البترا في عيون إعلاميين ليبيين: أجمل ما رأينا وأكثر مما تخيلنا
البترا "ادارة التحرير" "أجمل ما رأيت، وأكثر مما تخيلت"، بهذه الكلمات عبر المصور الصحفي الليبي جمال الهمالي عن مشاهدته للبترا المدينة الأثرية في جنوب الاردن التي استوقفته وكأنها تخاطبه في الوقت الذي كان يحث خطاه ويجهز عدسته ليجسد عبق ساعات زيارتها.
"كنت أظنها مجرد آثار عادية منقوشة بصورة دقيقة سأصورها ضمن عملي الصحفي" يقول جمال لزملائه الاعلاميين والمصورين، لكن سحر هذه المدينة المحفورة في الصخر ولونها الوردي يخاطبك وكأن ألحاظها تبدع ألفاظنا وتحيي عدساتنا.
الى الجنوب من عمان على مسافة 230 كيلومترا تقع البترا الاثرية المحفورة في الصخر الوردي اللون التي جاء اسمها منه (الصخر) باللغة اليونانية و (رقيمو) باللغة النبطية، والمختبئة خلف حاجز منيع من الجبال المتراصة التي بالكاد يسهل اختراقها، لكن الإعلامية الليبية فاتن عبده اخترقتها، فما أن خطت خطوتها الاولى نحو باب السيق المدخل المؤدي الى المدينة- وهو ممر طريق ضيق له جوانب شاهقة العلو- حتى دخلت في حالة عشق روحي لهذا المكان .
في الطريق الى باب السيق تسير فاتن و 18 اعلاميا ليبيا في رحلة هي الاولى لهم للبترا يستمعون للدليل السياحي رضوان الفرجات الذي يشير الى اليمين عن وجود ثلاث كتل ضخمة مقطوعة من الصخر يطلق عليها اسم (الصهاريج أو صخور الجان) والتي يعتقد بأنها قبور نبطية مبكرة لم يكتمل حفرها، فيما تحوي التلال المجاورة والمشرفة على الكتل الصخرية مئات المقابر الصغيرة المقطوعة في الصخر.
وعلى اليسار وعبر هذا الممر يقع ضريح المسلات وأسفله قاعة الاحتفالات الجنائزية فيما يشير نقش حفر بأحرف يونانية ونبطية في التل المقابل لهذا الضريح الى وجود ضريح عائلي.
ويعتقد العديد من الباحثين ان الانباط هم إحدى القبائل العربية التي انتشرت في المنطقة الممتدة بين شمال الجزيرة العربية وجنوب سوريا ووصلوا الى جنوب الاردن في اواخر القرن السابع واوائل القرن السادس قبل الميلاد، حيث استقروا الى جانب الأدوميين وتمكنوا بالتدريج من السيطرة على المنطقة ومن ثم دفع الادوميين الى جنوب فلسطين التي صارت تعرف بأدومية، واتخذوا البترا مكانا مقدسا لدفن موتاهم ثم حولوها فيما بعد عاصمة لمملكتهم.
تقول فاتن "وكأن روحي تسبح بين حضارات خطت بسنواتها ونسجت جبال البترا لتحفر على مر التاريخ مسيرة شعوب حكمت وعاصرت هذه الحقبة التاريخية الخلابة".
ينظر الاعلاميون الليبيون في هذا الممر الذي تشكل كل زاوية منه قصة تحكى الى ضخامة واجهاته الصخرية وألوانه، ويأخذهم حديث الدليل السياحي الى بداية القرن الثاني قبل الميلاد التي اصبحت فيه البترا العاصمة الفعلية لمملكة الانباط لما كانت تتمتع به من موقع حصين في منطقة عرفت بوفرة مياهها ومراعيها بالإضافة الى وقوعها بمحاذاة طرق القوافل التجارية المحملة بالبخور والتوابل والحرير والتي كانت تربط بين مراكز الانتاج في الصين والهند وجنوب الجزيرة العربية وبين الاسواق الاستهلاكية الغنية في مصر وسوريا واليونان وروما.
