قدرة قطاع السياحة على خلق فرص عمل مستدامة
مطلوب من الاقتصاد السعودي – في ظل نسب النمو المتصاعدة في المواليد – أن يوفر أكثر من ثمانية ملايين وظيفة خلال الـ 15 عاما المقبلة. وليس من المتوقع أن تستمر المملكة حتى ذلك الحين في الاعتماد الكامل على البترول كمحرك أساسي للاقتصاد، وخلق الفرص، ودعم القطاعات الأخرى، وتنمية التدفقات النقدية من العملات الأجنبية. حتى لو استمرت المملكة في مستويات الإنتاج الحالية، فإن قطاع إنتاج النفط يواجه منافسة عالمية كبيرة من منتجات أخرى تستجد كل يوم، كما أنه من غير المحتمل بقاء الأسعار على ما هي عليه، لذا لا بد من العودة إلى فهم الاقتصاد السعودي مجددا، وفهم ميزاته التنافسية، وخلق قطاعات جديدة قادرة على البقاء بذاتها، بعيدا عن دعم النفط ومنتجاته الثانوية.
وجربت المملكة حظها مع القطاع الزراعي، ووصلنا إلى نتيجة مفادها أن الماء أهم لبقاء الاقتصاد السعودي، ومن تنمية منتجات زراعية تستهلك رصيدنا غير المتجدد من هذا الماء الأساسي في الحياة. تبقى القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تعتمد اعتمادا كاملا على المنتجات النفطية سواء الأساسية أو الثانوية، وهذه ستتأثر حتما بأي تغير يطرأ على صناعة إنتاج النفط وأسعاره، وهي بذلك تواجه مخاطره نفسها. كما أن هناك قطاعات أخرى تعتمد على قدرة الحكومة على ضخ النقد، لكنها ليست منتجة له في حد ذاتها كقطاعات التجزئة وقطاعات المقاولات. لذلك فإنه لا يمكن التعويل على هذا لقطاعات من أجل استدامة الاقتصاد السعودي في الـ 15 القادمة، ومن ثم خلق فرص وظيفية للمواطنين تتجاوز ثمانية ملايين وظيفة في ظل منافسة العمالة الأجنبية لهم.
وكما أشرنا أعلاه فإن البحث عن ميزات تنافسية جديدة للاقتصاد السعودي قد يكون الحل، وهذا ما تحدث عنه رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة في لقائها السنوي في مدينة الرياض، كما تحدث بشكل مباشر عن قدرة قطاع السياحة في المملكة على خلق فرص العمل، مستندا إلى حقيقة أن هذا القطاع من أكبر مشغلي الأيدي العاملة في العالم. وهذا ما أكده وزير العمل الذي حضر اللقاء السنوي أيضا، وأشار إلى أن قمة الـ 20 التي انعقدت في المكسيك، أكدت أن السياحة من أكبر القطاعات المولدة للوظائف عالميا. لذا فإن الدول التي لديها ميزات تنافسية، خاصة في هذا القطاع، ستكون محط أنظار العالم في المستقبل وستسيطر على هذه الصناعة تماما، ولن يكون هناك مكان لداخلين جدد في عالم شديد التنافسية، وهو ما بدأنا نشعر بحدته في منطقة الخليج العربية.
وكما أشار رئيس الهيئة العامة للسياحة، فإن قدرة قطاع السياحة في المملكة على خلق الوظائف كبيرة نسبيا، فقد خلق ما نسبته 8 في المائة من الوظائف في المملكة خلال عام 2011 مقارنة بـ 7.9 في العام الذي سبقه. كما أن هذا القطاع يحتل المرتبة الثانية في نسب التوطين في المملكة، التي بلغت 26 في المائة، وهو ما فسره الرئيس العام للهيئة برغبة المواطنين وإقبالهم على المهن المرتبطة بالسياحة والقطاعات المساندة لها. وهنا نتمتع بميزة خاصة، فالمواطن السعودي لا يهرب من هذا العمل، وأنه يفضله على غيره، كما أن المملكة تحتضن في جنباتها تاريخ العالم القديم الآسر والمليء بالأسرار التي لم تكتشف، وشمسا مشرقة طوال العام وتنوعا جغرافيا مثيرا وسواحل وجزرا مدهشة، إضافة إلى توسطها العالم، مع تمتعنا اليوم بفائض ضخم من الأموال التي يمكن استثمارها في هذه الصناعة. الفرصة اليوم متاحة لنهضة اقتصادية مميزة بعيدا عن صناعة النفط تحتاج فقط إلى رؤية جديدة ورواد جدد.
المصدر : الاقتصادية