Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

مذكرات «أبوالغيط».. «الرئاسة» حاولت باستمرار «إخفاء» أنشطة «جمال» ولقاءاته مع مسئولى الدول الأجنبية

 

مذكرات «أبوالغيط».. «الرئاسة» حاولت باستمرار «إخفاء» أنشطة «جمال» ولقاءاته مع مسئولى الدول الأجنبية

 

تولى أحمد أبوالغيط مهام منصبه كوزير للخارجية المصرية، خلال فترة شديدة التعقيد والتحدى على جميع المستويات السياسية لمصر. يرصدها هو بالقول إن ياسر عرفات كان محاصراً فى رام الله، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع فى الصومال والسودان، وما يسببه الوجود الأمريكى فى العراق من ضغط فى اتجاهَى سوريا وإيران، ناهيك عن الوضع المتدهور فى أفغانستان، فى الوقت الذى كانت فيه ردود الأفعال المصرية حريصة وحذرة تجاه كل تلك القضايا. ليس هذا فحسب، ولكن كانت هناك تعقيدات أكبر على مستوى القيادة، عبر تراجع الحضور المصرى فى فى الساحات العالمية، والتحالفات الإقليمية والدولية. وهو ما يبرره أبوالغيط بـ«كبر سن الرئيس وطول فترة حكمه».

يحكى لك فى هذا الجزء من الكتاب الذى يحمل عنوان «استشفاف الموقف وتحسس الإطار العام للتحرك» كيف كان عليه إقناع «الرجل الكبير» بالتحرُّك والوجود لإثبات حضور مصر.
 

كان الهاجس الأمنى والملل الرئاسى أقوى من تلك المحاولات.. هكذا يأخذك أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، للحديث عن جزء أساسى فى السياسة الخارجية المصرية وأسباب تراجعها فى السنوات العشر الأخيرة لحكم مبارك. وهو ما يعبر عنه بالقول: «كنت أتابع، وبإحباط كبير، غياب الرئيس عن المشاركة فى أىٍّ من القمم الكبرى التى كانت تُعقد كل عام على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة كل سبتمبر، وبخاصة قمة الألفية التى شارك فيها غالبية قادة الدول الكبيرة والصغيرة، كنت قد لاحظت أيضاً، بخيبة أمل كبيرة، أن الرئيس توقف عن المشاركة فى أىٍّ من القمم الأفريقية منذ محاولة الاغتيال فى أديس أبابا فى عام 95، الأمر الذى كان له تأثيره على الصورة العامة لاهتمام مصر بأفريقيا لدى الكثير من القادة الأفارقة».

 

يحكى لك كتاب «شهادتى.. السياسة الخارجية المصرية 2004 – 2011» كيف كان العالم يتغير وتنشأ به تحالفات وتجمعات وكيانات، غابت مصر عنها بإرادتها رغم دعوات المشاركة التى تلقيناها. مثل مجموعة الثمانية الكبار التى تضم «الولايات المتحدة/ الاتحاد الروسى/ بريطان فرنسا/ ألمانيا/ كندا/ إيطاليا/ اليابان»، وكانوا يدعون الدول الممثلة للتجمعات الاقتصادية الإقليمية كل عام ومن بينها مصر، واعتذر مبارك عنها جميعاً عدا مرة واحدة مراعاة لرئيس فرنسا.

 

كذلك تجمع «الإبسا» الذى أعلن فى 2002 بين كل من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وغابت عنه مصر. رغم التأثير المصرى القوى عند مناقشة قضايا مهمة، الذى كان يتبدى فى المحافل الدولية، مثل قضايا نزع السلاح ومنع الانتشار النووى وغيرها من القضايا، عبر التحرك فى إطار حركة عدم الانحياز والمجموعة الإسلامية والعربية والأفريقية، وهو ما كان يفرض ثقله على كل المشاورات والمناقشات التى تدور فى إطار مجلس الأمن أو على مستوى الجمعية العامة، على حد وصف أبوالغيط، الذى يواصل حكى شهادته قائلاً: «بعد تقلُّدى المنصب فى 2004، بدأت أمارس دورى وأتحسس طريقى فى كيفية التعامل مع رئيس الجمهورية فى ضوء عدم معرفتى الشخصية به أو معرفته بى. وأعترف أنها كانت علاقة صعبة فى البداية، إذ لم يمضِ على تكليفى أكثر من أسبوعين، وإذ بالرئيس يغادر القاهرة إلى «راس الحكمة» بالساحل الشمالى المصرى للاستشفاء واستعادة الفاعلية، وغاب بالتالى طوال شهر أغسطس.

