ضربات موجعة لقطاع السياحة في مصر
بقلم : محمد محمود عثمان … برغم الركود السياحي الذي لم تشهده مصر من قبل نتيجة للأحداث التي تمر بها الآن، الأمر الذي يتطلب الكثير من الإجراءات الجاذبة والمحفزة لمواجهة هذا الركود، إلا أن الوضع يزداد سوءا، بعد أن تعرضت السياحة لضربات موجعة، وكأن الرياح تأتي فعلا بما لا تشتهي السفن، لأنه في الوقت الذي يجب أن نسعى فيه إلى بث الثقة والطمأنينة لدى السياح والدول المصدرة للسياحة، من خلال رسائل متفائلة تؤكد عودة الأمن والأمان في مصر، مع الاستقرار التدريجي في الشارع المصري، نجد أن الرسائل جاءت سالبة بعد حادثة سقوط منطاد الأقصر السياحي التي تسجل أسوأ حادث في تاريخ حوادث المناطيد في العالم، نظرا لضخامة عدد الضحايا، وهي أكبر حصيلة للقتلى منذ نحو 20 عاما في مجال سياحة المنطاد، وكذلك كثرة عدد الدول التي ينتمي إليها السياح.
وما سوف يتركه هذا الحادث في نفوس أهل الضحايا ومواطنيهم، لأن ذلك يضيف مخاوف تضاف إلى الحذر والخوف من السياحة في مصر، وفي الوقت الذي تبذل فيه الحكومة ووزارة السياحة جهودا كبيرة لاستعادة الوفود السياحية يأتي هذا الحادث الأليم في توقيت غريب، ولم يقتنع أحد بأن الحادث غير متعمد، وأن ما حدث ليس بعيدا عن العمليات الإرهابية أو أعمال العنف القائم بين السلطات والقوى والتيارات المعارضة، أو عمليات العصيان المدني التي تشهدها بعض المدن المصرية، وأن محو هذه المعتقدات قد تحتاج إلى فترات طويلة، حتى ينسى المجتمع الدولي هذه الآثار.
خاصة أن الحكومة والسلطات قد اضطرت إلى استبدال وسائل التسويق والترويج لجذب المزيد من السياح، بإصدار بيان يفيد بأن السلطات المصرية تتابع الحادث مع الجهات المعنية في مصر ومع سفارات الدول التي ينتمي إليها الضحايا والمصابون وتقوم باللازم لتقديم العناية اللازمة للجرحى، وإعادتهم إلى بلادهم بأسرع ما يمكن، وتسليم الجثث إلى سفارات بلادهم في القاهرة، مع تقديم التعازي لأسرهم، وتقديم ثمانية ملايين جنيه مصري سوف تدفع بالعملة الصعبة لأسرة كل ضحية، وبدلا من أن تزيد السياحة من الدخل القومي، يحدث العكس، ولاشك أن هذه أكبر وأكثر الضربات الموجعة التي وجهت للسياحة في مصر، بخاصة أنها تعاني من أمراض عديدة، مما يضعف قدرتها على المقاومة والصمود أو الانتعاش بسهولة، لينطبق عليها مقولة "إن المصائب لا تأتي فرادى".
ومن الانعكاسات المحبطة أن الصحف الأجنبية بدأت في شن هجوم على سياحة المناطيد في مصر بالتشكيك في قدرة الطيارين المصريين على قيادة البالونات التي تُدار بالهواء الساخن، وأن طيارين بريطانيين كانوا يتولون قيادة البالونات بنجاح قبل أن تستغني مصر عنهم منذ عشر سنوات واتهمت الطيارين المصريين بقلة الخبرة في هذا المجال، وهذا للتدليل على أن معايير الأمان ليست بالدرجة الكافية لحماية الأرواح، ولاشك أن ذلك يعطي انطباعات سيئة عن هذا النوع من السياحة، وأن حادثة المنطاد تضر بصناعة السياحة في مصر بشكل عام، وتمثل تحديا جديدا على صناعة السياحة المتعثرة من تداعيات الاضطرابات المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وأنها تخرج من أزمة لتدخل في غمار أزمة أخرى، ليسجل القطاع السياحي في مصر في العامين الماضيين أكبر خسائره على الإطلاق، والتي فاقت الخسائر التي لحقت به حتى في أعقاب نكسة عام1967، بما يمثل أزمة حقيقية، تجعل السياحة تمر بمرحلة من الانتكاسات المتتالية في ظل مناخ غير ملائم تفرضه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والعصيان المدني والحراك في الشارع المصري، الذي لم يهدأ منذ قيام الثورة في 25 يناير 2011 وحتى الآن.
وربما يستمر ذلك وقتا أطول، طالما ظلت حالة الاحتقان قائمة بين الشعب والحكومة، وطالما ظلت هناك حالة من التوجس من آراء وأطروحات الإسلاميين حول استحقاقات السياحة ومشروعيتها، الأمر الذي يعود على السياحة الإسرائيلية المستفيد الأول من خسائر السياحة في بلدان الربيع العربي غير المستقرة، وفي ظل هذا الوضع المأساوي، سوف تحتاج السياحة المصرية إلى جهود كبيرة لإعادتها إلى مكانتها السابقة من خلال خطة طويلة المدى تشارك فيها السفارات والمكاتب الإعلامية المصرية في الخارج لتغيير الانطباعات السلبية وبث رسائل لإعادة الثقة والطمأنينة في المحيطين الإقليمي والدولي.
المصدر : الشرق