Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

الكنيسة والدستور! بقلم د. حلمى القاعود

الكنيسة والدستور!

 

بقلم / الدكتور حلمى القاعود –

تمنيت وغيرى من المسلمين والنصارى أن ينتهى عهد الكنيسة بالسياسة ولعب دور سياسى لا يتفق مع طبيعتها ومهمتها الروحية فى رعاية شئون النصارى دينيًا وخلقيًا، وقد كتبت أكثر من مرة أطالب البابا الجديد بأن يكف عن التدخل فى الشئون السياسية كما كان يفعل سلفه المتمرد الذى قاد الطائفة أربعين عامًا إلى بحر الظلمات مستغلاً ضعف الدولة واستبداد حكامها الطغاة الذين سقطوا فى ثورة يناير!

البابا الجديد صرح قبل فترة قصيرة برفض المادة 220 من مسودة الدستور، وعدها مُؤسّسة لدولة دينية – كما يسميها – ورأى فى ذلك إخلالاً بمبدأ المواطنة والوحدة الوطنية وغير ذلك من دلالات من وجهة نظره، وهو موقف غريب لا يعبر عن تسامح أو محبة أو قبول للآخر!

وقد أتبع البابا موقفه بسحب ممثلى الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس الأخرى من الجمعية التأسيسية للدستور تحت دعوى أن الدستور لا يلبى مطالب النصارى ولا يؤسس لدولة مدنية، وفى الوقت ذاته كانت هناك مقابلات للبابا مع بعض رموز الفلول والتيار العلمانى المتطرف، خرجوا على إثرها ليعلنوا انسحابهم المريب من الجمعية التأسيسية،

وظن القوم أن الانسحابات المتعددة بعد أن أوشكت الجمعية التأسيسية على الانتهاء من الدستور يمكن أن توقف إتمامه ويتأزم الموقف، ويصبح التفاوض مع الرئيس طريقاً للابتزاز وفرض المطالب غير المنطقية التى تجعل الطائفة فوق الدستور والقانون، وتحولها إلى دولة داخل الدولة بل فوق الدولة!

خاب ظن القوم حين تم تصعيد الأعضاء الاحتياطيين، وتم التصويت على مواد الدستور مادة مادة فى مشهد بطولى نادر أسفر عن مسودة دستور غير مسبوق فى تاريخ مصر من حيث اهتمامه بحرية أبناء الوطن وحقوقهم بمن فيهم النصارى، وقد تضمن الدستور لأول مرة مادة خاصة بهم مع اليهود للتحاكم إلى شرائعهم.

الكنيسة لا تريد للمسلمين أن يتحاكموا إلى شريعتهم، ويعد ذلك انقلابًا على الدولة المدنية وإقامة للدولة الدينية، وهذا كلام فيه تدليس وتلبيس، والدنيا كلها تعلم أن الإسلام هو أول من قدم للعالم الدولة المدنية بمفهومها الحقيقى، وفى الوقت الذى كانت فيه الكنيسة فى أوروبا تحكم باسم الله والحق الإلهى؛ وتمنح الغفران وتفرض الحرمان، كانت الدولة الإسلامية تتيح حرية غير مسبوقة لأصحاب المعتقدات المختلفة بحوار حضارى لم تعرفه البشرية من قبل، انطلاقاً من المسئولية الشخصية التى يتحملها صاحبها وحده ودون وساطة بين الخالق والمخلوق "وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه.." ( سورة الإسراء:13).

فى المقابل، نجد الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر تضع الإنجيل فوق الدستور والقانون، وقد رفض شنودة حكم محكمة نهائياً يلزمه بالزواج الثانى لأنه فى تفسيره الشخصى للإنجيل يرى أن الإنجيل فوق حكم المحكمة وقد أصر على موقفه حتى أصدرت محكمة عليا قرارًا بوقف تنفيذ الحكم.

