاحات التي حققتها في تطوير اقتصاد قوي، ونرغب في أن نستقي من الخبرات الإماراتية المتميزة في الوقت ذاته.
كما أن تونس أيضا حققت نجاحات وبإمكانها أن تقدم الخبرات للإمارات في قطاعات معينة، وبالتالي أرضية تعزيز العلاقات والاستفادة من الخبرات المتبادلة ستصب بالتأكيد في صالح البلدين. ونحن ننظر إلى تجربة دبي الناجحة والمتميزة لنستلهم من تلك النجاحات.
صندوق النقد الدولي
اليوم بلدان الربيع العربي، بما فيها تونس، تلجأ لصندوق النقد الدولي من أجل تأمين القروض والتمويلات، لماذا لا يكون اللجوء بالدرجة الأولى لصندوق النقد العربي، هل هناك حاجة لتفعيل دوره فيما يتعلق بالإقراض ؟
هذه القضية يدخل فيها عوامل عديدة، أهمها حجم التمويلات، فعادة التمويلات التي يمكن الحصول عليها من صندوق النقد الدولي تكون كبيرة جدا مقارنة بالتمويلات التي يمكن الحصول عليها من صندوق النقد العربي، والذي يرتبط برأسمال الدول في الصندوق المؤلف من 21 دولة، وما تستطيع أن تنتفع به تونس من صندوق النقد العربي 250 مليون دولار، وهو الحد الأقصى لما يمكن لتونس أن تحصل عليه، وقد حصلت تونس عليه بالفعل.
في حين يمكن تحصيل قروض وتمويلات ضخمة من صندوق النقد الدولي، وفي مايو المقبل سيتم المصادقة على قرض احتياطي لتونس من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.7 مليار دولار، ونحن الآن في مرحلة التفاوض، وستكون هناك جلسة في تونس في الفترة من 8 – 15 إبريل الحالي لوضع اللمسات النهائية .
قروض أخرى
ماذا عن القروض الأخرى التي تقدمت تونس للحصول عليها من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي ؟
تونس عقب الثورة مباشرة توجهت للبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي في مخطط جماعي وحصل اتفاق في عامي 2011 و 2012 على برنامج دعم الميزانية وإعادة انطلاقة الاقتصاد التونسي، وكانت تونس قد حصلت على مليار دولار في عام 2011 ومليار آخر في 2012 .
ونحن اليوم ندرس إمكانية الحصول على قرض ثالث بقيمة مليار دولار لعام 2013 من البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي، وبالطبع تلك القروض مشروطة بإصلاحات هيكلية اقتصادية انطلقنا فيها بالفعل، وكل عام تجرى عملية تقييم لمدى تقدم برامج الإصلاح في تونس.
ثمن سياسي
اليوم تونس تطلب قروضاً من المنظمات الدولية أكثر مما كانت تطلبه في زمن الرئيس السابق بن علي، وكما تعلم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الممول الرئيسي لتلك المنظمات، وتلك القروض لها ثمن سياسي . ألا تخشون من العودة لمربع المقايضات السياسية المالية مع الغرب ؟
أولا من المهم القول إن تونس تمر بظرف استثنائي، حيث قامت ثورة وأسقط نظام حاكم، والمرور بمرحلة انتقالية لبناء دولة ونظام وهذا التحول الكبير لا يأتي كل عام أو عامين، ولكن ربما كل مائة عام، الظرف الاستثنائي والانتقالي له تداعيات، ويجلب معه تراجعا في المالية العمومية مما يتطلب تغطية العجز المالي باللجوء إلى التداين.
وقد سجل حجم التداين في تونس 40 % في عام 2011 و 44 % في عام 2012 بزيادة أربع نقاط مع توقعات بوصوله إلى 47 % في عام 2013 بزيادة ثلاث نقاط أخرى، ولله الحمد لا تزال مديونية تونس في منطقة مقبولة، حيث إنها لم تتجاوز 50 % أي أننا انطلقنا في المديونية من 40 إلى 47 % منذ اندلاع الثورة التونسية وحتى الآن، وبالتالي لم نصل إلى مرحلة الخطر من حيث المديونية.
