بقلم : محمود كامل … بعض الناس تسير حياتهم على منوال «قطار الشرق السريع»، وبعضهم يفضل منوال قطار اليابان الشهير بـ«الرصاصة» الذي اخترعوه منذ ربع قرن والذي ركبته مرات عديدة من طوكيو إلى كيوتو لمسافة 400 ميل يقطعها فيما يقرب من نصف ساعة على قضيب حديدي واحد استمد منه اسم الـ«مونوريل».
ويمتاز «مونوريل اليابان» بالغ السرعة «عن الناس» الذين يتشبهون به أنه يعرف محطة إقلاعه التي يعود إليها مرة أخرى مهما طال به المشوار، بينما يعرف هؤلاء أن الميلاد هو لحظة «الانطلاق» إلى مشوار الحياة، إلا أنهم دائما ما يتجاهلون «محطة الوصول»، كما أنهم -بسبب النهم- لا يتوقفون لحظة للتموين بالتقاط الأنفاس حيث يعتبر كل منهم نفسه «ديزل فاخر» ليس من شأنه التوقف في أي من المحطات التي يمر عليها حتى لا تفوته إمكانية زيادة رصيده بالبنوك لعدة ملايين، أو بالمزيد من القصور والفيلات!
وينسى هؤلاء أن «الرزق مثل العمر»، مكتوب ومقدور في اللوح المحفوظ رغم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، وينسون كذلك مثلا قديما يقول: «اجري يا ابن آدم جرى الوحوش، غير رزقك يا ابن آدم لن تحوش»، أي لن تكسب ولو تحوش، والقول الآخر الذي يقول بحكمة: «إن الرزق ينادي على صاحبه» وأنه لو كان من رزقك قرش واحد في الصين فسوف تتاح لك فرصة السفر للعودة به.
وخلال مشوارهم اللاهث هذا تدوس تلك النوعية من الناس في طريقها كل شيء من مبادئ أو أخلاقيات، أو وازع ديني، حيث يتحول منهم إلى آلة حديدية -تماما مثل القطار- لا تعرف قلوبها الرحمة، ولا تتقيد بأي نوعيات من العدل أو الحلال، فأمام هؤلاء يختلط الحلال بالحرام، والحق الشخصي بحقوق الآخرين، ذلك أن القدم المسرعة عندما تدوس لا تفرق بين «طفل الضنا» والطفل الغريب، إلا أنهم -في نهاية الأمر- يصلون -رغم أنوفهم- بالموت إلى محطة الوصول، حيث لا أنفاس تلهث قبل الانتقال إلى محطة الحساب!