جبيل " المسلة " … في جبيل، كما في المدن والبلدات السياحية الأخرى، ينتظر أصحاب المحال التجارية والمطاعم، كما مالكو الفنادق والمنتجعات السياحية، فصل الصيف علّه يحمل معه انتعاشا للدورة الاقتصادية. هذه المسلّمة يبدو أنها ستكون عرضة للاهتزاز هذا العام، إذ يستشعر أصحاب المصالح ذات الصلة بالموسم السياحي، ألا يكون هذا الصيف على قدر الآمال المعلقّة عليه، لا سيما أنّ مقارنة أوليّة للحركة التجارية والسياحية على عتبات الصيف بين هذا العام والعام الماضي، تنتهي إلى تسجيل تراجع تصل نسبته إلى 35 في المئة.
وعلى الرغم من محاولة «بلدية جبيل» إنعاش الموسم عبر سلسلة نشاطات تنظمها هذا الصيف بالتزامن مع انطلاق «مهرجانات جبيل الدولية»، لكنّ الواقع يشي أنّ صيف هذه السنة قد لا يكون على قدر الأمنيات. فجبيل، لا تشذ في هذا السياق، عن المدن والمناطق الأخرى التي تشهد راهنا حال ركود اقتصادي وسياحي، لم تشهد لها مثيلا منذ سنوات. وإذ يتريث التجّار وأصحاب المرافق السياحية لنعي الموسم السياحي لهذا العام، «كون الجميع ينتظر انتهاء الامتحانات المدرسية والجــامعية، وبدء توافد اللبنانيين والسيّاح من الخارج»، إلا أنّهم يستشعرون خطر تعثّر الموسم في ظل التراجع التدريجي في حركة الأسواق منذ مطلع السنة الجارية.
ويقول أحد أصحاب المحال في سوق جبيل القديمة إنّ «أبرز التحديات التي نواجهها هذا الصيف، امتناع السيّاح العرب عن المجيء إلى لبنان بأعداد كبيرة كما في كل سنة، خصوصا بعد تحذير عدد من الدول الخليجية رعاياها بعدم السفر إلى لبنان في أعقاب أحداث الشمال الأخيرة. وقد بدأنا نلاحظ تراجعا جديّا في أعداد السيّاح الخليجيين».
معطيات داخلية وخارجية
ويرجع تجّار جبيل أسباب الركود إلى معطيات عديدة بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي تتقدّمه الأحداث في سوريا. فالمتحدث مع التجّار والناس في جبيل يلمس لديهم توجسا من ارتدادات الأزمة في سوريا على مجمل الوضع اللبناني. فهؤلاء كوّنوا انطباعا ثابتا مؤداه أنّهم «إذا أرادوا أن يستشرفوا أو يعرفوا ما ستكون عليه الأوضاع اقتصاديا في لبنان عليهم انتظار ما سيكون عليه الوضع السوري بعد شهر أو شهرين أو أكثر».
يقول زخيا صاحب أحد المتاجر «اعتدنا أن تكون عوامل الاستقرار والنمو مرتبطة بالحدث الداخلي، أمّا اليوم فالجميع مدرك أنّ التطوّرات في البلدان المجاورة تتحكّم بإيقاع الحياة اللبنانية». ويأمل «أنّ يكون لاستئناف الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين مردود إيجابي على الساحة اللبنانية. لكن يبدو أنّ وضعنا بات مرتبطا أكثر من أي وقت بمعطيات خارجية، لا سيما أنّ سياسة النأي بالنفس اقتصرت على الدولة، ولم تشمل المجتمع الذي يتفاعل مع الحدث السوري».
«لا ضمانات أمنية لا سياحة» :
أما جوزيف مدير أحد المطاعم الفرنسية في السوق القديمة فيقول: «لا ضمانات أمنية لا سياحة. من هنا فإن السائح الذي يشاهد على إحدى القنوات الإخبارية أو يقرأ في إحدى الصحف عن أحداث أمنية في شمال لبنان أو في بيروت، وعن أعمال خطف ذات خلفيات طائفية، لا يمكن أن يطمئن إلى الوضع الأمني في البلد، خصوصا انه على علم بإمكان امتداد أي تطور أمني في منطقة معينة إلى مناطق أخرى».
ويشير إلى أن «البعض ينتظر انتهاء الامتحانات الدراسية، والبعض الآخر يعتبر أنّ موعد قدوم السيّاح لم يحن بعد، لكنّ الكتاب يقرأ من عنوانه». ويلاحظ أنه «من خلال مقارنة حجم الأعمال بين هذا العام وسابقه، وجود تراجع يتراوح بين 35 و40 في المئة. وإذا كنّا ننتظر الموسم السياحي سنوياً لتعويض ركود فصل الشتاء، فهذا الصيف تحديداً، يعدّ مصيريا، بعد تراجع حركة الأعمال تراجعا ملحوظا هذا الشتاء».
ويخشى جوزيف وغيره من أصحاب المؤسسات السياحية في المنطقة، «الاضطرار، في حال تعثّر الموسم هذا العام، إلى الإقفال أو أقلّه إلى صرف عدد كبير من العمّال».
علاوة على العوامل الأمنية والسياسية التي تضبط الحركة السياحية والتجارية على إيقاعها، ثمّة عامل جديد – قديم لا يقل وطأة عليهم من سواه، وهو بدء انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة ليلا ونهارا، ما سيرفع تدريجا بدلات المولّدات الكهربائية «بشكل جنوني».
تراجع حجوزات الفنادق 40%
تعكس الفنادق بدورها، حجم الكارثة السياحية في جبيل، إذ يعرب أصحابها عن قلقهم من الموسم، خصوصا أنّ «نسبة الحجوزات حتّى الآن أدنى بنحو 40 في المئة من الصيف الماضي». ويعتبر ريّان مدير أحد الفنادق، أنّ «العدد الأكبر من السياح الخليجيين، كان يأتي إلى لبنان برّا عبر سوريا، وهذا ما لم يعد ممكنا في ظل الأوضاع الأمنية في سوريا، من هنا يخفّض هذا العامل الإضافي منسوب تفاؤلنا بحركة الصيف». ويشير إلى أنّ «الفنادق تتكل في عملها حاليا على حجوزات الشركات الأجنبية والمحلية، وعلى عدد قليل من السيّاح، علما أن السائح الأجنبي يفضل زيارة لبنان أواخر الصيف».
لكن ما يدعو إلى القلق، وفق أحد أصحاب المطاعم، «ندرة ارتياد العائلات اللبنانية المطاعم والمنتجعات السياحية، وهذا دليل واضح على الاختلال الكبير الذي يعتري المجال المعيشي والاقتصادي في لبنان».