ولكن في الوقت ذاته لابد من العودة إلى الدورة العادية للاقتصاد والخروج من المرحلة الانتقالية الراهنة وكل الإصلاحات الهيكلية التي نقوم بها اليوم هي من أجل وضع أسس اقتصاد ومنوال تنمية جديد قادر على جذب الاستثمارات الخاصة وتحقيق عدالة اجتماعية وجبائية أكبر وأيضا تأسيس منظومة بنكية أقوى. نحن في وضع استثنائي، وبالتالي اللجوء لتلك المنظمات لم يكن تبعا لطلب بالإصلاحات فرض علينا في تونس.
ولكن بالعكس نحن من شخص المشكلات، وأقر بضرورة الإصلاحات وبدأ بها، الثورة قامت من أجل إصلاحات ومتطلبات وخلق مواطن شغل وإدماج حملة الشهادات في سوق العمل ومعالجة التفاوت الجهوي، وكل ذلك لا يتحقق سوى بالإصلاحات، وقد اطلع صندوق النقد الدولي على الإصلاحات القائمة في تونس بنفسه، وبالتالي لم يقترح اية إصلاحات لأنه رأى أن الإصلاحات التي بدأناها تسير في الطريق الصحيح وأنها كافية.
البطالة والفقر
الثورة التونسية كان وقودها البطالة والفقر، واليوم وصلت البطالة بين الشباب بعد الثورة التونسية إلى 17 %، مما يدفع البعض للتساؤل عن جدوى الثورة ؟
في دولة مثل تونس مرت بثورة ووضع استثنائي يصبح ارتفاع مستويات البطالة أمراً عادياً، الإرث والمشاكل التي تراكمت في تونس هي التي قادت للثورة، والإصلاحات لا يمكن أن تحدث في عام أو عامين، أضف إلى ذلك الاغتراب السياسي والاجتماعي.
حيث تفاقمت مستويات البطالة خلال العامين الماضيين، نحن نضع اليوم أسس جديدة عبر دستور جديد يؤسس لدولة ديمقراطية من خلال فصل السلطات ومراقبة السلطات لبعضها البعض وضمان الحريات بما فيها ضمان حرية الإعلام واستقلال القضاء وتواجد الأحزاب والتعددية الحزبية والتأسيس لمناخ لا يكون فيه تسلط لأية جهة.
هذا من جانب، ومن الجانب الآخر أن تتاح حرية الاختيار لمن يمثل الشعب في المجلس وفي الحكم حسب البرامج، إضافة إلى الإصلاحات الهيكلية في الإطار الاقتصادي والاجتماعي ومنظومة التربية، وكلها قضايا يجب أن تعالج بجذرية، وعلى رأسها البطالة.
وقد وصلت نسبة البطالة في تونس إلى 19 % في عام 2011، ونجحنا في خفضها بمعدل نقطتين إلى 17 % في عام 2012، ونحن على يقين بأننا نسير في الطريق الصحيح، وأن كل ما نقوم به من جهود على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيعالج المشكلات التي قامت من أجلها الثورة التونسية في أقرب وقت ممكن.
قانون المالية التونسي
قانون المالية التونسي لعام 2013 تعرض لانتقادات وقيل إنه سيسهم في خلق قيود على الشركات فما رأيكم؟
قانون المالية التونسي لسنة 2013 يسير في الاتجاه الصحيح ولكن ما يعرقل هو التشريع. والتشريع المالي في تونس يحتاج بالفعل إلى إعادة نظر ونحن في الفترة الانتقالية حيث المجلس التأسيسي منوط به وضع الدستور وهو أيضا يقع على عاتقه التشريع والمراقبة. ونحن نريد التقليص من الفترة الانتقالية والتي تخلق نوعاً من الصعوبة في إعادة النظر في التشريعات حيث الأولوية اليوم لوضع الدستور.
إطلاق صكوك
تعتزمون إطلاق صكوك، هل لديكم خطة لإطلاقها في أسواق العالم ؟
سنطلق صكوكاً إسلامية بقيمة مليار دينار تونسي (أي نحو 700 مليون دولار) وهو ما ضمناه في ميزانية هذا العام وبانتظار المجلس التأسيسي للمصادقة على التشريع للإصدار ولدينا فريق عمل لتحديد الأسواق التي يمكن أن تصدر فيها تلك الصكوك. ونتوقع استكمال العملية خلال شهري يونيو ويوليو المقبلين وسيكون معظم تلك الإصدارات في الخارج وما بين 15 إلى 20 % إصدارات داخلية في تونس .
وسيكون هناك تعاون في منطقة الخليج وعلى رأسها الإمارات في مجال إصدار الصكوك ونحن اليوم في محادثات مع صندوق البنك الإسلامي للتنمية الذي تشارك فيه كل البلدان العربية والذي يقوم بالتشخيص والمتابعة لعملية إصدار أول صكوك على الإطلاق في تونس ودبي ستكون أحد الأسواق المحتملة لأول إصدار صكوك إسلامية تونسية .
التمويلات المطلوبة
تحتاج تونس إلى تمويلات تقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويا، أي 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة للاستثمار في مشاريع التنمية كالبنية التحتية والمشاريع العمومية، ولتضييق التباين الحاصل بين المناطق التونسية، وخاصة المناطق الجهوية التي انطلقت منها الثورة، والتي تشهد نسب بطالة مرتفعة جدا مقارنة بالشريط الساحلي في تونس، وقال وزير المالية التونسي: هذا البرنامج الهيكلي انطلقنا فيه ودعمنا توجيه استقطاب الاستثمارات إلى تونس.
وأضاف: تونس تعاني هذا العام من عجز في ميزانيتها بنحو 6 مليارات دينار تونسي (أي بنحو 4 مليارات دولار أميركي) وهذا يستدعي تدفق أموال لخفض العجز في الميزانية، وبالتالي نحن ننطلق في برنامج لجذب الاستثمارات من القطاعين العام والخاص والتركيز على الاستثمار في البنية التحتية والوصول بالمناطق الداخلية في تونس إلى وضعية معيشة أفضل.
مصادرة 500 شركة من ممتلكات بن علي تواصل الحكومة التونسية تتبع ممتلكات الرئيس السابق بن علي وزوجته والمقربين منه وكل من انتفع بطريقة غير شرعية من نظامه. وقد تم مصادرة 500 شركة حتى الآن من الممتلكات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وتم بيع ممتلكات للرئيس السابق وعائلته العام الماضي بلغ إجمالي عوائدها 1.1 مليار دينار تونسي (أي ما يقارب 800 مليون دولار أميركي).
وقال إلياس فخفاخ، وزير المالية التونسي: هذا العام نتوقع تحقيق عوائد مشابهة أو أقل قليلاً من بيع ممتلكات للرئيس السابق بحدود 900 مليون دينار تونسي. وكلما تمت مصادرة شركة أو عقار أو أرض نقوم بتقييمها وبحث إمكانية بيعها وبالتالي ضم أموال تلك المبيعات للخزانة التونسية.
وأضاف الوزير التونسي: لقد أسسنا لجاناً لملاحقة ثروات الرئيس السابق منها لجنة لمتابعة ثرواته خارج تونس ولجنة للتحقق وأخرى للمصادرة وغيرها، وفي واقع الأمر لا يمكننا وضع رقم عن حجم تلك الأموال المتوقعة، والبنوك في الدول الأوروبية والعربية أيضاً ليست متعاونة بالقدر الذي نتمناه في الكشف عن ثروات بن علي وزوجته وحاشيته والمقربين منه، العملية معقدة، ويدخل فيها القضاء التونسي والقضاء في البلدان التي تتواجد فيها ثروات بن علي، وسيكون المسار طويلاً، ولكننا سنواصل.