 

ومع عودته إلى القاهرة فى بداية سبتمبر 2004 بدأت ألاحظ أنه يجرى معى اتصالاً أو اتصالين يومياً، فى المساء فى غالب الأحوال، كان يسأل ويريد إجابة حاضرة. وكثيراً ما كانت إجابتى (أننى أرسلت هذه المعلومات بالأمس أو أننى أوضحت فى مذكرة للعرض عليه تقييمى بالنسبة لهذه المشكلة أو تلك). وكشفت الأيام والأسابيع التالية لبدء مهمتى أنه يفضل الاتصالات التليفونية المباشرة من جانبى، مع اهتمامه بعدم التحدُّث من خلال التليفونية المباشرة من جانبى، مع اهتمامه بعدم التحدُّث من خلال التليفون المحمول الذى لا يثق فى تأمينه وأمنه».

مرة أخرى يتحدث أبوالغيط عن نفوذ ديوان رئاسة الجمهورية فى العلاقات الخارجية للرئيس، من خلال ترتيب الزيارات والسفريات التى يقوم بها الرئيس إلى الخارج بعيداً عن وزير الخارجية، عبر الاتصال المباشر بسفير مصر لدى الدولة المراد السفر إليها مع التنبيه عليه بعدم إطلاع وزيره، أو الاتصال بسفير الدولة المعنية فى القاهرة!

ولكن كان السفراء المصريون يبلغون ديوان عام الوزارة بما حدث، الغريب أن هذا الأسلوب امتد إلى أسفار ورحلات زوجة مبارك وابنه جمال، وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «أوضحت سنوات العمل أن هناك محاولات مستمرة لإخفاء نشاطات نجل الرئيس الخارجية أو لقاءاته مع مسئولى الدول فى مصر أو بالخارج. وزاد هذا الوضع جلاءً ابتداءً من عام 2006 عندما كان كبار المسئولين الأجانب يلتقون به دون كشف لهذه اللقاءات فى مكتبه، ولم نكن نعلم بخبايا هذه المقابلات. أما أثناء سفره إلى الخارج فكثيراً ما كان يتم الاتصال بسفير لنا، وكثيراً مع سفيرنا فى واشنطن لترتيب مقابلات له، ومنها مقابلات مع مستشار الأمن القومى الأمريكى ومسئولين آخرين، بل وصل الأمر إلى أنه تم ترتيب مقابلة له مع الرئيس الأمريكى بوش، فى فترة صعوباتنا مع الإدارة الأمريكية».

 

لا بد أن تستشعر الحرج لو كنت وزيراً فى الخارجية تعلم برحلات رئيس دولتك ممن يعملون معك أو من سفراء الدول الأخرى فى بلدك. وهو ما دفع بأبوالغيط للتحدث فى هذا الشأن مع رئيس الديوان الرئاسى الدكتور زكريا عزمى، فأكد له ببساطة أن تلك هى تعليمات الرئيس، للحفاظ على سرية الاتصالات.

 

يوضح لك كتاب «شهادتى» خريطة تحركات مصر فى عهد مبارك، وكيف أن الإطار العربى اعتمد على المحور المصرى- الخليجى مع التركيز الشديد على السعودية كقوة رئيسية بالخليج، والاهتمام بالإمارات والكويت والبحرين، فى الوقت الذى حافظت فيه مصر على علاقة نشطة مع سوريا لأهمية تأثيرها فى سياسات المشرق، مع الحذر والتشكك فى المنطلقات السورية وأهدافها حتى تنحى مبارك، والاقتراب من الأردن كلما تعقّدت العلاقة مع الجانب السورى، كما اتضح منذ الغزو الإسرائيلى لجنوب لبنان فى عام 2006.

