مدائن صالح تفتح أبوابها للزوار بعد إغلاقها لعقود
العلا "المسلة" …. بقيت الآثار القديمة في (مدائن صالح) محظورة على الزوار منذ دخلت المنطقة تحت سيطرة الدولة السعودية في عشرينيات القرن الماضي حتى وقت قريب.
وفرضت السلطات السعودية هذا الحظر خلال العقود الماضية لأسباب دينية، استنادا إلى حادثة مرور النبي محمد منها مع أصحابه الذين أمرهم ألا يدخلوها إلا أن يكونوا باكين، ونهى أن يؤكل أو يشرب فيها.
ويعتقد لدى المسلمين أن هذه المنطقة كانت مسكونة من قبيلة ثمود (قوم النبي صالح) الذين وردت قصتهم في القرآن الكريم بعد نوح وعاد، وأن الله عاقبهم بذنوبهم وأهلكهم. كما سكنها من بعدهم أقوام آخرون منهم الأنباط والآشوريون والعرب، وما تزال بعض قبورهم موجودة في المكان.
وتقع المدائن في أقصى الشمال الغربي من السعودية في محافظة العلا قرب المدينة المنورة، وهي تعد آية معمارية فريدة ببيوتها المنحوتة في الجبال والأضرحة التي نقشت حولها رسوم وكتابات من العهود القديمة، وتدل جميعها على القوة التي تمتع بها الإنسان الذي سكن ذلك المكان وقدرته على نحت الجبال والصخور بهذا الحجم الهائل.
ويقال إن قوم صالح كانوا يعمرون طويلا، لذا كانت بيوتهم المبنية من الطوب تنهار قبل موتهم، فمنحهم الله من القوة ما يمكنهم من نحت البيوت في الجبال، وبعث لهم صالحا نبيا والناقة معجزة، إلا أن أغلبهم لم يؤمنوا وذبحوا الناقة فعاقبهم الله بصرخة من السماء ورجفة من تحتهم.
وتبلغ مساحة المدائن (التي تشبه مدينة البتراء الأردنية) نحو 15 كيلومترا مربعا، وتضم مجموعة من القبور تبلغ نحو 138 قبرا نقشت على بعضها كتابات تحدد معلومات عن صاحب القبر ومكانته وأحيانا سنة وفاته.
وتضم المنطقة محطة للسكك الحديدية أنشأها العثمانيون على طريق القطار الذي كان يصل إسطنبول بالمدينة المنورة، وما تزال إحدى العربات موجودة في المكان.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أعلنت في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن المنطقة أصبحت مفتوحة أمام الزائرين كما أبدت استعدادها لاستقبال السياح.
وكانت الهيئة قد نجحت في العام 2008، في إقناع اليونسكو بإدراج مدائن صالح ضمن قائمة التراث الإنساني، وهي أول موقع سعودي ينضم للقائمة.
وخلال السنوات الخمس السابقة، بذلت الهيئة جهدا كبيرا كي تقنع المؤسسة الدينية بافتتاح المنطقة للزوار والسائحين، وتولى رئيس الهيئة الأمير فيصل بن سلمان الاتصال بكبار العلماء شخصيا لإقناعهم بالفكرة ودعوتهم إلى زيارة المنطقة، وفق حديثه لصحيفة الوطن السعودية في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي.
واستجاب لهذه الدعوة الشيخ عبدالله المطلق والشيخ عبدالله المنيع اللذان زارا المنطقة في شباط (فبراير) الحالي، في خطوة جريئة يتوقع أن تكسر حاجز الرهبة الدينية من زيارة تلك المواقع.
ودعا الشيخان من هناك إلى زيارة هذه المواقع الأثرية لأخذ العبرة والعظة من الأقوام السابقة، ولتعلم التاريخ ودراسته، كما طالب الشيخان بالمحافظة على الآثار الحضارية، وفق ما نقلت عنهما صحيفة الشرق السعودية.
ورغم هذه الخطوة التي قام بها اثنان من كبار العلماء في السعودية، ما يزال بعض علماء الدين يرون أن الزيارة محرمة، لنهي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه عن زيارتها خشية أن يصيبهم ما أصاب قوم صالح.
وفي حديثه، توقع الأستاذ علي الغبان، نائب رئيس الهيئة، أن تشهد منطقة “العلا” المجاورة انتعاشا اقتصاديا في المستقبل القريب، مشيرا إلى توافر فرص عمل في القطاع السياحي، وإمكانية افتتاح فنادق وشقق مفروشة.
وقال الغبان إن الهيئة جهزت في الموقع متحفا لسكة حديد الحجاز، وآخر لطرق الحج في القلعة الإسلامية، إضافة إلى مرافق خدمية، كما وضعت لوحات إرشادية وتعريفية تمد الزائر بالمعلومات اللازمة عن تاريخ كل أثر.
ويقول الغبان إنهم بدأوا في استقبال زائرين من داخل البلاد، وسياح من دول أوروبية وآسيوية، مشيرا إلى أنه يتوقع إقبالا شديدا على زيارة الموقع في الأشهر المقبلة.
وتتطلب زيارة الموقع الحصول على تصريح من هيئة السياحة في محافظة العلا القريبة.
يذكر أن السعودية تواجه منذ سنوات عديدة انتقادات عنيفة لعدم اهتمامها بالآثار، كما وجهت بعض الانتقادات إلى الحكومة بسبب عمليات الهدم التي قامت بها في مكة المكرمة والمدينة والمنورة العام الماضي لتوسعة الحرمين الشريفين.