جنيف "المسلة" ….. هناك المزيد من الصعوبات على ما يبدو في انتظار الدوائر السياحة السويسرية، وكأن التداعيات السلبية للفرنك القوي على هذه القطّاع لم تكن كافية. فبعد أن شهدت الأعوام المُنقضية تزايداً ملحوظاً في أعداد السياح الوافدين من الصين، تُثبط المتطلبات الجديدة للحصول على تأشيرة دخول لأوروبا عزيمة هذه الفئة من السياح للسفر إلى القارة العجوز. هذا التقرير يسلط الضوء على بعض التحديات التي تواجهها صناعة السياحة حاليا في سويسرا.
كشفت الأرقام الصادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء عن حدوث تغير بنيوي في الدول التي يتوافد منها السياح إلى سويسرا. ففي حين تراجع عدد الضيوف القادمين من أوروبا – التي تمثل السوق التقليدية للسياحة الوافدة إلى سويسرا – بشكل حاد، إرتفع عدد السياح القادمين من الصين ودول الخليج العربي ودول جنوب شرق آسيا. إلّا أنَّ الشتاء الماضي شهد انحساراً في أعداد هؤلاء للمرة الأولى حسبما ذكرت SWI.
ووفقاً لـهيئة السياحة السويسرية، تكمن إحدى الأسباب الرئيسية وراء ذلك في المتطلبات البيومترية الشخصية الجديدة الداخلة في إطار الحصول على تأشيرة الدخول والمتضمنة لجمع بصمات الأصابع.
ومنذ شهر نوفمبر 2015، أصبحت هذه المتطلبات إجباريةً لأي شخص يتقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى دول منطقة شنغن في أوروبا، والمُتضَمِنة لسويسرا أيضاً. ويعني هذا وجوب توجّه جميع الصينيين الراغبين بزيارة الكنفدرالية إلى سفارة أو قنصلية سويسرية بصفة شخصية للتقدم بطلب الحصول على التأشيرة.
وكان الشتاء الماضي قد شهد نمواً سلبياً غير مسبوق في عدد السياح الصينيين الوافدين إلى سويسرا. وكما أخبر سيمون بوسّهارت، المدير المسؤول عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى هيئة السياحة السويسرية swissinfo.ch. فقد حصل انخفاض طفيف في شهر يناير، تبعه تراجع مقدر بـ 20% في فبراير، وتقلص بـ 5.4% في مارس. وبرأي بوسّهارت يعدو ذلك إلى ثلاثة أسباب.
اقتصاد هش وإرهاب ومعوقات للحصول على التأشيرة
بحسب دوائر السياحة في الصين، يشكل الركود الإقتصادي في سويسرا، وتباطؤ النمو الإقتصادي في امبراطورية الوسط، فضلا عن الرنمينبي (اليوان) الضعيف بالمقارنة مع الفرنك السويسري جزءاً من الأسباب التي أدت إلى تراجع عدد السياح الصينيين في سويسرا.
فضلاً عن ذلك، أثار تزايد الهجمات الإرهابية وأزمة اللاجئين المتواصلة مخاوف العديد من السياح المُحتملين. وعلى الرغم من أن التوترات القصيرة الأمد لا تنجح على العموم في خلق تأثير دائم، إلّا أنًّ استمرار تصاعد المخاوف من حدوث هجمات إرهابية وتعذر إمكانية التنبؤ بمثل هذه الهجمات يصعد من مخاطر انخفاض الوافدين للسياحة بالتأكيد.
علاوة على ما سبق، أدت متطلبات البيانات البيومترية الجديدة المتضمنة لبصمات الأصابع إلى تعقيد عملية طلب التأشيرة لبعض السياح الراغبين بزيارة أوروبا. وفي الوقت الراهن، تبذل جميع الدول الأعضاء في منطقة شنغن قصارى جهدها للعثور على حل ممكن للضيوف الصينيين.
وعلى الرغم من مساعي سويسرا – وهي ليست عضو في الإتحاد الأوروبي – الحثيثة لإجراء مشاورات ثنائية بهذا الصدد، والجهود التي يبذلها المسؤولون عن هذا القطاع للتغلّب على مختلف العوامل غير المؤاتية، إلّا أنَّ سياسة التأشيرات الصادرة حديثا أدت إلى تفاقم الوضع بالنسبة لقطاع السياحة في الكنفدرالية.