 

أما السودان وليبيا فلم تكونا بعيدين عن الاهتمام المصرى الرئيسى. وهنا يتوقف أبوالغيط ليحكى قصة أول زيارة له إلى ليبيا بعد أيام من تقلُّده منصبه بصحبة اللواء عمر سليمان، فيقول: «..مع هبوطنا بالمطار العسكرى اصطحبنا الإخوة الليبيون إلى بقعة فى الصحراء تبعد عن ساحل البحر الأبيض المتوسط بحوالى عشرين كيلومتراً، بها بحيرة صغيرة جداً ونافورة فى وسطها كتعبير عن فاعلية (النهر العظيم) الذى أهدرت ليبيا فى إقامته مليارات ومليارات لاستجلاب المياه فى أنابيت من الخزان الجوفى فى الصحراء الكبرى إلى الشمال الليبى، وجلسنا لمدة ساعتين ننتظر مقابلة القائد الليبى لنا.. وظهر القائد الليبى مرتدياً قميصاً وبنطلوناً، ورحب بنا وطلب أن نصحبه إلى خيمة مفتوحة لتناول الإفطار معه.. واستغرق هذا الإفطار حوالى ساعة زمن.. لم يتحدث أىٌّ منا -عمر سليمان وأنا- بل اقتصر الحديث من جانب معمر القذافى الذى هاجم المملكة العربية السعودية بأكبر قدر من الحدة والعدوانية، وأن مصيرها هو التحلل إلى جمهوريات صغيرة.

 

كما انتقد العائلة السعودية، وأنها هى العائلة التى أجهضت المشروع الناصرى.. وحاول عمر سليمان التعبير عن مواقفنا ورؤيتنا، خاصة وقد اتهمنا القذافى أننا نسير وراء السعودية فى إدارة سياستنا الخارجية. كان القذافى حاداً عنيفاً.. كان من الأمور المثيرة أننا جلسنا على مائدة خاصة بنا.. وجلس هو على مائدة بمفرده خاصة به وبعيداً عنا بنحو مترين..

وأخذنا نتبادل الحديث عبر الخيمة المفتوحة.. كان الجو حاراً خانقاً.. والذباب يسيطر على المكان ويهاجم أطباقنا التى احتوت إفطاراً متواضعاً من الخبز -الذى كنت أخفيه تحت مناديل ورقية لمنع الذباب عنه- والجبن والعسل.. وانتهت الزيارة، وغادرنا (سرت).. وعبّرتُ عن عميق أسفى واندهاشى للواء عمر سليمان من هذا الأداء للقائد الليبى الذى حكم ليبيا منذ عام 69.. وأجاب رئيس المخابرات المصرية.. بـ(إنك ستشهد الكثير.. وإن حماية المصالح المصرية ستتطلب أن نُظهر المرونة وأن نتحمل هذه المواقف المضحكة المبكية).. ومع هبوط الطائرة مطار ألماظة الحربى، تلقيتُ اتصالاً من سكرتارية الرئيس يبلغوننى فيه أن الرئيس يرغب فى أن أتصل به فوراً على خط مؤمّن.. وهو ما قمت به، وقال الرئيس.. (ها!!.. عملتوا إيه).. وأجبت بوضوح ودقة (إن القذافى يرغب فى استخدامنا للتعرُّض للسعودية.. وإننا استمعنا ولم نعقب أو نصطدم به)، وهو ما استشعرت رضا الرئيس عن أسلوبنا فيه.. ومضيت أقول إن هذا الرجل، ورغم اتساع قراءاته مثلما أوحى حديثه معنا، إلا أنه لا يزال يعيش فى عالم الصحراء بكل قسوتها وبداوتها.. .

وأضفت أننى دُهشت من أن الملابس التى التقانا بها كانت لا تعكس الهندام.. بل إنها واضحة الاتساخ، وأن أظافره غير مهذبة وطويلة.. واستفضت كثيراً فى انتقاداتى للزيارة وشخصيتها الرئيسية.. واستمع الرئيس بهدوء للعرض التفصيلى الذى قدّمته.. ثم قال.. (هو أنت شُفت حاجة لسه؟!)، واستطرد قائلاً.. (إن القذافى واعى جداً ومحنك.. كما أن خبثه عميق.. وإن من الضرورى أن نتعايش معه حفاظاً على مصالح كثيرة لنا مع ليبيا.. إلا أنه من الهام ألا نسمح له بتعقيد علاقاتنا مع السعودية أو بقية دول الخليج)».

