صناعة الأمل.. ضحية للقلاقل السياسية
بقلم : جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين
كل الشواهد والدلائل والتجارب علي أرض الواقع تؤكد ان السياحة.. صناعة الأمل في الكثير من دول العالم هي ضحية للقلاقل السياسية.. ان ما تؤدي إليه السياسة من تعكير للعلاقات بين الدول وما قد تسفر عنه من ثورات وعدم استقرار كلها تمثل عنصر تدمير لهذه الصناعة التي تتعاظم اهميتها يوما بعد يوم اقتصاديا خاصة ان انشطتها تمثل محورا اساسيا للتنمية والحياة في بعض الدول.
< < <
هذه الحقيقة تنطبق علي مصر حيث يعتبر استثمار امكاناتها السياحية جزءا حتميا لمساندة مسيرتها الاقتصادية والاجتماعية ماديا. ورغم تعدد مصادر الثروة في مصر إلا أن التزايد التصاعدي في التعداد السكاني يجعل الاستفادة منها محدودة.. ولعل اخطر ما يواجهنا هو ان انخفاض انتاجية العامل المصري نتيجة سوء الادارات السياسية.. جعل هذا التزايد السكاني عبئا علي الدولة المصرية بدلا من أن يكون مصدرا لزيادة الموارد.. من اسباب هذه النزعة السلبية غياب الانضباط وانتشار التسيب وهما امران يقف وراءهما انشغال الجهات السياسية المسئولة عن ادارة شئون البلاد بأمور اخري ليس من بينها تعظيم الانتاج باعتباره الطريق نحو التقدم والازدهار.
< < <
ومن خلال أي متابعة سوف نكتشف ان القرارات والتحركات السياسية التي تتسم بعدم المسئولية والجنوح الي الفوضي.. دائما ما تؤثر سلبا علي السياحة مما يترتب عليه فقدان عنصر أساسي في احداث التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ليس ما اقوله تجاوزا وإنما هو الواقع المؤلم الذي نعيشه حاليا نتيجة الأوضاع السياسية غير المستقرة وما نتج عنها من احداث يراها السياحيون خطرا مستطيرا علي النشاط السياحي. ان ما اعنيه تمثل في الفترة الاخيرة فيما اعقب ثورة ٥٢ يناير من اعمال وممارسات هزت الأمن والاستقرار علي مدي العشرين شهرا الماضية . كان من نتيجة ما حدث ويحدث خسارة مصر لدخل من العملات الحرة يقدر بحوالي ٦ مليارات دولار.. هذا المبلغ الهائل يفوق ما نسعي للحصول عليه من صندوق النقد الدولي لمواجهة متطلباتنا الضرورية.
< < <
ولان فلسفة السياحة تقوم بشكل أساسي علي مبدأ الاستمتاع بالمقومات الطبيعية وبالتراث الثقافي الذي تملكه الدول.. فإن أي مظاهر قولا وعملا تؤثر علي ممارسة هذا الحق للسياحة بأي صورة من الصور.. يجعل أفواج السياحة تتجنب زيارة هذه الدول والتوجه الي أي دولة اخري. ليس جديدا القول بأن السائح ليس مجبرا علي المغامرة براحته وحياته خاصة انه يدفع تكلفة الرحلة التي يقوم بها من حر ماله. اذن يصبح توافر الأمن والامان والاطمئنان عاملا اساسيا في تحقيق الرواج السياحي وانعكاساته اقتصاديا واجتماعيا.
< < <
وليس خافيا ان ما تعرضت له السياحة المصرية كان وليد القلاقل والفوضي وغياب الأمن. يضاف إلي ذلك تلك التصريحات غير المسئولة الصادرة عن بعض الرموز والتي تحمل في طياتها ما يشبه التهديد للنشاط السياحي. ان ما يثير الشكوك حول خطورة مثل هذه التصريحات يتركز في غياب الوضوح في مواقف السلطة السياسية التي تنتمي إليها هذه الرموز. هذا الوضع كان مبررا لان تسود حالة من الاحباط واليأس في دائرة الاستثمار السياحي وبالتالي ملايين العاملين في انشطته. تراجع السياحة وامتداد اثر ذلك علي اقتصاديات مصر كان دافعا لبعض أصحاب المشروعات السياحية الي وقف النشاط تجنبا لما قد يتحملونه من خسائر لا طاقة لهم بها. انعكاسات هذه الخطوة كانت ذات اثر مباشر علي فقدان العاملين في هذه المشروعات لاعمالهم وبالتالي لدخولهم. تواصل تفاقم هذا الاتجاه يعني تعقيد مشكلة البطالة وما يترتب عليها من تداعيات اجتماعية.
< < <
واذا كنا قد تحدثنا عن المثال المصري بحكم الصلة المباشرة فإن ما يجري فيها انطبق أيضا علي تلك الدول العربية التي تعاني من الاضطرابات وعدم الاستقرار. يأتي ضمن هذه الدول سوريا وما يجري فيها وهو الأمر الذي افقدها عدة مليارات من الدولارات كانت تحققها السياحة بها. ونظرا للعلاقة التاريخية بين سوريا ولبنان فقد كان طبيعيا ان تشملها هذه الحالة. هذه التطورات الأخيرة دفعت دول الخليج العربي التي تعد السياحة فيها موردا أساسيا للازدهار الاقتصادي اللبناني.. الي اصدار نصائحها بل تعليماتها الي ابنائها بعدم الذهاب الي لبنان تجنبا لمشاكل تهدد حياتهم.
< < <
هذا الذي يحدث في معظم الدول العربية السياحية هو من افرازات الممارسات السياسية التي يؤدي عدم انضباطها ومراعاتها للصالح الوطني.. إلي هذه النتائج ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي.