بعد أن منعت خمس دول خليجية رعاياها من القدوم إلى بيروت
بيروت "المسلة"… يمر القطاع السياحي اللبناني هذا العام بأسوأ مواسمه على الاطلاق فالانقسام السياسي والطائفي والمذهبي وصل الى حدٍ لا يوصف، والطرقات الرئيسة تقفل كل فترة حسب مزاج «أولاد الحي»، و«شبح» الاغتيالات عاد من جديد، والاضرابات تلف معظم القطاعات الحيوية، فضلاً عن عزوف الخليجيين عن القدوم هذا الصيف بعد ان حذرت 5 دول خليجية هي السعودية والكويت والامارات وقطر والبحرين مواطنيها من المجيء الى لبنان «حتى اشعار آخر»، ما يشرع المخاوف على مصير قطاع يشكل حوالي 16 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
وفي حين وصف وزير السياحة اللبناني فادي عبود الحظر الخليجي بأنه «سياسي» بامتياز لناحية ان المطلوب من لبنان عدم النأي بنفسه، خاصة بالنسبة لما يحدث في سورية حالياً، أكد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر ان السياح الخليجيين يمثلون 40 في المئة من السياحة العامة، و65 في المئة من المداخيل، خاصة وان السائح الخليجي أو العربي ينفق أربع مرات أكثر من الأجنبي.
وعلى الرغم من تأكيد السفير السعودي في لبنان علي عسيري أنه ليس المقصود من هذا القرار الحاق أي ضرر بلبنان، رأى الوزير فادي عبود ان لبنان يدفع ثمن اتكاله، بنسبة كبيرة، على السائح الخليجي، وبالتالي فان «الانسان لا يتعلم الا من أخطائه» لناحية اعادة النظر بهذه السياسة عبر الانفتاح أكثر وأكثر على عدة بلدان على رأسها الأردن وسوريا ومصر الذين لم يأخذوا حقهم، اضافة الى روسيا والجزائر والمغرب العربي وليبيا، واللبنانيين المغتربين في أميركا اللاتينية.
وقال عبود في حديثٍ خاص لـ «النهار»: «لا تكرهوا شيئاً لعله خيراً لكم». نحن نشكر اخواننا الخليجيين على قرارهم بالرغم من وقوفهم الى جانب لبنان في كل المحن والظروف، خاصة وان هذا القرار سيؤدي الى مساعدة اللبنانيين لناحية عدم وضع كل «البيض» السياحي في سلة واحدة، مضيفاً ان القرار الخليجي «سياسي» بامتياز ولا علاقة له بالأمن، لاسيما أنه تزامن مع قرار الخارجية البريطانية بالسماح لرعاياها الذهاب الى مدينة بعلبك.
وأشار عبود الى ان الحل ليس بيده، خاصة ان بعض الدول تعمد الى الضغط على لبنان لعدم النأي بنفسه بالنسبة لما يجري في سورية حالياً، وان يكون طرفاً أو «ساحة صراع»، في حين ان لبنان، بحجمه وبامكاناته، يجب ان ينأى بنفسه عما يحصل في المنطقة، متسائلاً في هذا الخصوص «لماذا لا يخيف الوضع الأمني في لبنان السائح الأميركي والفرنسي والبريطاني».
وفيما تشكل الدول الخليجية الخمس حوالي 40 في المئة من الانفاق السياحي، أكد عبود أنه لا يوجد سبب يدفع السعودية لان تتخذ هكذا قرار، داعياً في الوقت نفسه الى عدم الاستسلام والوقوف مكتوفي الأيدي، معلناً عن خطة «طوارىء سياحية» قوامها تكثيف الاعلانات لجذب السياح، والاعلان عن أسعار خاصة جداً على عدد من الخطوط تشمل الأردن والجزائر وروسيا وأوروبا، واقامة معارض سياحية، وخفض أسعار الخدمات السياحية كافة كالاقامة في الفنادق وايجار السيارات والمطاعم.
