واشنطن بوست: الثوار السوريون ينهبون آثار بلادهم التاريخية ويبيعونها في الاردن ولبنان وتركيا
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الاربعاء تحقيقاً عن قيام المعارضين المسلحين لنظام الرئيس السوري بشار الاسد بسرقة آثار قديمة من بلادهم لبيعها وتمويل شراء اسلحة وذخائر من اجل مواصلة قتالهم ضد ذلك النظام. وهنا نص التحقيق الذي كتبه تيلور لاك:
“اضاف الثوار السوريون الى كميات الذخيرة والادوية التي يرسلونها كل يوم من هذه المدينة الحدودية الى بلادهم ادوات جديدة لدعم قتالهم ضد الرئيس بشار الاسد: مجسات للبحث عن قطع معدنية وفؤوساً.
وانضم الثوار الذين يكافحون لتمويل مجهودهم الى تجارة جديدة تشمل اعمالا فنية وقطعا اثرية قديمة تمت حيازتها بصورة غير قانونية، يبيعون فيها ماضي البلاد بينما تشتد الحرب على مستقبلها.
قال جهاد ابو سعود، وهو مقاتل عمره 27 عاماً من مدينة ادلب في شمال سوريا في مقابلة في هذه المدينة في شمال الاردن: “في بعض الايام نكون مقاتلين، وفي غيرها نكون منقبين عن آثار”. وادعى ابو سعود انه اكتشف في الآونة الاخيرة الواحاً في مدينة ابلا التي تعود الى العصر البرونزي عليها نقوش باللغة السومرية. ومنذ بداية الصراع في سوريا، عبَر المجتمع الدولي عن القلق على مصير معالم البلاد التراثية المتنوعة والمواقع الاثرية المذهلة، بينما قام الثوار والقوات الحكومية بتحويل كنوز تاريخية مثل سوق حلب القديمة التي يبلغ عمرها الف سنة وقلعة الفرسان الصليبية الى ميادين للحرب.
ومع اقتراب الحرب من سنتها الثالثة، حذرت الامم المتحدة والمنادون بالمحافظة على الآثار القديمة من ان المواقع التاريخية في سوريا تواجه تهديداً جديداً واشد خطورة: شبكة معقدة من المهربين والتجار – من ابرز عناصرها اعضاء الثورة المفتقرة الى المال – الذين يسعون الى الافادة من ثروات البلاد الثقافية.
قالت انا باوليني، مديرة مكتب الـ”يونيسكو” في الاردن: “في ضوء التجارب السابقة في حالات الصراع، وفي ما يتعلق بالتراث الثقافي، يبدو ان خطر نهب الآثار الثقافية السورية والاتجار بها مرتفع”.
ولا يعرف نطاق هذه التجارة بسبب صعوبات الوصول الى المواقع التاريخية في البلاد الممزقة بالحرب، وفقاً لـ”يونيسكو” التي استضافت ندوات في عمان يوم الاحد بشأن حماية التراث الثقافي السوري من التجارة غير القانونية. وهناك تقارير متضاربة عن مصير القطع الثرية الفنية من سوريا التي طالما كانت مفترق طرق ثقافية.
وقد تم نهب اثني عشر متحفاً من المتاحف الـ36 في البلاد، وفقاً لرابطة حماية الآثار التاريخية السورية والتي يوجد مقرها في فرنسا. غير ان المديرية السورية العامة للآثار والمتاحف قالت في تقرير يوم 22 كانون الثاني (يناير) ان معظم الاثار قد احصيت ونقلت الى مواقع آمنة.
وقالت الوزارة ان قطعتين فقط اخذتا من خزائن عرض منذ بداية الصراع: تمثال برونزي من مدينة حماة في شمال غربي اليلاد يعود عهده الى الحقبة الآرامية ومجموعة تماثيل والواح رخامية من متحف افاميا (على بعد 55 كم شمال غربي مدينة حماة).
ومع ذلك توافق السلطات السورية ودعاة الحفاظ على الآثار على وجود خطر متزايد على المواقع الاثرية في البلاد، والتي يقول تقرير حكومي انها تعرضت لاعمال تخريب وحفريات غير قانونية “عدة”.
وقال مأمون عبد الكريم، رئيس مديرية الآثار السورية: “ان ما هو عرضة للخطر ليس تاريخ سوريا ولكن تاريخ البشرية”. وقال ان النهابين كانوا قبل الصراع “يحفرون في الليل، اما الآن فهم يحفرون في وضح النهار”.
ويقول دعاة المحافظة على الآثار ومسؤولون في دمشق ان التجارة الجديدة يحركها اليأس المتزايد في اوساط قوات الثوار التي تسيطر على معظم مواقع الكنوز الاثرية في سوريا.
وعلى الرغم من ان الجيش السوري الحر شدد مراراً وتكراراً على التزامه بحماية مواقع التراث، فان قادة الثوار يدافعون عن مشاركتهم في الاتجار غير القانوني في الآثار، ويعتبرونه مورداً حيوياً للتمويل لمواصلة ثورتهم. وقال ثوار في مقابلات ان مجموعة لقيات متوسطة تجلب في السوق السوداء 50 الف دولار.
قال ابو محمد حمد، وهو منسق للجيش السوري الحر في منزل آمن في مدينة الرمثا الاردنية، وصف الاشراف على تنقيب في اضرحة رومانية خارج العاصمة السورية دمشق: “لقد تُرِكْنا لنواجه الجيش السوري باكمله من دون اسلحة، ومن دون اموال ومن دون مساعدة من العالم الخارجي. ان من حقنا استخدام اي موارد نستطيع العثور عليها”.
وقال ثوار اجريت معهم مقابلات انهم بدأوا في ارسال “فرق تنقيب” فضفاضة التشكيل – مكونة من شبان يبحثون في المواقع الاثرية عن ذهب، وموزاييك، وتماثيل وقطع اثرية اخرى يسهل نقلها ويمكن بيعها بسهولة.
في اكثر من ثلاثة اشهر بقليل – وهي فترة يقول الثوار ان النهب تسارع خلالها – يدعي المنقبون انهم كشفوا عن لقيات تكاد تكون فهرس كتاب تاريخ: اوعية من العصر البرونزي من بلدة تل شهاب في جنوب البلاد، وقطع موزاييك من كنيسة سان سيميون قرب حلب وتماثيل صغيرة يزيد عمرها عن 2000 سنة من بصرى، وهي مدينة قديمة تضم مسرحاً رومانياً محفوظاً في حالة جيدة.
وصار الاردن المكان الاول الذي تتوقف فيه هذه السلع، وفقا للثوار الذين قالوا ان تركيا ولبنان هما ايضاً سوقان نشيطان. ويقول الثوار ومصادر الامن الاردنية ان معظم الآثار المسروقة تهرب الى الاردن وسط تدفق نحو الفي لاجيء يومياً. وتصل هذه في النهاية الى السوق في العاصمة الاردنية عمان حيث تحدث الثوار عن فيضان للتحف السورية في الاسابيع الاخيرة.
قال محمد خليل، وهو تاجر تحف اثرية في عمان: “في كل يوم نتلقى مكالمات عن ذهب سوري وقطع موزاييك سورية وتماثيل سورية. دمشق تباع هنا في عمان، قطعةً قطعة”.
في دكان في وسط عمان نظف تاجر قال ان اسمه احمد سطح منصة عرض من سلاسل مفاتيح وقوارير صينية الصنع فيها “مياه مقدسة” يخصصها للسياح الاجانب. رتب صفاً من القطع الاثرية التي قال انها تمثل حضارات متنوعة كانت مزدهرة في وقت من الاوقات في سوريا القديمة – اوعية فخارية حمراء من العصر البرونزي، واوعية زجاجية زرقاء من العصر الحديدي، ورأس تمثال روماني رخامي وخنجر مرصع بالذهب من الفترة الاسلامية.
قال احمد: “هذه مجرد عينة. انا احتفظ بالقطع النادرة في البيت”، مضيفاً انه حصل على القطع من تاجر سوري في عمان قال له انها جاءت من عائلات فرت من القتال.
في عمان قال مهربون ووسطاء سوريون ان الوعاء الحجري يباع بـ50 دولاراً بينما تباع التماثيل والالواح بـ3000 دولار. وبعدئذ يقوم تجار اردنيون ببيع القطع باسعار تعادل ثلاثة اضعاف ثمن شرائها. وقال التاجر احمد ان اغلى القطع الاثرية هي تلك التي تعود الى فترة الانباط والالواح الحجرية التي عليها نقوش بالآرامية والتي قال ان الزبائن الاثرياء يستخدمونها في تزيين ردهات مداخل فيللهم في عمان”.