 

تتذكر القذافى وملامحه وعباراته وأنت تقرأ صفحات كتاب أبوالغيط،قد تضحك متخيلاً أسلوبه، ولكنك لا تملك إلا أن تفكر فى أن الرجل كان يمتلك رؤيةً ما فى بعض الأوقات. تستشف هذا من حديث أبوالغيط فى كتابه عن انتقادات القذافى للسياسة المصرية ومواقفها وعلاقاتها مع أوروبا والخليج، واصفاً أسلوبه فى بعض الأحيان بالقسوة بشكل كان يحرج مبارك كثيراً. وبشكل كان يدفع أبوالغيط وعمر سليمان إلى التصدى له بحكمة وهدوء وحزم فى الوقت نفسه. وكان من أهم الانتقادات التى يتحدث فيها القذافى مع مبارك، حرية الإعلام التى كان يخشى منها على مبارك وعلى نفسه، وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «كان بادى الانزعاج من مظاهر الحرية التى تسود الإعلام المصرى فى انتقاد الحكم والسلطة وكان يردد القول.. (إن هذا أمر خطير وسوف يكون له عواقبه.. وسيكون له انعكاساته عليكم وعلينا نحن أيضاً بالتأكيد فى ليبيا)».

 

هل كان القذافى يقرأ المستقبل؟ ربما. ويبرر أبوالغيط صبر مبارك على أسلوب القذافى بالقول إنها كانت عائدة لوجود عدد كبير من المصريين فى ليبيا، بالإضافة إلى سعى مصر للحصول على استثمارات ليبية ضخمة.

 

وتتعجب حينما تقرأ فى كتاب «شهادتى»، اهتمام مبارك بالسودان، رغم كل ما قيل وبدا لنا من إهمال له فى عهده، وهو ما يعبر عنه أبوالغيط بالقول: «كان الرئيس يعطيه اهتماماً كبيراً، باعتباره التوأم الآخر فى وادى النهر الذى تربطه بمصر أقوى الأواصر، وكثيراً ما كان يردد فى أحاديثه معى «ده السودان.. ده النهر العابر فى أراضيه».

 

لا ينسى أبوالغيط أن يُذكِّر القارئ مرة أخرى بجزئية سيطرة الرئيس على إدارة ملفات السياسة الخارجية المصرية واتخاذ القرارات الاستراتيجية بها. وهو ما يتبدى -على سبيل المثال- فى منحه الإذن لأبو الغيط وسليمان بالسفر إلى السودان وقت أزمة دارفور لتحذير الرئيس السودانى من مغبة تجاهُل الغضب الدولى من أحداث الإبادة فى هذا الإقليم، وهو ما حدث، ويحكى عنه أبوالغيط قائلاً: «بعد عودتنا جرى اتصال هاتفى بينى وبين الرئيس، فقلت له إننى قلت للرئيس البشير إننى أتصور أن من الهامّ أن تُظهر التجاوب لمتطلبات الوضع الدولى ومجلس الأمن، وبأن تتحرك فى اتجاه التحقيق مع بعض المسئولين السودانيين الذين تتهمهم المحكمة الجنائية بارتكاب أعمال تتناقض مع القانون الدولى الإنسانى، وإلا فان الأمر قد يُعرِّض الرئيس البشير نفسه للمساءلة. وأن الغرب يرغب فى تفسيخ السودان، وأن بريطانيا تستشعر أنها أخطأت عندما تركت السودان كدولة موحدة فى عام 56.. كان الرئيس مبارك يوافق على الكثير من اقتراحاتنا..