وجدد عبود تأكيده على أهمية فتح مطارين في رياق والشمال، مطالباً بعدم تفسير هذا الأمر بالسياسة انما لحاجة انمائية سياحية. أما بحرياً، فأشار عبود الى اطلاق خط بحري سياحي عبر مرفأ بيروت يشمل قبرص واليونان وتركيا، متمنياً وجود خط بحري سياحي آخر ينطلق من مدينة جونيه.
وأوضح عبود ان عدد السياح، العرب والأجانب، تراجع خلال الأشهر الخمسة الأخيرة حوالي 6 في المئة مقارنة مع العام 2011، وهو معدل لا بأس به، في حين ان لبنان ليس بعيداً عن تحقيق «الرقم» الذي سجل في العام الماضي على الرغم من خسارة قوامها 300 ألف سائح كانوا يقصدون لبنان براً، مؤكداً ان الحجوزات الفندقية الحالية «جيدة»، وأنه يجب الاهتمام بالسائح الأردني والايراني الذين لم يأخذا حقهما أيضاً.
ورداً على سؤال، أشار عبود الى ان أحداً لا يستطيع ان يأخذ لبنان نحو«الكارثة» (سياحياً)، خاصة وان العدو الاسرائيلي فشل مراراً في تحقيق هذا الأمر، مطالباً الدولة اللبنانية باقرار خطة الطوارئ سريعاً، خاصة لناحية اقامة «طيران عارض» على الأردن ومصر وسورية- الشام وحلب، أي ان لبنان حاضر لمجابهة الخطر.
من ناحيته، أكد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر ان بيروت وضعها جيد نسبةً للأوضاع المحلية والاقليمية، وللحظر الذي فرضته الدول الخليجية الخمس، مشيراً الى ان نسبة الحجوزات الفندقية في العاصمة تصل الى 75 في المئة ، وهو رقم جيد، في حين ان «الطلب» على بيروت وصل في السنوات الماضية الى ما بين 120 و150 في المئة، وهو ما أدى الى استفادة المناطق السياحية خارج بيروت من الموضوع.
وقال الأشقر في حديثٍ خاص لـ «النهار»: صحيح ان نسبة 75 في المئة في بيروت تعتبر جيدة نظراً للمرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان، لكن الصحيح أيضاً أنه يوجد تراجع في الحجوزات والأسعار نظراً الى تراجع الطلب. أما الوضع السياحي خارج العاصمة فهو «سيء جداً» (15- 25 في المئة خلال الأسبوع، و40- 50 في المئة نهاية الأسبوع)، خاصة وان مناطق الاصطياف تعتمد بشكلٍ أساس على السياح العرب، اضافة الى تراجع السياح السوريين والأردنيين الذين يقصدون لبنان براً.
وأشار الأشقر الى ان الزيارات الرسمية والاتصالات الحكومية والوزارية لم تدفع حتى الآن الى رفع الحظر رسمياً، خاصة وان مفاعيل الحظر وتداعياته أشد تأثيراً على القطاع، بل على البلد كله، من معظم المشاكل التي مررنا بها في الماضي، مضيفاً في هذا الخصوص «خلال الحروب والحوادث كلها التي مرت على لبنان لم يصدر قرار كهذا، وكل الايجابيات التي يمكن ان تصدر عن طاولة الحوار الوطني لن تخفف من وطأة التراجع، اذا لم يرفع الحظر رسمياً».
وأكد الأشقر ان لبنان يعاني من مشاكل أمنية، وبالتالي لايستطيع التدخل في قرارات الدول، لذلك هناك من يؤكد ان الحظر سياسي بامتياز، فيما البعض الآخر تحدث عن هواجس أمنية تم نقلها لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان خلال جولته الخليجية مؤخراً، مشيراً الى ان الحل يكمن بوعي السياسيين في لبنان، وان تنفذ مقرارات طاولة الحوار الوطني على الأرض أي اعادة «هيبة الدولة»، فضلاً عن معالجة التباين الموجود حالياً بالنسبة لسياسة الحكومة الخارجية.
ويلخص الأشقر المشهد اللبناني بالقول: موسم السياحة الصيفية كان يمتد الى 100 يوم، أما الآن، ونتيجة الوضع السوري، ومصادفة شهر رمضان المبارك في منتصف الموسم، فلم يعد يتعدى الـ 30 يوماً، وهذا ما ينعكس سلباً على الوظائف التي كانت تتوافر في الموسم لحوالي 20 ألف شاب معظمهم من الطلاب يعملون في الفنادق والمطاعم والمسابح والملاهي. القطاع لم يشهد حالات صرف للموظفين حتى الآن، لكن من يترك العمل، لا يحل أحد مكانه.
ورداً على سؤال، قال الأشقر ان أحداً لا يستطيع التعويض علينا، وجل ما علينا فعله يتمثل بالطلب من الدول الخليجية رفع الحظر، خاصة وان السياح الخليجيين يمثلون 40 في المئة من السياحة العامة، و65 في المئة من المداخيل، مؤكداً ان السائح الخليجي أو العربي ينفق أربع مرات أكثر من الأجنبي.
وختم الأشقر حديثه بالقول: الفترة المقبلة ستكون «سيئة»، خاصة ان لبنان لا يستطيع اثبات قدراته، وقدرات شعبه حالياً، لكن اعادة النهوض تكون عادةً سريعة، وهو ما تجلى بعد حرب يوليو 2006 الاسرائيلية ضد لبنان.
بدوره، حذّر أمين عام اتحادات النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي من تفاقم أزمة القطاع السياحي اذا بقي الوضع الداخلي من دون خطة انقاذ حقيقية، خاصة وان تداعيات الأزمة لن توفر أحداً، متوقعاً ان لا تتعدى ايرادات القطاع 4 مليارات دولار هذا العام بتراجع قدره 25 في المئة مقارنة مع العام الماضي، خاصة وان الحظر يُخسر البلد السائح الخليجي الذي يعد الأكثر انفاقاً مقارنة بنظيره الأجنبي.
وقال بيروتي في حديث خاص لـ «النهار»: لا نستغرب صدور هذا القرار(الحظر الخليجي)، فنحن لو كنا مكانهم لفعلنا الشيء نفسه حفاظاً على أولادنا، مضيفاً ان الوضع السياسي الراهن في لبنان يقابله هكذا قرارات، فنحن لا نريد ضبط الوضع، وكل الأطراف تريد التعبير عن رأيها عبر اقفال الطرقات، لذا من الطبيعي ان يحدث هذا المنع.
وأكد بيروتي ان الخليجيين يشكلون حوالي 50 في المئة من مجمل الوافدين الى لبنان في الموسم السياحي، مضيفاً ان القطاع يوفر أكثر من 30 ألف فرصة عمل موسمية لطلاب الجامعات والمدارس خارج العاصمة، أما حالياً فلم يتمكن القطاع من توفير سوى 6 الآف فرصة عمل، ما ينذر بكارثة اجتماعية سنبدأ بتلمسها مع بداية العام الدراسي.
وأوضح بيروتي ان الدول الخليجية الخمسة قلقة علينا كثيراً نظراً الى أنها تعتبر لبنان بلدها الثاني، وهو ما مارسته هذه الدول عبر وقوفها الى جانبنا في أصعب الظروف لناحية دعم الاقتصاد الوطني، والحضور السياحي، مضيفاً «لبنان يمر بأزمة ما يحتم على بعض الدول الطلب من رعاياها المغادرة، خاصة وان مغادرة لبنان عبر سورية صعب للغاية».
وأشار بيروتي الى ان حركة أشغال المؤسسات السياحية خارج العاصمة كان يفترض ان تبلغ 75 في المئة حالياً، الا أنها لم تلامس الـ 30 في المئة، موضحاً ان المعدل العام للأشغال في العاصمة بيروت بلغ حوالي 60 في المئة .
ولاحظ بيروتي وجود حالة «افلاس كلي» على مستوى القرار بنهوض البلد، فالسياسيون لا يريدون الاتفاق على قيام الدولة بل يريدون البقاء ضمن «مزارعهم» الخاصة، مؤكداً ان قرار الحظر لا يعالج بالاتصال بهذه الدول وحسب بل يلزمه قرار داخلي باتفاق اللبنانيين فيما بينهم.