وضمت مملكة الانباط في أوجها خلال القرن الاول قبل الميلاد والقرن الاول الميلادي كلا من الاردن وشمال الجزيرة العربية وصحارى سيناء والنقب.
وتعبر الإعلامية ليلي المثناني من صحيفة الشروق الليبية وهي تسير في السيق عن انبهارها بممرات البترا المتعرجة وصخورها التي تتباين ألوانها مع انعكاسات ضوء الشمس وتقول"الرسومات والكتابات والنقوش التي تتوشح بهذه الصخور تجسد تاريخ المدينة وترسم لوحة تشكيلية تخلب الناظر"، فيما تقول زميلتها هدى ساسي "وكأني أشهد بعيني ملحمة خالدة من مشاهد العمارة الراقية في هذه المدينة التي اتخذت من قبس الحضارة مشكاة لها ومن مفردات الحس والجمال نقوشا من الحنة تسرد قصتها".
ويتابع الدليل السياحي الفرجات القول "ان البترا شهدت خلال القرن الثاني الميلادي حركة عمرانية نشطة ظهرت فيها التأثيرات الناجمة عن امتزاج العناصر الفنية اليونانية– الرومانية بالحضارة العربية النبطية".
واستعادت البترا دورها لتكون مركزا هاما على طرق القوافل التجارية خلال القرون الثلاثة من حكم الايوبيين والمماليك ومن ثم عادت الى عالم النسيان زمن نفوذ الدولة العثمانية في اوائل القرن السادس عشر ليعاد اكتشافها على يد الرحالة السويسري جون لويس بركهارت سنة 1812 ميلادي.
بعد حوالي كيلومتر من مسير الإعلاميين الليبيين في السيق الذي بدأ يضيق شيئا فشيئا وقف المصور جمال مبهورا يرى من خلال فجوة مظلمة لا يتجاوز عرضها عدة أقدام أول مشهد للخزنة ليشرع بالتقاط الصور ويسرع الى آخر الممر ليرى هذه التحفة الفنية المنحوتة في الصخر الوردي والتي كانت تشرق عليها الشمس لتعكس ألواناً وردية رائعة.
تقول ايمان الجازوي من مركز تطوير الاعلام الجديد الليبي لحظة رؤيتها للخزنة "إنها صورة تفوق الخيال، لا أجمل ولا أروع"، فيما يصفها رضوان الاطرش بأنها "شامخة كعروس في الصحراء".
وتمثل الخزنة أكثر نماذج العمارة الهلنستية في الشرق الاوسط اكتمالا وهي عبارة عن ضريح تذكاري لملك نبطي، ويرجح بحسب الباحثين ان البناء أعيد استعماله ليكون معبدا لتخليد ذكرى هذا الملك.
وعلى جانبي الممر الخارجي المؤدي من الخزنة الى وسط المدينة يوجد العديد من القبور والقاعات الجنائزية وانابيب المياه الفخارية والاقنية المحفورة في الصخر في الاتجاه نحو المدرج ثم مجموعة من ست واجهات صخرية لمقابر تنتهي بالضريح الذي يحتوي على 17 مدفنا بالإضافة الى 5 مسلات تذكارية ونقشين جنائزيين نبطيين حفرت جميعها في الواجهة الصخرية.
والبترا التي ضمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إلى قائمة مواقع التراث الإنساني العالمي في عام 1985 اختيرت عام 2007 ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة في استفتاء شارك فيه 100 مليون شخص عن طريق الانترنت.
لخصت هدى زيارتها للبترا بالقول "البترا عنوانها ألف قصة، وحكايتها ما تزال تروى، فهي القديم الغائص في تبر عراقة الماضي التليد وهي الجديد الغارق في نور الدهشة والخفية حتى باتت تلك اللوحة أيقونة فريدة نفضت عنها للتو ثرى الأصالة وسر حضارة قاومت كل قوانين الجاذبية.. فهل تسأل بعد الآن عن البترا؟".
المصدر: بترا من هالا الحديدي