سواء المتعلقة منها بكيفية نصح السودان فى التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، ومساعدتنا لهم بالخبراء والقانونيين؛ وفى مقدمتهم الدكتور نبيل العربى، القاضى الدولى، ذو المعرفة العميقة بخبايا عمليات المحكمة، وحيث التقى مرات كثيرة بالمسئولين السودانيين لتوجيه النصح القانونى.. أو الإجراءات المصرية التى يمكن اتخاذها لمواجهة التهديدات». ورغم كل هذا كان أبوالغيط يدرك، كوزير للخارجية، أن كل ما تفعله مصر لمساعدة السودان على تجاوز مشكلاتها، عبر تكثيف النشاطات الاقتصادية المصرية فى السودان، وزيادة الوجود العسكرى فى إطار عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على المسرح السودانى، رغم ما يحمله للخزانة المصرية من أعباء كبيرة فى ظروف اقتصادية وحياتية صعبة لمصر ذاتها، لن يحقق الهدف منه فى ظل عدم استشعار البشير أهمية الحفاظ على وحدة السودان!!

 

أما أفريقيا فقد حاول الرئيس المصرى السابق تعويض غيابه عن ملتقياتها ومؤتمراتها بدعم التواصل معها عبر إيفاد كبار مسئوليه إلى دولها، والوجود فى المناسبات المهمة بها. كما حدث بمشاركته فى القمة الأفريقية فى أبوجا بنيجيريا فى يناير 2005، وقمة غانا فى يوليو 2007، بالإضافة إلى استضافة القاهرة عدداً كبيراً من القادة الأفارقة على مدى عدة سنوات، وكذلك عقد أكثر من مؤتمر قمة فى شرم الشيخ للقادة الأفارقة، ولكن كل هذا لم يكن كافياً، وهو ما يعبر عنه أبوالغيط بقوله: «يجب الاعتراف أن ضعف العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وهذه الدول له انعكاساته فى عدم وضوح التأثير المصرى بالشكل المناسب.. وفى هذا السياق، ينبغى الاعتراف بأننى كثيراً ما شعرت بأن الرئيس يؤدى واجب الضيافة أو اللقاء مع الكثير من القادة الأفارقة بالكثير من التحفُّظ وبدون إظهار الحماس الكافى.. ولو الكاذب.. وبما قد يؤمِّن علاقات أكثر حميمية فى الإطار الأفريقى.. آخذاً فى الاعتبار أن الكثير من هذه العلاقات تعتمد على التعرُّف والاتصال المباشر بين الرؤساء».

 

لم يكن هذا الأمر مقتصراً على أفريقيا وحسب، ولكن مع جميع الدول الصاعدة الأخرى، ولذا اتجه التفكير لتكثيف الوجود المصرى عبر وزير الخارجية والعديد من الوزراء المصريين فى المناسبات الدولية والإقليمية لتعويض غياب الرئيس. مع تحويل شرم الشيخ إلى نقطة محورية لعقد المؤتمرات والقمم الدولية، مثل «قمة عدم الانحياز، والقمة الأفريقية، والصين- أفريقيا، وفرنسا- أفريقيا»، وغيرها من المؤتمرات، رغم ما كانت تتحمله مصر من عبء التكلفة والإنفاق، لكن كان الهدف، كما يقول أبوالغيط: «تأكيد آفاق الحركة المصرية وتأمين ظهور مصرى دولى على مسرح الأحداث العالمية، بما يوفر لمصر وضعية واضحة ومؤثرة تستطيع من خلالها التمكُّن من الانضمام إلى مجموعة صغيرة من الدول ذات التأثير الدولى والاقتصادى، وبذلنا جهداً قوياً للانضمام إلى مجموعة الدول الاقتصادية البازغة المسماة بالـ«BRIC».. وهى البرازيل/ روسيا/ الهند/ والصين.. وكانت هناك استجابة من البعض منها.. ومراوغة ومناورة من البعض الآخر.. وتوقف الجهد بعد سنوات وفضّلت هذه المجموعة أن تتقبل محاولات جنوب أفريقيا للانفتاح عليها.. خاصة وأنها الأقوى اقتصادياً، بالمقارنة بمصر».

