وطار الموسم السياحي
قلق واسع من دخول النفق المظلم
بيروت "المسلة" … كانت الآمال معقودة على موسم سياحي صيفي «زاخر»، لكن أحداث الشمال في مطلع شهر أيار ضربت النصف الأول من الموسم. انطلقت فترة انتظار وترقب للنصف الثاني الذي يبدأ مع عيد الفطر، فجاءت أحداث الخطف في هذا الأسبوع لتضرب النصف الثاني… هكذا طار الموسم!
تصدّر الوضع الأمني كل المشهد اللبناني الصيفي. زمنياً بدأ الأمر، بصورة معلنة، في النصف الأول من شهر أيار عندما اندلعت سلسلة أحداث أمنية بين الجيش وعدد من المسلحين في شمال لبنان… ولم تنته هذه السلسلة بمقتل الشيخ أحمد عبد الواحد في منطقة الكويخات، بل استمرّت مع أحداث الخطف «على الهوية» اعتباراً من مطلع الأسبوع الجاري!
النصف الأول: أسود
لم تقتصر تداعيات هذه السلسلة من الأحداث التي بدأت في أيار واستمرّت إلى اليوم، على ما كان واضحاً في المشهد اللبناني من انكشاف يضرب الاستقرار ويزيد احتمال حصول تدهور أمني دراماتيكي … بل كان الأمر أكثر تعقيداً وعمقاً من أحداث موضعية معزولة عمّا يجري في دول الإقليم، فما جرى بين أيار ومطلع آب الجاري، كان مرتبطاً مباشرة بالأزمة السورية المندلعة منذ آذار 2011، وبالتالي كان احتمال انتقال جزء أساسي من هذه الأزمة، إلى الملعب اللبناني، أمراً شبه محسوم بين المطلعين والمراقبين، وهو ما يزيد التوقعات المستقبلية
سوءاً.
لكن ما لم يكن محسوباً لدى أحد كما ذكرت tayyar.org ، هو ردّ الفعل السريع والسياسي من دول الخليج التي تُعدّ المصدر الأساسي للسياح. فالبيانات التي أصدرتها كل من قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت، كانت كافية للقضاء على نصفي الموسم الصيفي في لبنان.
القصة بدأت في أيار حين اندلعت أحداث الشمال وتلتها أحداث خطف 11 لبنانياً في سوريا على أيدي ما يسمى «الجيش السوري الحرّ». يومها أصدرت الدول الخليجية الخمس المذكورة بيانات تحذّر رعاياها من السفر إلى لبنان. إعلان هذه البيانات كان كافياً لإنهاء الموسم الصيفي «في أرضه»، نظراً إلى كونها تنطوي على رسالتين: الأولى موجّهة مباشرة إلى الرعايا الخليجيين الذين يزورون لبنان أو كانوا ينوون زيارته، والثانية تنطوي على رسائل غير مباشرة لغير الخليجيين أيضاً، ولا سيما المغتربون اللبنانيون الذين يُعدّون جزءاً أساسياً من الشرائح السياحية التي تزور لبنان سنوياً.
النتائج طاولت كل مفاصل النشاط السياحي بعدما عُدّت البيانات الخليجية مؤشراً أساسياً لما سيكون عليه الوضع الأمني في لبنان خلال الأشهر المقبلة. وبصورة تلقائية، أطلقت هذه المؤشرات سلسلة إلغاء للحجوزات على الطائرات وفي مكاتب السياحة وفي الفنادق والشقق المفروشة ومكاتب تأجير السيارات… ودفعت الزائرين إلى الهروب سريعاً. ولم يطل الأمر كثيراً حتى أعلنت الهيئات الاقتصادية أن معدّل الاستهلاك تراجع بنسبة 75% خلال الأيام العشرة الأولى التي تلت أحداث الشمال… ثم أطلقت هذه الهيئات صرخة مفادها أن الاقتصاد اللبناني على شفير الإفلاس، وهي إشارة واضحة، من قبلها، إلى عدم قدرة المؤسسات والشركات على الاستمرار في تحمّل هذا الوضع.
وقد جاءت إحصاءات الزوار لتؤكد التوقعات وتزيدها تفاقماً؛ ففي أيار سجّل تراجع في حركة القادمين بنسبة 0.88% لكن في حزيران تراجعت حركة القادمين بنسبة 11.55%، ثم تراجعت الحركة في تموز بنسبة 28.5%. وفي تموز تراجعت حركة المغتربين بنسبة 16.8% للقادمين برّاً وبحراً وجوّاً.
النصف الثاني: سوداويّ!
هكذا طار النصف الأول من الموسم. وبقيت أحلام المعنيين في لبنان، من أصحاب مؤسسات وشركات تجارية وترفيهية وغذائية وفندقية وغيرها، معلّقة على النصف الثاني الذي يبدأ مع أول أيام العيد. لكن قبل نحو أقل من أسبوع على العيد (أول يوم معلن للعيد هو الأحد)، تفجّرت أزمة خطف جديدة. ففي سوريا خطف الجيش السوري الحر شاباً لبنانياً من آل المقداد، فردّت العائلة بإعلان خطف مجموعة من السوريين بهدف إجراء عملية تبادل. وتزامنت هذه الأحداث مع أنباء عن مقتل أربعة من اللبنانيين الـ11 المخطوفين.
هكذا وبلحظة، في ضوء عدسات التلفزيون والبث المباشر طوال يوم الأربعاء الماضي، كشفت أحداث الخطف المعلنة، عن عدم وجود أي ملامح للدولة، فيما كانت التهديدات بالخطف تطاول رعايا الدول الخليجية وأعضاء البعثات الديبلوماسية. سريعاً طلبت السفارة السعودية من رعاياها مغادرة لبنان، فيما أعلنت قطر أن خطف أي قطري سيدفعها إلى ترحيل آلاف اللبنانيين المقيمين لديها.
أول ردّ فعل على هذه الأحداث، كان في إلغاء الحجوزات. فبحسب رئيس نقابة وكالات السياحة والسفر جان عبود، أُلغيت حجوزات العيد بنسبة 8% يومي الأربعاء والخميس.
أما اللبنانيون المغتربون الذين كانوا ينوون الإقامة في لبنان طوال شهر أيلول، «فبدأوا يقصّرون مدد إقامتهم، فما جرى صدم الجميع، أما بالنسبة إلى المجموعات السياحية، سواء الصادرة من لبنان أو الواردة إليه، فلا بد أن ننسى أمرها».
ويشير نائب رئيس نقابة المطاعم والمقاهي خالد نزهة، إلى أن العمل السياحي هو حلقة متكاملة، ما إن تصاب في أولها يمتدّ المرض إلى آخرها. ويلفت إلى ارتفاع وتيرة القلق لدى الجميع «من الدخول في نفق مظلم بنتيجة ما يحصل في المنطقة، وقد تعزز هذا الأمر مع الإعلام والإعلام المضاد، والخطف والخطف المضاد… لا شك في أن الوضع السوري مؤثّر جداً، فلم نعد نرى العراقيين ولا الأتراك ولا الأردنيين ولا السوريين الذين كانوا يأتون برّاً أكثر من مرة خلال شهر واحد».
إذاً، جاءت قصة الخطف لتكون القشة التي قصمت ضهر البعير، وأطلقت موجة إغلاق طريق المطار والمصنع أيضاً… فبحسب رئيس نقابة أصحاب الشقق المفروشة زياد اللبان، «كنا ننتظر تحسّن الأوضاع بعد شهر رمضان، إلا أن ما حصل خلال الأيام الأخيرة أدى إلى إلغاء حجوزات بنسبة
60%».
ويؤكد اللبان «نحن مع أهالي المخطوفين، لكن إغلاق طريق المطار له نتائج سلبية جداً على حركة السياح».
14%
انخفاض عدد الزوار إلى لبنان خلال الأشهر السبعة الأولى من
2012، فقد بلغ عددهم 871 ألف زائر، مقارنة مع 993 ألفاً في الفترة نفسها من 2011
3500
عدد الأسرّة في 88 مؤسسة تدير شققاً مفروشة مرخّصة ومصنّفة من وزارة السياحة. حجوزات العيد وصلت إلى 35% وألغي منها 60%.
«آخر خرطوشة»
يتحسّر وزير السياحة فادي عبود على ما بقي من الموسم السياحي، مشيراً إلى أن الجميع كان يأمل تعويض النصف الأول من الموسم خلال فترة عيد الفطر وما بعدها، وكان الرهان على مجيء السوريين لقضاء فترة العيد في لبنان، لكن بعد أحداث الخطف ضاع آخر أمل.