Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

الأتراك انفصلوا عن تراثهم الحضاري منذ أتاتورك

الأتراك انفصلوا عن تراثهم الحضاري منذ أتاتورك

 

الدكتور عبدالمنصف بكر، هو أول رئيس لقسم اللغات الشرقية بكلية الألسن جامعة عين شمس، تخصص لغة تركية، يؤكد أن علاقتنا باللغة التركية تمتد إلي ألف عام مضت، وأن عدداً لا يحصي من المفردات التركية دخلت إلي اللغة العربية، فالرتب العسكرية التي يتم استخدامها داخل المؤسسة العسكرية المصرية معظمها مفردات تركية، فعلي سبيل المثال وليس الحصر كلمة «بكباشي» المعروفة للجميع تتكون في الأصل من بي أي الف وباشي أي رأس، ومعناها ألف الرأس قائدهم، وكذلك سنجد في الحياة اليومية مفردات تركية مثل كلمة «قلاديش» وهي في الأصل يول داشي أي رفيق الطريق، وإذا قرأتي كتاب الجبرتي «عجائب الآثار» ستجدين هذه العبارة كثيراً «جاء الأمير فلان وقلاديشه».

 

وفي فترة الأربعينيات والخمسينيات كان في مصر اهتمام كبير باللغة التركية وكان الشعراء الأتراك الهاربون من الأوضاع السياسية التركية يفرون إلي مصر، فجاء الشاعر الكبير «محمد عاكف» إلي مصر وعاش فيها وكان يلقب بشاعر الإسلام نظراً لقصائده العديدة لنصرة الإسلام والتعريف به، كذلك عاش في مصر الشيخ التركي الكبير «إحسان أوغلو» وخلف ولده أكمل إحسان أوغلو الذي عاش وتعلم في مصر ويرأس الآن المنظمة الإسلامية.

ويفرق الدكتور عبدالمنصف بين اللغة العثمانية التركية، أي التي كتبت بحروف عربية وبين اللغة التركية الحديثة، التي تكتب بحروف لاتينية، أدت إلي انفصال الأتراك أنفسهم عن تراثهم الفكري والعلمي والموسيقي والطبي المكتوب بالخط العثماني، ويشكل عقوداً طويلة للحضارة التركية، وكان لي أستاذ جليل هو الدكتور أحمد سعيد سليمان، لديه عبارة مشهورة بين طلاب اللغة التركية مفادها: لو أن الناس صبروا علي كمال أتاتورك الذي حول اللغة التركية وجعلها تكتب بالحروف اللاتينية، بدلاً من الحروف العربية لكان تراجع،
ولذلك يقوم الأتراك حالياً في جميع الجامعات التركية بدراسة كل من اللغة التركية بالخط العثماني لمن يرغب من الطلاب وكذلك تدريسها بالحروف اللاتينية، أي اللغة التركية الحديثة حتي يكون هناك من يتخصص في دراسة التراث الحضاري التركي المكتوب بالخط العثماني، ويا ليتنا في أقسام اللغات الشرقية في جامعاتنا ندرس اللغة التركية بنفس الطريقة.

في البداية يقدم لنا الدكتور أحمد مراد، الحاصل علي الدكتوراه في اللغة التركية وآدابها من جامعة أسطنبول، ويعمل مدرساً للأدب التركي الحديث بكلية الألسن، وله إسهاماته في الترجمة من العربية إلي التركية، حيث صدر له كتابان مستوي أول وثان عن مكتبة الآداب، كما صدر له كتاب حول تحليل الرواية والقصة باللغة التركية، صورة بانورامية لطبيعة العلاقة الثقافية والفكرية بين مصر وتركيا، موضحاً أن تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923 والغرب هو نموذجها في شتي المجالات، لا سيما الثقافي والفكري، فمن يذهب الآن إلي تركيا أو يشاهد مسلسلاتها يجد نفسه أمام دولة عصرية شأنها شأن كل دول أوروبا، لكن من يذهب إلي ريفها يجد ملامح الثقافة القومية التركية التي هي إحدي الثقافات الشرقية واضحة الملامح، هي ثنائية فريدة من نوعها، ثنائية تتميز بحب العمل واحترامه، لكن الجدير بالاهتمام أن الجميع في تركيا يحترم تقاليده التي تشكلت عبر المئات والمئات من السنين، الكل يعشق تاريخه الإسلامي المجيد، ويستمد منه القوة لصناعة مستقبل متميز.

وتركيا في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً بعد الطفرة الاقتصادية التي شهدتها اتجهت إلي نشر ثقافتها ولغتها حول العالم، لهذا تم إنشاء مراكز «يونس أمره» الثقافية حول العالم، حتي وصلت الآن إلي ما يقرب من ستة عشر مركزاً لتعليم اللغة التركية، ونشر ثقافتها، تقوم بتدريس اللغة التركية ودعم المؤسسات التي تقوم بتدريس اللغة التركية خارج تركيا.لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فقد دشنت وزارة الثقافة التركية عام 2008 مشروع «تيدا» الذي يستهدف منه دعم حركة الترجمة من اللغة التركية إلي شتي لغات العالم ليزداد من خلال كل ذلك العلم الصحيح بالثقافة التركية.

