تونس ذات سيادة أم ذات سياحة؟
بقلم : محمّد الأسعد بن حسين … لم تعد السياحة ذلك الفرد الذي يحمل حقيبة صغيرة ويسافر الى بلد ما ليقضي عدة ايام في الفنادق ويتجول بين معالم البلد الاثرية حيث تغير الحال وتخطت السياحة تلك الحدود الضيقة لتدخل كل مفاصل الحياة وتغيره بنعومة رضينة وهادفة في واقع مجتمعنا التونسي والعربي الاسلامي قد تعجز عن تغييره احدث الاسلحة فتكا ولم تعد تلك الحقيبة مجرد حقيبة بل اصبحت ملفات جيوسياسية خطيرة للعالم الثالث الجميل والتعامل معه ..
هذا الانزلاق المدهش هو نتاج تطور وتحول السياحة وزحفها الى مقدمة القطاعات الاقتصادية بالعملات الصعبة تنفع لمن يريد التخلي عن ماضيه وحاضره ومستقبله وهي نتيجة التقدم المفرط للحضارة والمدنية الغربية وانها صناعة كباقي الصناعات لها مدلولاتها وخباياها تنمو يوما بعد آخر وتسعى في بعض مجالاتها كالافعى؟ والسياحة حسب تعريف منظمة السياحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، هي نشاط بهدف الترفيه يدعى السفر، وتوفير الخدمات المتعلقة لهذا النشاط، لكن هناك تعريفا جديدا لسياحة جديدة هي سياحة الحلال لا يختلف كثيرا عن الفهم القديم لكن بزيادة عبارة فيما لا يخرق قيم وعادات وشريعة ذلك البلد وهو أمر لا خلاف عليه، بل ويعمل به في كافة دول العالم، ودليلي منع المنقبات من الذهاب لبلدان أوربية معينة، لأن هذا يخالف تقاليد البلد، ويخرق قوانينها، ولنا نحن كذلك قوانيننا وعاداتنا واصحاب ثقافة مغايرة.
حبا الله تونس بإمكانيات طبيعية جذابة وخلابة، وهي تستحق الزيارة والمشاهدة. والمواقع الطبيعية ذات الجذب السياحي توجد في كل الولايات ومناطقها، وهي متنوعة مياه البحر الممتدة والشواطئ النظيفة والجذابة والوديان والينابيع المنسابة والجبال الشامخة التي تعانق السماء التي تكسوها الخضرة اليانعة، من أشجار وزهور ومزروعات وكذلك الأنواع المتعددة من حيوانات وطيور واسماك. واتساع الرمال الشاسعة والكهوف الجبلية، وأخيرا وليس آخرا خريف تونس نقطة ضياء لا تعانقها اية نجمة في ليالي الصيف وبهائه، تونس اجمل مما وصفته لكن هل هذا الجمال يجب ارتهانه للغرب وبيعه وتدنسيه اخلاقيا ودينيا وطمس حضارة مدنت اروبا لثمانية قرون من تونس بدأ التخطيط لتمدن الغرب فيما ما مضى؟.
اعترف احد الخبراء السياحيين الغربيين بأن هناك بعض التاثيرات السلبية للسياحة الا انه يقلل من هذة السلبيات مقارنة بالايجابيات الاخرى التي رصدتها دراسة اجريت حول تأثير السياحة في المجتمعات المحلية واوضح ان التراث الشعبي يندثر ببطئ ولايدعم صناعة السياحة.’عندما يزور السائح بلادنا فأنه لا يلتزم بالعادات والتقاليد في معظم الاحوال’ لأنه سائح حتى فكريا لا محرمات تصده ولأن الغرب في الضفة الثانية يختلف تماما عن الغرب ويؤكد الخبير لا يمكن اتخاذ اي اجراءات قد تحد من حرية السائح ويتابع الخبير السياحي قوله ما دمت قد قررت ان تفتح بلدك امام حركة السياحة فلا يمكن لك ان تضع القيود امام حركة السياح وكأنه يقول لا بأس ان نغير كل شيء من اجلهم لتتناسب مع اهواء وثقافة ولغة السائحين…. اضف لذلك في تونس لم نستشر في جعل بلدنا موطنا للسياحة وموردا للرزق الوحيد وبيع للثقافة الوطنية بالمجان التي عجز الغرب عن اقتلاعها من الجذور بالسلاح ولقد اخترنا اسهل الحلول للتنمية.
و السائح احب ام كره فهو ضحية الثقافة التي يحملها فيعتدي على قيم وعادات المجتمع الآخر ويعمل لذلك باجتهاد ملحوظ ،فالشواطئ موجودة وتتمتع بعامل الحرية المطلقة فلا رقيب ولا جازر لكن يظل ذلك الشاطئ والشارع العربي له طبيعته وخصوصيته والاغلب من السائحين على ادراك بهذة الحقيقة لكن يتجاهلونها عمدا ولنا في ذلك شواهد.
في دراسة ثانية قامت بها احدى المؤسسات الحكومية لدولة عربية تحت عنوان ‘الثقافة الداخلية واثرها على الشباب في المجتمع العربي’ أوضح ان هناك تغيرا كبيرا حدث لدى مختلف الفئات في المجتمع التونسي واللبناني والعربي عامة وخصوصا فئة الشباب الذين اصبحوا يحاكون الغرب في الملبس واللغة والطباع التي لا تمت لمجتمعنا بصلة ونرى الحلي تزين صدور ووجوه واذان الذكور بدل الاناث ووجد فئة من الفتيات خلعن الزي المحتشم ويدخن الشيشة ويغازلن الرجال ..وظهرت تسريحات الشعر الغريبة وغير ذلك،كذلك فتنة الدنيا، والشبهات الكثيرة… فإنه قد يحضر المواقع المليئة بالفساد والملاهي ..، وقد يشاهد النساء المتبرجات اللاتي يبدون في غاية التكشف والجمال، فقد لا يتمالك أن يقع في فعل الفاحشة، ولسان حاله يقول: لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن.