 

لا بد أن تشعر بالقلق وأنت تقرأ كتاب أبوالغيط وشهادته على مجريات السياسة الخارجية المصرية فى السنوات السبع الأخيرة من حكم مبارك، فالاقتصاد المصرى ودرجات نموه لا يسمحان بأن تنافس مصر على مواقع دولية كعضوية مجلس الأمن بعد توسعته.. فدولة مثل البرازيل كانت تتمتع بناتج قومى يفوق المصرى أربع مرات، كذلك الناتج المكسيكى الذى تجاوز المصرى بثلاث مرات ونصف، وكانت جنوب أفريقيا، تفوق القدرات الاقتصادية المصرية بمرتين ونصف عدد السكان. وتركيا بثلاثة أضعاف، كذلك السعودية ثلاثة أضعاف الناتج القومى المصرى وبثلث السكان، كذلك القدرات الاقتصادية القطرية. وكان الاقتصاد يسيطر على العقل الدولى فى تصنيف الدول وقدراتها. كيانات تصعد وأخرى تتراجع، ودبلوماسية مصرية تتحرك بأقل الإمكانيات، وفى غياب قيادة كالحاضر الغائب لا تمتلك روحاً وثّابة لاقتناص الفرص لبلدها. وهو ما يقول عنه أبوالغيط فى كتابه: «لم نعد فى القمة فى مجالات كثيرة إقليمياً، ولاحظت أن التقارير الدولية للقدرة التنافسية للاتصالات والمجتمعات.. تصدر سنوياً.. وتكشف عن تدهور فى وضعية مصر.. وقمت من جانبى وبكل الصدق والأمانة بعرض هذه التقارير على كل أجهزة الدولة المصرية.. الرئيس.. رئيس مجلس الوزراء.. والوزراء المعنيين وغيرهم.. إلا أنه وضح أن الهمّة ناقصة!! وعدم الحماس أصبح هو الأداء السائد».

 

يلتقطك أبوالغيط مرة أخرى عبر سطور كتابه ليقدم لك سمة من سمات مبارك، عرفها بعد أقل من ساعة من حلفه اليمين وعن طريق رئيس سكرتارية الرئيس الذى طلب زيارة أبوالغيط فى مكتبه. وهو ما يقول عنه: «استقبلته فى مكتبى مترقباً ما ينوى أن يتحدث به.. فإذا به يقول.. ربما بقدر من الإحراج.. إننى وقرينتى لا نعرف بالطبع أسلوب الرئيس وقرينته إلا أنه ينصح بأن نحتفظ بمسافة وعدم محاولة (رفع الكلفة)، وبخاصة من جانب زوجتى.. فأوضحت له بهدوء أن قرينتى لا تُعطى اهتماماً على الإطلاق للسلطة أو الاتصالات الرسمية، وأنها كانت دائماً بعيدة ولا ترغب إطلاقاً فى الاقتراب من أحد.. وهى لديها مسئوليات فى رعاية شئونها وأرضها الزراعية.. وبقيت العلاقة هكذا.. المبادرة والمبادأة مع الرئيس وقرينته».

 

ولا يتركك وزير الخارجية الأسبق فى هذا الجزء إلا بعد أن يطرح الصورة الحقيقية للعاملين بـ«الخارجية» داخل مصر وخارجها، مشيراً إلى أن عدد بعثاتنا فى الخارج يقدر بنحو 135 بعثة، يبلغ عدد العاملين بها 480 دبلوماسياً، بالإضافة إلى 300 إدارى، بينما يعمل فى الوزارة بالقاهرة 500 دبلوماسى لممارسة أعمال الإدارة والتوجيه وغيرها من المهام. وتتعجب من ميزانية وزارة الخارجية التى لا تزيد على 200 مليون دولار، يُنفَق منها على مهام الوزارة ورواتب العاملين بها فى الداخل والخارج. وهو ما يعلق عليه الوزير الأسبق أحمد أبوالغيط بالقول: «أتعجب ممن كانوا يطالبون وزارة الخارجية بالمزيد من النفوذ فى أفريقيا والدول العربية، وهم لا يعلمون ضَعف ميزانيتنا التى نعمل بها ونحاول بما أتيح لنا من إمكانيات الظهور بالشكل الملائم الذى يليق بمصر».

 المصدر : elwatannews
 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله