القاهرة " المسلة " … أكدت دراسة مصرفية حديثة أن ارتفاع عجز الموازنة خلال العام المالي الجديد لأكثر من 140 مليار جنيه، يؤكد خطورة الوضع المالي لمصر، ووجود احتمالات كبيرة لمواجهة الحكومة صعوبة بالغة في تمويل العجز، مما سيدفعها للاستدانة من الخارج.
وقالت الدراسة، التي أعدها الخبير المصرفي أحمد آدم، مدير إدارة البحوث بأحد البنوك العربية الكبرى سابقًا، إن تكلفة الاستدانة باتت باهظة في ظل تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، محذرة من أن الوضع المالي للدولة "مخيف" في ظل التطورات المحلية والإقليمية والعالمية الحالية.
وأشارت إلى وجود تطورات إقليمية بغاية الخطورة تحدث بمنطقة الشرق الأوسط، أهمها ثورات الربيع العربي وتداعياتها والاضطرابات الداخلية في الأردن والبحرين والعراق والسودان ولبنان وتطورات الأوضاع بقطاع غزة لها تأثيرات سلبية على كافة دول المنطقة، خاصًة الدول كثيفة رأس المال العامل، والتي تعتمد اعتمادًا رئيسياً على عنصري اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونشاط قطاع السياحة، متوقعة أن تظل منطقة الشرق الأوسط مشتعلة بالأحداث لفترة ليست بالقصيرة.
ولفتت إلى التطورات العالمية التي تؤثر أيضًا على الوضع المالي لمصر، ومنها المتغيرات التي طرأت على أزمة منطقة اليورو بسبب تضخم أزمة البنوك الإسبانية، وتدهور الوضع بالبرتغال واليونان المهددة بالخروج من منطقة اليورور، علاوة على نتائج الانتخابات فرنسا واليونان المفاجئة والتي جاءت بأحزاب صغيرة بالأخيرة ترفض الإجراءات التقشفية، فضلاً عن رفض الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولان، تحمل مواطنيه أعباءً بسبب أخطاء الغير.
وأوضحت أن الصين توقفت عن شراء ديون أوروبية بسبب تعرضها لبعض المصاعب الاقتصادية، بجانب استمرار معاناة الولايات المتحدة من مرحلة اقتصادية صعبة تحاول وبكل قوة تجاوزها، لافتة إلى أن تلك التغيرات ستؤثر سلباً على جميع دول العالم خاصة مصر، نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي صاحب الوزن النسبي الأهم في الصادرات والواردات المصرية والاستثمارات المباشرة المتجهة إلى مصر.
وكشفت الدراسة أن اعتماد النظام السابق وبشكل كامل على عنصري "الاستثمارات الأجنبية" و"السياحة" لإحداث معدلات نمو اقتصادي مرتفعة كان خطأً قاتلاً، لأن هذين العنصرين لهما حساسية مفرطة تجاه أي متغيرات تحدث سواء كانت على المستويات المحلي أو الإقليمية أو العالمية، وبالتالي التأثير السلبي عليهما سيكون لأسباب خارج نطاق سيطرتنا مما يرفع نسب المخاطر في تعثر اقتصادنا وتراجعه بشكل مفاجئ، وهو ما حدث بالفعل أثناء الأزمة العالمية وخلال ثورة 25 يناير وبعدها.
وأضافت أن إيرادات السياحة انخفضت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بمقدار 1.9 مليار دولار، وسط احتمالات كبيرة بأن تتراجع إيرادات السياحة خلال العام المالي الحالي بأكمله بما لا يزيد عن 2.5 مليار دولار عن العام المالي السابق، وهو أمر يمكن استعواضه من خلال مواردنا الدولارية الأخرى وخصوصاً تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وتابعت: استراتيجيات المرحلة المقبلة يجب ألا تعتمد بشكل رئيسي على قطاع السياحة، وإن كان يجب تدعيمه وتهيئة كافة الظروف المواتية لنهوضه؛ ليكون عنصر دعم وليس عنصر محرك ولاعب رئيسي، يعتمد عليه بالكامل خلال الفترة القادمة.
وبينت أن الوارادات زادت خلال النصف الأول من العام المالي الحالي لتبلغ 29.2 مليار دولار بزيادة قيمتها 2.1 مليار دولار عن 27.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي الماضي، موضحة أن اشتعال الأزمة الأوروبية وانخفاض اليورو لأدنى مستوياته أمام الدولار، سيشجع المستوردين على زيادة كمية وارداتهم من منطقة اليورو وبشكل كبير وتخزينها والاستفادة من زيادتها بعد ذلك، حيث بلغت وارداتنا من الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 10.3 مليار دولار وبزيادة قدرها 0.8 مليار دولار عنها خلال الفترة المقابلة من العام الماضي.
وأوضحت أن صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة هبط خلال النصف الأول من العام المالي الحالي؛ لتبلغ قيمة سلبية قدرها 0.4 مليار دولار مقابل قيمة إيجابية قدرها 2.2 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الماضي وبانخفاض قدره 2.6 مليار دولار.
ولفتت إلى أن الاستثمارات الداخلة لمصر خلال النصف الأول من العام المالي الحالي تقدر بـ3.9 مليار دولار، إلا أن الاستثمارات التي خرجت خلال الفترة ذاتها قدرت بـ4.3 مليار دولار، وبذلك يكون صافي الاستثمارات المباشرة سلبياً بقيمة 0.4 مليار دولار.
وتابعت: الملاحظ أن الاستثمارات المباشرة القادمة من الاتحاد الأوروبي انخفضت بشكل واضح خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي لتبلغ 0.7 مليار دولار، مقابل 2.1 مليار دولار خلال الربع الأول من العام ذاته، وهناك احتمالات مؤكدة بأن تنخفض بشكل واضح حتى نهاية العام المالي الحالي، مما سيزيد من سلبية ناتج صافي الاستثمار المباشر بميزان المدفوعات المصري، مما يتطلب تحويل الاستثمارات الأجنبية المباشرة من عنصر رئيسي نعتمد عليه بشكل مباشر إلى عنصر دعم خلال الاستراتيجية المرسومة للفترة المقبلة.