لقد أصرّ البابا السابق – ومثله البابا الحالى – على تطبيق الإنجيل بمفهومه الشخصى ولا يريد للمسلمين أن يطبقوا شريعتهم وفقاً لمنهج أهل السنة والجماعة. الكنيسة تقيم دولة دينية داخل الدولة الإسلامية المدنية وتعامل النصارى معاملة العبد الذى لا يملك من أمره شيئاً وتحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية وهو الزواج إذا طلق زوجته، وتدفعه إلى مخالفة دينه ليشبع غريزته البشرية مع أن هناك ما يسمى لائحة 38 التى وضعها مجموعة من رجال الدين الكبار يمكن أن تحل مشكلات ثلاثمائة ألف أسرة نصرانية معذبة. ثم تمارس الكنيسة سلطة الدولة المتعصبة التى تحشد رعاياها من أجل امرأة أسلمت أو زوجة كاهن تركت زوجها، أو فتاة نصرانية تزوجت من فتى من غير دينها أو طائفتها.

أعجبنى ما قاله كاتب نصرانى حين ضرب مثلاً بالكلب الذى إذا تركته وليفته يستطيع أن يجد أخرى. أما القبطى فهو الكائن الوحيد فى الكون الذى إذا تركته زوجته أو أساء اختيارها لأنه لم يتمعن جيداً فى دراسة علم النفس وعلم الاجتماع قبل الاختيار يظن الآباء أن الله يجب أن يعاقبه لبقية حياته، ويجب أن يعاقبه رجال الكاتدرائية أيضاً.

اليوم نجد متمردى الطائفة من عهد شنودة يقومون بالدور الإجرامى ذاته ضد الإسلام والمسلمين، وها هو أحدهم يدعى أنه مستشار للكنيسة الأرثوذكسية يقوم بالتحريض ضد الشريعة الإسلامية ويطالب بتدخل دولى فى مصر، ويفاخر بأن الحشود التى كانت فى التحرير فى مظاهرة الثلاثاء كانت حشود شعب الكنيسة، ويردد المذكور رفضه للمادة 220 فى مسودة الدستور المفسرة للمادة الثانية، ويزعم أن مسودة الدستور لا تقوم فقط بإقصاء الأقباط، ولكنها تضرب جميع مقومات الدولة المتمثلة فى التعددية الثقافية والدينية والمذهبية والسياسية، وتنتهك حرية المرأة وتقلل من شأنها.

لقد كشفت مصادر بالمقر البابوى عن صدور تعليمات من البابا بالتنبيه على الكهنة لدفع الأقباط للعزوف عن المشاركة فى الاستفتاء على دستور مصر المقرر عقده يوم 15 ديسمبر الجارى.

وشدد مئات الكهنة والقساوسة خلال قداس الصباح،على ضرورة مقاطعة الاستفتاء للطعن فى شرعيته فى وقت لاحق بزعم أنه لا يمثل المصريين مع أن الدستور تضمن كل المواد التى اقترحها ممثلو الكنائس حتى بعد خروجهم من الجمعية التأسيسية للدستور. 

 وإضافة إلى ما سبق، طالب الكهنة الأقباط بالاشتراك فى العصيان المدنى الذى دعت إليه قوى ليبرالية ويسارية وعدم الذهاب إلى أعمالهم لتعطيل عجلة الإنتاج – ما استطاعوا – وقضاء اليوم بالكامل بميدان التحرير للتظاهر، مؤكدين أن خطوة العصيان المدنى هى السبيل الأمثل لإسقاط الرئيس المنتخب، كما دعوا الأقباط للمشاركة فى أول مسيرة تنطلق إلى قصر الاتحادية، مرددين "الرب راعيكم ويؤيدكم فى مطالبكم" ولا تخشوا من حشود الإسلاميين، فالعالم كله يراقب ما يحدث ولن يتوانى عن إنقاذكم. 

المصدر : جريدة الوسط الالكترونية

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله