كنوز مغربية غير مادية تحت الحماية الدولية
اقرت منظمة اليونيسكو قبل أيام قليلة أتفاقيتين لحماية الإرث الحضاري بشقيه المادي، والغير مادي والتراث الطبيعي، والصناعات التقليدية في المغرب، وأعتبرت فيهما الرباط عاصمة المملكة المغربية مدينة عصرية، ومدينة تأريخية. ولهاتين الأتفاقيتين أهمية خاصة للعاملين في مجال الثقافة والفنون والسياحة والآثار، فهما تتيحان المؤاخاة مع مدن، وعواصم تأريخية في كافة أنحاء الدنيا، ومن خلال ذلك سيتم توطيد أوثق العرى للتعاون الدولي لحماية الآثار والمعالم التأريخية، والمهن والحرف التقليدية، التي يعتبرها المهتمون بهذا الشأن الثقافي والفني ذخرا طبيعيا من ذخائر المعارف الإنسانية، ووسيلة للتعارف بين الشعوب من خلال النظر إلى تأريخها من خلال تشابه الفنون التقليدية، ونبوغ المهارات البشرية في جعل حياة الناس أكثر متعة وحيوية، وغرز مفاهيم الحب والألفة والسلام بين شعوب الأرض المختلفة دينيا وإثنياً.
ومن المواقع المغربية التي صنفت بلائحة التراث العالمي، وهي تسعة مواقع، تبدأ بمدينة فاس التي تم تحديدها كموقع ثقافي وتأريخي مهم، منذ عام 1980 ومدينة مراكش عام 1985، قصر آيت حدو بن حدو عام 1987، مدينة مكناس عام 1996، موقع وليلي الأثري عام 1997، مدينة تطوان عام 1997، مدينة الصويرة عام 2001، والحي البرتغالي مازغان الجديدة عام 2004، وآخرها كم أسلفنا مدينة الرباط عام 2012.
يعود التشريع الدولي لحماية الآثار والمعالم التأريخية، والثقافية في العالم إلى العام 1972 الذي كتب تحت عنوان أتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي، كأداة قانونية دولية للمحافظة على الممتلكات الثقافية والطبيعية العالمية المتميزة، والتي تنطبق عليها المعايير التي حددتها النصوص القانونية للأتفاقية الدولية، وقد صادق عليها المغرب منذ 28 أكتوبر عام 1975، وجعلتها وزارة الثقافة المغربية من أولوليات أهتماماتها وذلك من خلال تنفيذها لبنودها ومتابعة ما يجد من القائمين عليها من توصيات.
جامع الفنا:
أصدرت منظمة اليونسكو عام 2003 تعليمات أضافية لحماية التراث الثقافي الغير مادي، وقد هدفت التعليمات إلى حماية التراث غير المادي من خلال رد الاعتبار للثقافات المحلية، والتعريف بأهميتها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لحمايتها، ونقلها للأجيال القادمة وقد صادق عليها المغرب أيضا في عام 2006 وقد حصل بذلك من المنظمة الدولية على إدراج ساحة جامع الفنا وجامعها المسمى بالاسم ذاته، ضمن الأماكن المحمية دوليا، والأسم ساحة الفنا يحمل فلسفة الفناء والبقاء، التي آمن بها أهل هذه المدينة منذ تأسيسها في عام 1070 م علي أيدي حكامها من المرابطين، الذين جعلوها عاصمة حكمهم، وكان من أبرز سلاطينهم في وقت التأسيس السلطان يوسف بن تاشفين 1061 1107م.
صورة هذه المدينة تبدو بكل جلائها من خلال ساحة الأفراح تلك، المتسعة لكل تراث المدينة ساحة الفنا.. كما يقولها المغاربة بالدارجة، أو ساحة الفناء، كما هو أسمها في اللغة العربية الفصحى، التي تزدحم كل النهار والليل بمروضي الأفاعي والقرود، ومربي السلاحف، والأرانب، والعضيات، والطيور الجارحة، وطيور الحب الملونة، ويزدحم الناس حول قصاصي الحلقات من رواة القصص الشفهي الذين يسمونهم ب الحلايقية نسبة إلى الحلقة من البشر، وبائعي الأطعمة الشعبية من كل لون وصنف.
