مقام "الأوزاعي".. أقدم المزارات الدينية في بيروت
أوْلت الدولة العثمانية اهتمامًا خاصًا به، ولم يدفن في جبانته إلا العلماء والأولياء والمفتون والرؤساء
بيروت "المسلة" …. يُعد مقام الإمام عبد الرحمن الأوزاعي من أقدم مساجد العاصمة اللبنانية بيروت، إذ يعود عمر مئذنته القديمة للعام 1939م، وقد أولت الدولة العثمانية اهتمامًا خاصًا وكبيرًا بالإمام الأوزاعي وبفقهه وضريحه ومسجده، وفي العهد العثماني تم تخصيص مساحات واسعة جدًا للمقام امتدت من المدينة الرياضية شمالاً إلى مطار رفيق الحريري جنوبًا ومن الساحل غربًا إلى منطقة طريق صيدا القديمة شرقًا.
ويعود تاريخ مقام الإمام الأوزاعي في بيروت إلى زمن الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور المتوفي سنة 775م.
ولا يزال مقام الأوزاعي حتى اليوم مقصدًا للبنانيين عامة (مسلمين ومسيحيين) يزورونه بشكل مستمر لتقديم النذور والدعاء.
ولا تنقطع أيضًا وفود الزوار التي تقصد مقام الأوزاعي من مختلف دول العالم كتركيا وأندونيسيا والهند وغيرها كثير، لنيل البركة والدعاء.
زائر المقام يرى بمحاذاة مقام الأوزاعي من الجهة الشرقية مقبرة صغيرة مخصصة لعلماء المسلمين وأعيانهم، دفن فيها كثير من علماء ومفتي لبنان.
وفي هذا السياق يتحدث المؤرخ اللبناني حسان حلاق لمراسل "الأناضول" عن أن الإمام الأوزاعي أفتى في أكثر من 60 ألف مسألة، لافتًا إلى أنه كان للإمام الأوزاعي مواقف عظيمة يشهد لها التاريخ لا سيما في فترة العهد العباسي عندما قام بعض نصارى لبنان بثورة "المنيطرة" فإذا بالوالي العباسي صالح بن علي يجهز حملة عسكرية للقضاء على هذه الثورة.
وأضاف حلاق: "لكن مما يؤسَف له هو قيام الجنود العباسيين بحرق وتدمير بعض قرى الموارنة في لبنان وظلم الأبرياء ممن لا علاقة لهم بالثورة ضد العباسيين".
وأشار في معرض حديثه أن الإمام الأوزاعي رفض مثل هذه الممارسات وأرسل رسالة عاجلة وشديدة اللهجة للوالي العباسي مطالبًا بوقف هذه الممارسات بادئًا رسالته بالآية الكريمة "ولا تز وازرة وزر أخرى" أي لا يجوز أن يظلم البريء بجريرة المقترف.
ويسرد حلاق أنّه وعند احتلال الصليبيين لبيروت في العصور الوسطى قاموا بتدمير مساجدها فتدخل المسيحيون والموارنة بالتحديد لدى الصليبيين ومنعوهم من هدم مسجد ومقام الإمام الأوزاعي.
ويضيف أن السلاطين العثمانيين كانوا يوعزون للولاة والمتصرفين بمن فيهم متصرف جبل لبنان بضرورة الاهتمام بضريح الأوزاعي.
ويتابع حلاق: الدولة العثمانية خصصت بعض الموظفين من العلماء والمشايخ ومتولي الوقف وفي مقدمتهم "آل الرفاعي" لمتابعة أوضاع المسجد والضريح، إضافة لتعيين شخص برتبة "تربة دار" أي المسؤول عن جبانة الأوزاعي التي لم يُدفن فيها منذ العهد العثماني حتى اليوم إلا العلماء والأولياء والمفتون والرؤساء.
وكان الإمام الأوزاعي ولد في بعلبك سنة ثمانية وثمانين للهجرة ونشأ يتيمًا في حجر أمه التي كانت تتنقل به من بلد إلى آخر ومن عالِم إلى آخر. وقد انتقل إلى بيروت وسكن في السوق الطويلة في وسط المدينة.
ونشأ في بلدة الكرك في البقاع في لبنان حيث تلقى مبادئ العلوم وحفظ القرآن الكريم، ثم توجه إلى دمشق لتلقي علم الحديث النبوي.
رحل إلى اليمامة في نجد (بالسعودية حاليًا) حيث أخذ عن يحيى بن أبي كثير، كما كان له صلة بآل البيت كالإمام زيد بن علي زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق.
وانعقد إجماع أهل زمانه على إمامته وجلالته وعلو مكانته، حيث قال عنه مالك بن أنس: "كان الأوزاعي إمامًا يقتدى به"، وقال سفيان بن عيينة: "كان الأوزاعي إمام أهل زمانه".
توفي الإمام الأوزاعي وهو في التاسعة والستين من عمره، ودفن في قرية حنتوس (منطقة الأوزاعي حاليًا).