لبنان السياحي.. ضحية العنف وعدم الاستقرار
بقلم : جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
مسكين لبنان ذلك الكيان العربي الذي أنعم الله عليه بطبيعة فريدة بين كل الدول العربية تتمثل في خضرته وجباله وثلوجه ونوعيات مختلفة من الفواكه المحببة الي النفوس. لا يستطيع أحد أن ينكر حيوية شعب هذا البلد العربي الذي يميل إلي الاستمتاع بالحياة ومباهجها. لقد خلقه الله ليكون بالسليقة خبيرا في خدمة زوار بلده واجبارهم علي الانفاق بدون حدود عن طيب خاطر. مع هذه المميزات في الشخصية اللبنانية علاوة علي سخاء الطبيعة أصبح للبنان مكانة رفيعة في عالم السياحة صناعة الأمل.
< < <
ورغم هذه الثروة الالهية اللبنانية التي تجعل منه سويسرا الشرق الأوسط فإنه وكما يقال في المثل العامي ينطبق عليه »الحلو ما يكملش«. اعمالا بهذا المثل فقد شاءت الاقدار ان يسوق علي لبنان العديد من المشاكل الطائفية والسياسية التي تطفو علي السطح من وقت لاخر بما يؤدي الي تعطيل استثمار الامكانات المتوافرة وفي مقدمتها المقومات السياحية الواعدة. ولا تقتصر الاستفادة اللبنانية من تقديم الخدمات السياحية فحسب وإنما الأهم من ذلك ما يترتب علي رواج عملية الاقبال السياحي خاصة من دول الخليج علي تدفق الاستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات في شركات وعقارات ومشروعات في جميع المجالات.
< < <
وحول الازمات التي يتعرض له لبنان وأدت إلي وقف النشاط السياحي فإن هذا الأمر يقودنا الي احداث الحرب الأهلية التي شهدها في السنوات التي بدأت عام ٤٧٩١ واستمرت لعدة سنوات خيم فيها الخراب علي كل انحاء البلاد. أدي ذلك الي هجرة مئات الآلاف هربا من الموت وهي هجرة تختلف عن هجرة اوائل اللبنانيين الي كل بلاد الدنيا بحثا عن الرزق. وقد شاءت الظروف أن أتواجد علي أرض لبنان عندما بدأت احداث هذه الحرب.
أذكر البداية عندما كنت استعد للتوجه الي أحد المسارح مع أحد الاصدقاء لحضور مسرحية كانت تقدمها الشحرورة صباح. كنت اقيم في احد الادوار العليا بفندق هوليداي ان. وفجأة سمعت المدافع تنطلق في اتجاه الفندق. تلقيت مكالمة تليفونية من صديقي الذي كان ينتظرني في ردهة الفندق يطلب مني سرعة النزول ومعي حقائبي. قال لي أن الموقف خطير وانه يفضل ان اذهب الي مطار بيروت المهدد بالاغلاق للحاق بالطائرة المتجهة الي القاهرة. وبالفعل اسرعت للنزول الي صديقي بينما كانت السماء تضوي بانوار طلقات المدافع المتبادلة بين الفصائل اللبنانية السياسية. واخذني صديقي الي المطار بدلا من المسرح لالحق بالطائرة التي حلقت في اتجاه القاهرة لاعلم بعد ذلك انه قد تم اغلاق مطار بيروت.
< < <
استمر هذا الحال حتي اواخر عام 1976 علي ما اذكر وكانت الحرب الأهلية علي مشارف نهايتها عندما عدت لزيارة بيروت قادما من سوريا التي كنت ازورها في مهمة صحفية. واخذني الزميل الصحفي المرحوم محمد البطوطي الذي كان يعمل مستشارا صحفيا في جولة داخل احياء العاصمة اللبنانية. وفوجئت ان عملية المرور بين الاحياء كانت تتطلب مني استخدام جواز السفر حيث كانت الفصائل المسلحة مازالت تسيطر علي الحياة في المدينة. وفي عام ٧٧٩١ تم انهاء فعاليات الحرب الأهلية بعد تدخل القوات السورية بقرار من جامعة الدول العربية ولم تمض شهور قليلة من عودة الهدوء بعد توقف المدافع وتبادل اطلاق النار إلا واستعادت لبنان حياتها من جديد في تجاوب سريع من جانب الحيوية التي يتمتع بها شعبها.
< < <
ومضت السنون وظهر حزب الله الشيعي المؤيد ايرانيا وسوريا لتتجدد الاغتيالات والصدامات.. ولكن التطورات علي الأرض لم تكن تصل الي حد وقف حركة السياحة التي استمرت وإن كانت علي غير نفس القوة. وجاءت أحداث الثورة بسوريا التي كان طبيعيا ان تمتد تأثيراتها الي لبنان بحكم العلاقة الوثيقة بين البلدين.
وفي الأسابيع الأخيرة تطورت الأمور الي الأسوأ من خلال نشوب الصراعات المسلحة بين مؤيدي نظام الأسد العلوي في سوريا واللبنانيين السنيين في لبنان. ونظرا لان طرابلس تعد نقطة تماس بين الفصيلين حيث تتواجد طائفة علوية كبيرة هناك فقد بلغت الصدامات ذروتها مما ادي الي سقوط قتلي وتصاعد مناخ التوتر.
< < <
لم يكن غريبا ان تتحول السياحة اللبنانية والتي تشهد اعلي معدلاتها في شهور الصيف الي ضحية لهذا القتال الذي انتقلت غيومه الي كل انحاء لبنان كان من نتيجة اشتعال الموقف اصدار دول الخليج تحذيرات متتالية الي رعاياها الذين يعدون عصب الحياة السياحية.. لمغادرة لبنان وهكذا كان علي هذا البلد العربي ان يدفع ثمنا باهظا لحالة عدم الاستقرار التي تسود سوريا وكل منطقة الشرق الأوسط لتعود مرة أخري الي المعاناة.