ينقل لنا هؤلاء الرواة الحكايات الكثيرة عن مراكش التأريخية وأهلها.. ويروون حكايات عن قبور الشهداء من المسلمين الأوائل في هذه الأنحاء، وحكاية روايات أسطورية عن وفد من الامازيغ سكان المغرب الأصليين، الذين أطلق عليهم بعد ذلك تسمية برابرة وقد ذهب ذلك الوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته النبوية الشريفة، وأعلن ذلك الوفد إسلامه، واخذ تعليمات الرسول الكريم، وما انزل عليه من آيات القرآن الكريم، وعاد إلى بلاد المغرب لينتشر أفراد الوفد إلى مناطق جبال أطلس، لينقلوا رسالة الإسلام إلى قبائل الامازيغ في هذه البلاد، فدخلوا فيه أفواجا، وهي بالطبع قصة أسطورية لم يتحقق من صحتها، لكن المخيال الشعبي أستخدم هذا النوع من القصص لخلق حالة من التوازن النفسي، لتقبل رسالة الإسلام السماوية، التي حملها لهم المسلمون الأوائل، وبذلوا في سبيل نشرها في هذه الربوع، الغالي والرخيص، وبذل بعضهم أرواحهم لتحقيق هذا الهدف النبيل.
الكثير من حكايات حكائين موهوبين يعيشون في هذه المدينة، ويعدون من رواتها، وقد تحولت حكاياتهم إلى قصص وروايات كتبها كتاب إجانب زاروا المدينة وتأثروا بحكايات حكائيها، وما نقلوه من قصص عن كرامات المسلمين الأوائل، الذين جاءوا إلى هذه البلاد لتعليم الناس أصول الدين الإسلامي، وعلموهم ترديد الأذكار، والأمداح النبوية، وقصائد الملحون المغربي، التي أغلبها من قصائد التوسلات، التي يراد بها التوسل بالخالق تعالى، أن يغفر لعباده ذنوبهم ويمنحهم الخير والرزق ويبعد عنهم الشرور والآفات المؤذية والفتن.
حب الملوك:
عن هذه الساحة أيضا، أنها صارت مكانا لتبادل خبرات القص بين المراكشيين وزائريها من كل الدول، والتي صارت جزءا من التراث الإنساني الشفهي حسبما أفادت به شهادة صادرة عن اليونسكو عام 1996، وبالتالي فإن ساحة الفنا اليوم محمية ثقافية عالمية، تخضع لكافة قوانين حماية التراث الإنساني. ولا ننسى أهمية هذه الساحة للفنون السمعية، فقد تأسست فيها أول فرقة مسرحية في المغرب سميت بفرقة مسرح الناس، وكذلك الفرقة التراثية الشهيرة جيل الجيلالة التي اشتهرت بالحفاظ على الموشحات الأندلسية وترديدها خلال ما تقدمه من طرب إندلسي أصيل، وقد أعتادت هذه الفرقة قراءة التوسلات والأذكار، من خلال ما تقدمه في فن الملحون المغربي، وكذلك شهدت ساحة الفناء أيضا تأسيس فرقة سميت ب ناس الغيوان التي اشتهرت بدورها في ترديد الموشحات، وتقديم فن الملحون التراثي الشهير، الذي يؤديه مؤدون يرددون خلاله مناقب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقول توسلاتهم بالخالق تعالى لتقبل صلاتهم، ونسكهم وصومهم، وأن يغفر ذنوبهم، وبالرغم من أن الساحة محطة واسعة لالتقاء أهل مراكش، فهي أيضا قبلة كل غريب وافد لزيارة هذه المدينة، التأريخية الشهيرة.
قد وضع أيضا موسم طانطان ضمن لائحة كنوز التراث العالمي الغير مادي، والشفاهي للإنسانية، وقد أضيف إلى هذه اللائحة عنصرين جديدين، هما فنون الطبخ بحوض البحر الأبيض المتوسط، والصقارة تربية الصقور والصيد بها وموسم حب الملوك، وهو الموسم الذي دأبت مدينة صفرو وهي تقع جنوب الرباط وتبعد عنها 450 كيلومترا، على تنظيمه كل سنة حيث يتم أختيار ملكة جمال حب الملوك ثمار الكرز وكذلك وضعت مدينة الرباط العاصمة كمدينة تأريخية وعصرية في الآن ذاته تحت الحماية الثقافية الدولية.
المصدر : الزمان