من بين مئات الندوات والمؤتمرات التي تعقد في القاهرة هذه الايام ومعظمها سياسي وآني، ثمة ندوتان هما الأهم بمعيار آخر غير اعلامي او اعلاني بمعنى أدق.
الاول مؤتمر سايكولوجي شارك فيه علماء نفس من الغرب والشرق وكان موضوعه الاوضاع النفسية للمصريين بعد يناير عام 2011.
والندوة الثانية حول انقاذ ما يمكن انقاذه من الآثار التاريخية في المدن السورية وبالتحديد حلب، فهذه الآثار بأطلالها هي الضحية الخرساء في الحرب أو شبه الحرب التي تعصف بسوريا منذ عامين.
وأهم ما استوقفني في الندوتين ان الاولى وهي نفسية يدرك القائمون عليها والمشاركون فيها ما طرأ على الناس في مصر وهم يشاهدون استباحة ممتلكات الدولة والآثار وبعضهم أيضاً، وحين يحمل حدث عام 2011 اسم موقعة الجمل فان الامر جلل، اذ لا يمكن لفيلم سينمائي فنطازي ان يحشد الخيول والجمال على ذلك النحو في اشهر ميادين العاصمة وسط دبابات وسيارات فارهة وتحت ظلال منصات تتردد عليها شعارات الالفية الثالثة، وكان يمكن لندوة من هذا الطراز ان تبدأ من العراق عشية الاحتلال وترصد ما جرى وما بث عبر الشاشات من مشاهد لا معقولة، واكثر من سوريالية.
فنحن العرب نحتاج الى عقد ندوات يشارك فيها الموتى والاحياء من كل علماء هذا الكون لنجيب عن اسئلة من طراز.. لماذا يسطو الغاضبون العرب اول ما يسطون على متاحفهم وبنوكهم ودور العبادة ومؤسسات الدولة التي لا يملكها نظام بعينه؟
ولماذا نستبيح ممتلكات ودماء بعضنا لمجرد ان تختفي الشرطة من المشهد.. ولماذا يصيبنا فائض الكبت بالعمى فنخلط بين نظام ودولة؟؟
لكن كيف يمكن للمشاركين في ندوة انقاذ ما تبقى من آثار تاريخية سورية بدءاً من حلب؟ أم ان التوصيات ممنوعة من الصرف الميداني؟ وهل يمكن للاطراف المتآكلة وليس المتصارعة فقط ان تعلن هدنة ليوم واحد على الاقل من اجل انقاذ قلعة أو تمثال أو معبد؟
ان آخر ما يخطر ببال هؤلاء جميعاً هو الآثار أو حتى الثقافة بأدنى تعريفاتها المدرسية، ففي القاهرة أحرقت الاوبرا وهي معلم تاريخي وحضاري لا يتكرر، وأحرقت مئات الالوف من الكتب والمخطوطات وتحولت الى رماد في مهب العواصف، ولولا صراخ الفنانين والمثقفين وتحولهم الى درع بشري لمتحف الانتكخانة لأصبح أشلاء، وتبعثرت مومياواته كالغبار على الارصفة.
وليس لدينا اية احصاءات عما نهب حتى الآن من تراث العراق الذي يشمل الحضارات كلها لعدة ألفيات، وحين شاهدنا على الشاشة جنوداً امريكيين يمتطون أسد بابل قلنا من باب تعزية النفس انه سوف ينشب مخالبه في لحمهم.
لقد زحف بلدوزر السياسة والنرجسيات التي تأكل بعضها ونفسها أيضاً على ثقافتنا وتراثنا، فأصبحنا غير جديرين حتى بحراسة ما تبقى من تاريخ!