بقلم : جـلال دويــدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
كم أرجو ان يؤدي انتهاء المعركة الانتخابية للرئاسة إلي الاستقرار المنشود القائم علي انه قد اصبح لمصر رئيس بعد 16 شهرا من خلو هذا المنصب. وليس مطلوبا في فترة الشهور القادمة وحتي اتمام عملية اصدار دستور مصر واجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد سوي ان تسود الحكمة والعقلانية وان يكون رائد الجميع هو المسئولية التي تراعي الصالح الوطني. لاجدال ان اي مؤشرات ايجابية تعطي احساسا صادقا للتحرك نحو الاستقرار يمكن ان يكون لها اكبر الاثر في عبور الازمة الاقتصادية الطاحنة التي يواجهها الوطن.
ان الرئيس المنتخب ومعه التشكيل الوزاري الجديد سوف يتحملان مسئولية انتشال مصر من هذا الخطر البالغ الذي تعرضت ومازالت تتعرض له وبالاخص في الجانب الاقتصادي. لابد ان يدرك الجميع ان مواردنا ووفقا للبيانات تراجعت بما لا يفي بالمتطلبات المتزايدة وهو ما لا يمكن ان تتجاهله أي قوة مهما بلغت من تفاؤلها.. ان الركيزة الاساسية للمضي في طريق التحسن مرهون بالقدرة علي مواجهة المناخ السلبي الذي يسود الساحة مع تواصل مظاهر عدم الاستقرار والتخبط واستمرار الفوضي. الخروج من هذا المأزق يتطلب وفاقا سياسيا واجتماعيا تنعكس اثاره علي مزاج الشارع المصري الذي يعيش القلق والاهتزاز نتيجة سوء التوجيه وانعدام المسئولية الوطنية عند البعض من الذين يمارسون عمليات التهييج والاثارة المستندة الي المصالح الشخصية.
اهمية الاستقرار تجسدت بعد ساعات قليلة من شغل منصب رئيس الجمهورية وهو امر لا علاقة له بشخص هذا الرئيس ولكنها ترتبط بسد فراغ سياسي في الدولة المصرية. تمثل هذا التطور فيما شهدته بورصة الأوراق المالية من ارتفاعات قياسية حققت لها مكاسب في السيولة المالية بلغت ما يقرب من 18 مليار جنيه في يوم واحد. هنا يجب ألا ننسي ان هذا الرقم يمثل جزءاً قليلا من الخسائر التي لحقت بتعاملات هذه المؤسسة الاقتصادية المهمة التي تمثل ترمومترا للحراك الاقتصادي والاستثماري. ان هذه الخسارة بلغت خلال الشهور الثمانية عشر منذ قيام ثورة 25 يناير نتيجة غياب الامن والاستقرار حوالي 70 مليار جنيه وهو يقدر بلغة البورصة بأكثر من 3 آلاف نقطة. لقد وصلت القيمة السوقية لتعاملات البورصة أقل من خمسة آلاف نقطة بعد أن كانت قد بلغت عام 2010 ثماني آلاف نقطة.
ولقد كان من الطبيعي ان يمتد هذا القلق الاقتصادي الناتج عن غياب الاستقرار وبحكم الحساسية.. إلي صناعة السياحة والتي تساهم في الناتج القومي بما يقدر بـ12٪ اضافة الي دورها في مواجهة أزمة البطالة بما توفره من فرص عمل كبيرة للشباب. أثرت التصريحات غير المسئولة الصادرة عن بعض المحسوبين علي التيار الديني تأثيرا بالغا علي استمرار حالة الرواج السياحي وزاد الطين بلة ما شهدته ومازالت تشهده الساحة من فوضي وانفلات امني اشاعت احساسا بأن رحلات السياحة إلي مصر غير آمنة وغير مريحة. ولا يمكن ان يُلام هذا السائح العاشق لمصر اذا ما اختار بلدا آخر لقضاء اجازته باعتبار انه يدفع تكلفة رحلته من أجل الاستجمام والراحة وليس مواجهة المخاطرة بأمنه وحياته.
ولقد ظلت الحركة السياحية تواجه صعودا من اجل استعادة عافيتها عندما توحي الامور بالاستقرار علي الارض المصرية لتعود مرة أخري الي التراجع الحاد مع عودة الفوضي والقلاقل الي الشارع المصري. كل ملابسات الاحداث وتطوراتها كانت تشير إلي ان المتورطين في هذه الاحداث لا يقدرون ولا يدركون ما تتكبده مصر من خسائر في العائد السياحي بما يعني خسارة غير مباشرة لكل واحد منهم. في نفس الوقت غابت القدرة علي تقييم ما يصدر من تصريحات سلبية تفتقر لمتطلبات الاحساس بالصالح الوطني.
لقد كان واجبا علي أصحاب هذه التصريحات المتخبطة ان تكون لديهم المعرفة بالاضافة إلي الوعي الكامل بطبيعة السياحة واهميتها للتقدم والازدهار الاقتصادي لدولة مصر. ان مضمون هذه التصريحات يؤكد انهم ينظرون إلي هذه الصناعة من منظور ضيق يفتقر إلي الفهم الخاطيء لحق السائح في قضاء اجازة آمنة يستمتع فيها بمقومات مصر الطبيعية والثقافية. ان هذا لا يعني في مجمله المساس بالقيم الدينية التي يحترف البعض المزايدة عليها. كم ارجو وفي ظل الانحياز للفكر المتعقل ومع أمل انقشاع موجة الفوضي والانفلات الامني وعودة الاستقرار ان تستأنف صناعة السياحة انطلاقتها وان تتوقف النكسات التي لاجدال تنعكس سلبا علي تطلعات المواطن في حياة معيشية كريمة.