"إعصار" التومان الإيراني ينعش السياحة في قم ويضربها في النجف.. والمستثمر العراقي يدفع الثمن
النجف "ادارة التحرير" … قبل بضعة اشهر، كانت النجف تعتبر مدينة ثنائية اللغة، واذا مررت في أي من شوارعها، فانك ستستمع الى كلمات "تشان دي آغا" التي تعني (بكم هذه، يا سيد) و "خيلي خوب آغا"، (جيد جدا يا سيد)، بنفس الكثافة التي تستمع بها الى "بيش هاي عمي"، و"الله بالخير اغاتي".
ومع هذا فإنك لن تجد على الاغلب، اذا كنت عراقيا، من يخطئ في التمييز ويستقبلك بعبارة "خوش آمديد" والتي تعني (اهلا وسهلا)، لأن عيون الباعة المتدربة قادرة على التمييز، بثوان، بينك (العراقي) وبين الإيرانيين الذين تدين لهم النجف بقدر كبير من فضل ازدهار السياحة الدينية فيها.
لكن كل هذا "أصبح ماضيا الان"، كما يقول أبو مصطفى، أحد اصحاب الفنادق الـ190 في النجف، والذي كان قد تعود على عبارة "الفندق ممتلئ" التي يقولها لزبائنه العراقيين، أصبح شغله الشاغل "اصطياد" الزائرين المحليين الذين كانوا يُتركون عادة لفنادق أقل شأنا، ففندق ابي مصطفى، الفخم نسبيا، "كان يمتلئ حتى آخر غرفة فيه بالزائرين المقبلين من إيران لزيارة ضريح الإمام علي، كما يروي ابو مصطفى وهو يتحسر على الإيرانيين.
ويلفت أبو مصطفى أن تراجع السياحة الإيرانية اضطره خلال الاسابيع الماضية إلى "تسريح العدد الأكبر" من عماله، و"الاستغناء عن مولد الطاقة الكبير والاعتماد على آخر اصغر حجما"، ويوضح بالقول "أحاول تقليص النفقات بعد تناقص الأرباح"، ويقول بحسرة "ان النجف كانت تستقبل قبل تعرض ايران لازمة انخفاض سعر العملة بحدود خمسة الاف زائر يوميا".
هذه الازمة التي يتحدث عنها ابو مصطفى تسببت بخسائر للشركة الايرانية، شمسا، "المسيطرة" على نقل قوافل الزائرين، فإيران او الجهات المسؤولة عن "تفويج" الزائرين، مدينة لفنادق النجف وشركاتها السياحية بمئة مليون دولار، واذا علمنا ان سعر العملة الايرانية انخفض الى النصف، نستطيع ان نقدر حجم الخسارة التي حاولت الشركات الايرانية بسببها تبديل عملة التعامل الى "التومان" في محاولة لتلافي الخسائر، وهو الامر الذي رفضه العراقيون.
أربع شركات سياحية كبيرة في النجف واكثر من عشرين فندقا بدأت مطلع تشرين الاول، "مقاطعة" التعامل مع منظمة الحج والزيارة الايرانية وشركة شمسا التي تهيمن على إدارة السياحة الايرانية في العراق، بسبب الديون الكثيرة على الجهات الإيرانية، وايضا لقرار الاخيرة التعامل بالعملة الإيرانية (الريال) بدلا من الدولار.
ولأن مئة مليون دولار سنويا (120 مليار دينار عراقي) في مدينة مثل النجف، وحتى في غيرها، تعتبر مبلغا هائلا، وخسارته التي تتضاعف كل سنة تعني أن مزيدا من أبناء النجف سيفقدون أعمالهم، وستتأثر بشكل كبير تجارة النجفيين التي تنوعت من الحلويات التي تصنع محليا الى أدوات الصلاة التي يقبل الإيرانيون على شرائها "لبركتها" وحتى الملابس والاف الأشكال من التذكارات المتنوعة، الصغيرة والمربحة.
لكن النجفيين بدأوا سريعا في عملية البحث عن بدائل، يقول رئيس رابطة الفنادق والمطاعم الفنادق والمطاعم السياحية في النجف صائب ابو غنيم في حديث الى (المدى برس)، إن "الوضع الاقتصادي في المحافظة مترد جدا نتيجة اغلاق العديد من الفنادق وتسريح عمالها لذا ادعو الجانب الحكومي لإبرام اتفاقيات مع دول أخرى وتشجيع قدوم الزائرين الى العراق مع توفير كافة التسهيلات".
لكن هذا لا يبدو حلا، فايران يعيش فيها نحو مئة مليون شيعي، ومن الصعب تعويض الزائرين الإيرانيين بالشيعة من دول الخليج او لبنان، الذين قد يكونون اكثر ثراءً، لكنهم بالتأكيد اقل عددا بأضعاف كثيرة.
وبالنسبة للبعض فإن التركيز على السياحة الدينية هو سبب التراجع في قطاع السياحة بشكل عام كما يقول المدير المفوض لشركة الرافدين السياحية فاضل الصائغ لـ المدى برس إن "هناك أنواعا عديدة من السياحة في العراق يمكن ان تستغل لانعاش القطاع السياحي من جديد".
ويقترح مدير الشركة التي تقود التحالف "المقاطع" لإيران "تفعيل السياحة التاريخية والسياحة الترفيهية والسياحة الاثارية والسياحة العلاجية والتي يمكن لأصحاب الشركات والفنادق ان يوظفوها لإنجاح أعمالهم".
ومع أن انخفاض الريال الإيراني سبب مشكلة اقتصادية لشركات السياحة في النجف فإنه على العكس من ذلك انعش شركات السياحة والفنادق الإيرانية التي تستقبل الزوار العراقيين، الذين يمنحهم تخلخل العملة الإيرانية زيارة "رخيصة" الى الجارة الشرقية التي تمتلك هي الاخرى عددا من المراقد المقدسة وطبيعة جميلة غير موجودة، او مهملة في العراق.
يقول حيدر علاء (35 سنة)، "نستطيع الان السفر انا وعائلتي الى إيران عن طريق تحويل مبلغ قليل من العملة العراقية أو الدولار الى الريال الإيراني والذي بات يوفر مبلغا كبيرا يغطي تكاليف السفر للعائلة".