لكن البديل النظيف موجود فقد قام عدد من الشركات بالتحول إلى السياحة الحلال المنضبطة بأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك لإجتذاب السائح المسلم المحافظ على أمور دينه واتخذ من تركيا وجهةً رئيسيَّة لها، حيث تقوم بتوفير شواطئ مميزة تحترم القواعد الإسلاميَّة، ورحلات بحريَّة في أحضان البحر المتوسط، وجولات لرؤية التراث الإسلامي الذي تذخر به تركيا.
كذلك تسعى سلسلة بعض فنادق ومقرها زيوريخ في بناء 30 فندقاً يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، بالتعاون مع إحدى المؤسسات الإسلامية، وذلك بحلول عام 2015م.وقد عرفت السياحة الحلال، أنها نوع من السياحة يوفر وجهات يمكن أن تقصدها العائلات المسلمة الملتزمة بقواعد الشريعة، وتضمّ فنادق لا تقدِّم الكحوليات، وحمامات سباحة، ومرافق صحية تفصل بين الرجال والنساء، وتقدِّم صناعة السياحة الحلال أيضًا رحلات جوية لا تُقَدَّم على متنها المشروبات الكحولية أو لحوم الخنزير، وتعلن عن أوقات الصلاة، وتعرض برامج دينية ترفيهيَّة، وتوفِّر مصاحف في جيوب المقاعد، وأماكن خاصة تتيح الفصل بين المسافرين الذكور والإناث.
ولا ينحصر هذا النوع من السياحة في الشواطئ والآثار فقط، بل هناك السياحة الرياضية والسياحة العلاجية وسياحة المؤتمرات والندوات، وسياحة المعارض والأسواق، والسياحة الصحراوية والسياحة الريفية وغيرها من الأنواع التي أهملت عن قصد وعمد من طرف المتأوربون.أما عن عائد هذه الصناعة الجديدة السياحة النظيفة فعلى الرغم من حداثتها فإن نسبة الإشغال في فنادق السياحة الحلال بلغ نسبًا مرتفعة، تقترب أحيانا من حاجز الـ 100′.
حظي هذا الأمر باهتمام دول كبري كتركيا وماليزيا مثل ما حدث لموضة البنوك الاسلامية في اول انتشارها، فاتجهت إلى هذا النوع من السياحة، فأنشأت الفنادق التي يعزل فيها النساء عن الرجال، ولا يقدم فيها الخمور أو لحم الخنزير وغيرها من المحرمات، وبنت المساجد في وسط المنتجعات السياحية، وعزلت بين الرجال والنساء في الشواطئ، ووفرت كافة الخدمات التي ترغب فيها الأسر المسلمة المتدينة واين نحن من ذلك؟
نجحت ماليزيا في السنوات السابقة في ريادة هذا النوع من السياحة، وفي تسويق نفسها خلال السنوات الأخيرة على أنها المقصد المثالي للعائلات المحافظة التي تبحث عن سياحة ممتعة في ربوع الطبيعة والمجمعات العصرية، دون مخالفة العادات والتقاليد أو تعاليم الشريعة الإسلامية.وتشير الإحصاءات الرسميَّة إلى أن قطاع السياحة في ماليزيا مثَّل ثاني أكبر مصدر للنقد الأجنبي في عام 2007، بعوائد تقدَّر بـ 14 مليون دولار، بعد نجاحه في جذب 21 مليون سائح.
كذلك سعت تركيا في الآونة الأخيرة إلى إنشاء عدد من المنتجعات الخاصة بالملتزمين دينيا، وعدد من الفنادق التي تفصل بين الرجال والنساء وتقدم الطعام الحلال وتخصص أماكن متميزة للصلاة، مع منع التدخين والخمور والقمار.مما لا شك فيه أن ثورات الربيع العربي كان لها أكبر الأثر في ظهور مصطلح السياحة الحلال مرة أخرى وإعادتها الى دائرة الضوء، وجعلت كثير من الأحزاب السياسية والقوى الثورية تضع هذا الأمر على طاولة اهتماماتها، فعلى سبيل المثال صرح الشيخ راشد الغنوشي بأنه عما قريب سيكون في تونس فنادق بدون خمور، وأن تونس سيكون بها مثل هذه الفنادق الحلال في إشارة إلى ما يعرف بالسياحة النظيفة أو الحلال.
كذلك دعى اقطاب اسلاميون بمصر وحزب النور السلفي المصري إلى السياحة الحلال وعرضوا أفكارهم حول هذا الموضوع في عدد من الندوات والمؤتمرات، ودعى الحزب إلى إنشاء الشواطئ الخاصة التي تنضبط بالشريعة الإسلامية، إضافة إلى منع الخمور من كافة الفنادق والمنتجعات، كذلك أكدوا على ضرورة إلتزام السائح بعادات وتقاليد البلد، ووجوب إحترامه لقيم الشعب وأحكام دينه.
الغرب لا يعرف سوى المادة ولا يحـــــترم إلاّها ونحن في حاجة للعملة الصعبة للتنــــمية فعلــــينا بانشــــاء وتعميــــم سياحة نظيفة تضاهي الســـياحة التقليدية، او تسبقها في حسن التعاطي مع السائح ايا كان ظاهرها هندسة معمارية راقية وجميلةمن تراث البلاد وباطنها كله حلال ورحمة تتماشى مع ثقافة الشعوب التي ننتمي اليها باحترام تاريخها وخصوصياتها المتفردة.