وكما قال يورغ شميد، رئيس هيئة السياحة السويسرية في مقابلة مع التلفزيون السويسري العمومي (SRF) "يضطر الصينيون إلى الإنتقال عبر مساحات شاسعة من بلادهم من أجل تقديم بيانات بصمات الأصابع للحصول على تأشيرة، وهذا ليس سوى حاجزاً إضافياً بالنسبة لهم".
وبهذا الصدد، أشار بوسّهارت إلى المحادثات التي تجريها هيئة السياحة في الصين مع المسؤولين السويسريين لبحث إجراءات لتبسيط عملية طلب التأشيرة، مثل اللجوء إلى استخدام محطات بيانات بيومترية مُتنقلة، ونقاط مؤقتة لجمع بصمات الأصابع كبدائل للأماكن الثابتة الحالية.
كذلك يجري التباحث بمسألة أخرى جديرة بالذكر هي إمكانية إعادة إستخدام البيانات البيومترية متى ما تم جمعها في طلبات الحصول على التأشيرة اللاحقة ولمدة تمتد إلى خمسة أعوام، يكون فيها الوصول إلى هذه البيانات مُتاحاً لجميع مكاتب طلبات التأشيرات في دول منطقة شنغن. وفي هذه الحالة، لا يتوجب إلّا على من يتقدم للمرة الأولى بطلب للحصول على تأشيرة الذهاب إلى إحدى السفارات أو القنصليات [التابعة لإحدى هذه الدول] بصورة شخصية. وفي حال حدوث أي تغييرات على هذه البيانات خلال هذه الأعوام الخمسة، يمكن اتخاذ التدابير اللازمة عبر البريد الإلكتروني.
وبرأي المدير المسؤول عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ في هيئة السياحة السويسرية سوف يتضاءل التأثير السلبي للمتطلبات الجديدة للحصول على التأشيرة إلى حدٍ كبير متى ما تم العمل بالتدابير السالفة الذكر. كما أشار إلى تفاؤل مكتبه بشأن إستحداث البيانات البيومترية للحصول على التأشيرات.
مزيج من الحب والكراهية
من جانبها، استجابت هيئة السياحة السويسرية للتحديات الجديدة بأن زادت من الإنفاق على مواردها وقواها العاملة بغية ترويج السفر إلى ربوع سويسرا في فصل الشتاء. واستهدفت هذه الإجراءات السياح المحليين وأولئك الوافدين من الإقتصادات الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل على حدٍ سواء.
مع ذلك، لا يتوفر الضيوف القادمون من آسيا إلّا على معلومات محدودة عن سويسرا، كما تختلف أفضلياتهم بالنسبة لأماكن قضاء العطلات عن الأوروبيين. وكانت بعض الصحف السويسرية قد نشرت مقالات تطرقت فيها إلى السلوكيات غير الحضارية لبعض السياح الصينيين، في نفس الوقت الذي أشارت فيه إلى أهمية هؤلاء بالنسبة لقطاع السياحة في البلاد، وما لهذه الفئة من السياح من تأثير إيجابي على المجتمعات المحلية.
وكانت صفة السلوك السيء قد إقترنت بالوافدين الصينيين في عدد من الدّول، وليس في سويسرا فقط. ويشعر العديد من السويسريين بالنّفور من بعض التّصرفات الصّادرة عن الصينيين مثل البصق، والتحدث بصوت عال، وما يخلفونه من فوضى عقب تناولهم الطعام في أحد المطاعم أو استخدامهم المرحاض.
وبهذا الصدد، حملت بعض الصحف عناوين مثل: "الوضع لا يطاق"، "مشكلة في الحيّ الصّيني في أبيكون"، وحتى "‘صخب ووقاحة فاقت حدها’: سويسرا تخصص قطارات مُنفصلة للسياح الصينيين". وفي الواقع، تتّسم علاقة السويسريين بالسّياح الصينيين بمزيج من الحبّ والكراهية في نفس الوقت.
وليس بخافٍ على أحد ان قطاع السياحة هو واحد من أهم ركائز الاقتصاد السويسري. فهل ستكون هذه الصناعة قادرة على مواجهة عاصفة السوق المتقلب لتلبية مطالب السياح؟ من المؤكد أن وضع استراتيجية تسويق رشيدة هو أمر حيوي لتحويل سويسرا إلى نقطة جذب للسياح، وفي تحفيز الصناعات المتصلة بقطاع السياحة.