فمن خلال هذا المشروع يمكن للمترجم من اللغة التركية إلي اللغة العربية علي سبيل المثال ومن خلال دور النشر أن يلقي الدعم المادي الذي يجعله يؤدي ترجمته دون انتظار مبيعات الكتاب المترجم.. وكان نجاح هذه المؤسسات والمشاريع التي أنشأها الجانب التركي هو السبب الرئيسي في أن وجد الجميع في مصر أنفسهم أمام معرفة مفاجئة حدثت لدي البعض نظراً للجهل بالثقافة والمجتمع التركيين، لأنهم فوجئوا بمجتمع وثقافة بعيدين كل البعد عن الصورة التي كانت في مخيلتهم.

والحقيقة أننا إذا نظرنا إلي الجانب الآخر من هذه المعادلة الثقافية، أي إلي صورة الثقافة العربية لدي المجتمع التركي سنجدها تكاد تكون منعدمة، فلا يعرف أحد في تركيا علي سبيل المثال أديب عربي سوي نجيب محفوظ.هنا يفرض السؤال نفسه: ولماذا؟ الإجابة بكل سهولة هو أنه لا يوجد أي مشروع عربي لنشر الثقافة العربية في تركيا، لذا ودون البكاء علي اللبن المسكوب فعلي وزارات الثقافة في البلاد العربية أن تتبني مشروعاً ثقافياً ليس فقط للتعريف بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا في تركيا فحسب، إنما في العالم بأسره.

وعلينا جميعاً أن نعلم أن ثقافتنا وقيمنا وتراثنا هي هويتنا التي تجعل منا جميعاً إناساً ذوي معني، فإن فقدنا هذه الثروات فقدنا أنفسنا وأصبحنا بلا طعم ولا لون ولا رائحة، لكننا وقبل أن نعمل علي نشر ثقافتنا وتراثنا ولغتنا خارج الوطن علينا أن نحميها وندعمها داخل وطننا ونربي صغارنا عليها كما تفعل تركيا مع أطفالها.

تضعنا الدكتورة آمنة عبدالعزيز – مدرس الأدب المقارن قسم اللغات الشرقية الإسلامية تخصص لغة تركية – في مقارنة بين المجتمع التركي والمصري ونقاط الاتفاق والاختلاف بينهما من خلال اثنين من أهم الأعمال الأدبية الخالدة التركية والمصرية وهما: رواية «جودت بك وأبناؤه» للكاتب التركي الكبير «أورخان باموق» الحائز علي جائزة نوبل في الآداب، ورواية «الثلاثية.. قصر الشوق وبين القصرين والسكرية» للكاتب الكبير نجيب محفوظ والحاصل أيضاً علي جائزة نوبل في الآداب.

فقد قدم «أورخان باموق» و«نجيب محفوظ» عبر روايتيهما «جودت بك وأبناؤه» و«الثلاثية» عرضاً لمجتمعيهما في أهم مراحليهما التاريخية، ورسم كل منهما صورة لصراعات مجتمعه وتناقضاته في المجالات المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية.

فيمكن القول بأنهما أعادا إحياء حياة كاملة بكل ما فيها من الأحداث والأشخاص من براثن العدم وخلداها إلي الأبد في سطور روايتيهما، وقد اختار الكاتبان إطاراً زمنياً ضم بين جنباته أهم الأحداث التاريخية في المجتمعين، فخط «أورخان باموق» روايته في إطار زمني امتد من عام 1905 حتي عام 1970.. أما «نجيب محفوظ» فقد اختار فترة ما بين الحربين العالميتين من عام 1917 حتي عام 1944 إطاراً زمنياً لثلاثيته.

ومن خلال أحداث الروايتين ودور الأسرة البرجوازية في التفاعل مع الأحداث التاريخية التي مرت بالمجتمعين المصري والتركي، يتضح أن الطبقة البرجوازية التركية لم تتفاعل مع الأحداث التاريخية في مجتمعها بنفس القدر الذي تفاعلت معه الطبقة البرجوازية المصرية مع أحداث مجتمعها، فكانت حرب الاستقلال بالنسبة لجودت بك أفضل فرصة لكسب مبالغ أكبر من النقود، فنجده في الوقت الذي يهرع الجميع علي الجبهات الحربية للمساعدة والمشاركة، تتسرب أنباء عن متاجرته في السكر في السوق السوداء وكسب بعض النقوذ بغير وجه حق في حين دفعت البرجوازية المصرية ثمن الحروب والثورات من دم أبنائها واستقرارها في سبيل استقرار أوضاع الوطن.

كانت الأسرة في «الثلاثية» و«جودت بك وأبناؤه» نموذجاً مصغراً للمجتمع بكل تناقضاته، فكان أهم ما يميز الأسرة البرجوازية عن غيرها من الأسر هو أن الأب يتمتع بسلطة مركزية في الأسرة، فهو مركز السلطة المادية والمعنوية والقيادية.لذلك فإن الأب في الروايتين هو رمز للسلطة السياسية بازدواجيتها أحياناً وفسادها في كثير من الأحيان، لذلك فإن شخصية الأب في الروايتين هي شخصية محورية ذات تأثير قوي علي الأحداث والشخصيات، وكانت سمة الازدواجية سمة مشتركة في رسم البعد النفسي لشخصيتي «جودت بك» و«السيد أحمد».

المصدر : الوفد

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله