جاكرتا "المسلة" … يشرح أحد السياح وهو يشق طريقه وسط المياه القذرة والنفايات "أريد أن أرى جاكارتا على حقيقتها"… ففي إندونيسيا، تتولى منظمة غير حكومية تنظيم زيارات في مدن الصفيح وتقدم عائدات أنشطتها إلى السكان، في إطار ما تعتبره المنظمة مساعدة إنمائية ويسميه البعض الآخر تطفلا.
على بعد أقل من متر من السكة الحديدية، تتراصف الاكواخ في فوضى منظمة لتنحصر في أصغر مساحة بين السكة الحديدية وسياج من الاسمنت يرسم حدود المدينة "الرسمية". وقد علق لحاف من البلاستيك الأزرق بين بضعة ألواح خشبية يحتمي تحته من الأمطار رجل يرتدي سروالا باليا يجلس على فراش لم يعد يعرف لونه.
هكذا تتكدس مئات الاسر في حي تاناه أبانغ الذي يبعد بضع دقائق عن المراكز التجارية الفاخرة حيث يتنازع الأثرياء الجدد الذين اغتنوا بفضل المعجزة الاقتصادية الإندونيسية على أحدث تصاميم "غوتشي" و"لوي فويتون".
في ممر موحل، تلتقط فتاة صغيرة على رأسها بثرات صفراء زجاجة عصير فارغة وتلحسها بحثا عن طعم حلو. وبالقرب منها، تغسل أم طفلها في قدر بلاستيكي مثقوب وضع بين سكتين.
روحايزاد أبو بكر هو سائح من سنغافورة في الثامنة والعشرين من العمر لا يصدق ما تراه عيناه، ويقول "أردت أن أرى جاكارتا على حقيقتها". وقد اختار موظف المصرف هذا ان يمضي عطلته في جاكارتا وينضم إلى الجولات التي تنظمها منظمة "جاكارتا هيدين تورز" ليرى الوجه الآخر للمدينة الذي لا يظهر على البطاقات البريدية.
ويشرح مخرج الأفلام الوثائقية الإندونيسي روني بولوان (59 عاما) الذي أسس هذه المنظمة التي لا تبغى الربح "نحن نكشف الوجه الحقيقي لجاكارتا". ومنذ تأسيس المنظمة، ازدهرت "سياحة البؤس" من مدن الصفيح في البرازيل إلى تلك الموجودة في مومباي والتي سلط عليها الضوء فيلم "سلامدوغ مليونير". ويقول روني "يزداد عدد السياح الذين يقصدوننا وهم ليسوا فحسب من المغامرين بل أيضا رجال أعمال ومصارف".
يعيش سكان مدن الصفيح بأقل من دولارين في اليوم، شأنهم في ذلك شأن نصف الإندونيسيين، ويؤكد روني أن الزيارات تنظم من أجلهم. فكل سائح يدفع 500 ألف روبية إندونيسية (42 يورو) يعود نصفها إلى الجمعية، في حين يستخدم النصف الآخر لدفع الزيارات الطبية او تمويل المشاريع الصغرى وتشييد المدارس. ويشرح روني قائلا "لا أعطي أبدا الأموال نقدا، فأنا أدفع أجرة الطبيب مثلا".
لكن هذه التدابير كلها لا تكفي لطمأنة بعض المنظمات غير الحكومية. وتعتبر وردة حفيظة من جمعية "أوربن بور" التي تكافح من أجل احتواء مدن الصفيح في جاكارتا أنه "ينبغي ألا يعرض الفقر مثل القردة في حديقة الحيوانات". وصرحت لوكالة فرانس برس "يجعلون (السكان) متسولين يعتمدون على المساعدة".
أما السكان، فهم يؤكدون أنه من دواعي سرورهم أن يعرفوا السياح على حياتهم اليومية. ويشرح دجوكو وهو رب أسرة في الخمسين من العمر يجلس أمام كومة من الزجاجات والأكواب البلاستيكية التي ينزع عنها اللاصقات ليبيعها إلى الجهات المعنية بإعادة التدوير "أحب الأجانب الذين يسعون إلى معرفة طريقة عيشنا".
ويؤكد السياح أنهم لا يتطفلون. وتقر الفرنسية كارولين بروجيه "لو لم أر الوضع بأم عيني، لما قمت بأي مبادرة". فبعد زيارة إلى مدن الصفيح، قررت هذه المدرسة التي تعيش في جاكارتا أن تتطوع لمساعدة روني على تحقيق حلمه واستحداث مدرسة متنقلة مخصصة للأطفال المحرومين من الدراسة. وتشدد الفرنسية على أن المبادرات من هذا القبيل تساهم في "رفع الوعي" وتقول "نحن هنا في قلب الحدث".
المصدر: ا ف ب