بقلم : محمود كامل … بعض الناس يتصور أنه بما أتاه الله من «سعة رزق» أو «مناصب رفيعة» أنهم «صانعو أقدار»، والبعض الآخر ممن أحاقت بهم كوارث الأيام يتصورون أنهم «ضحية للأقدار»، ويتصور الصنف الأول أنهم بإتاحة فرص الكسب والوظائف للآخرين، والمساهمة في تخفيف «قسوة الاحتياج» -بشرط أن يكون ذلك بدافع إنساني بحت وليس من قبيل التظاهر- مساهمون في صناعة أقدار من قدموا لهم الخدمة، وذلك ليس بصحيح، وهو كذلك بالنسبة لمن يعتقدون أنهم ضحية للأقدار، فلا الأول «صانع أقدار» ولا الثاني ضحية لها، وإنما الاثنان يخضعان تماماً لنفس الأقدار، وفك ضيق الناس للصنف الأول ينطبق عليه القول بأن «حاجة الناس إليكم من فضل الله عليكم»، وأنه لم يكن أكثر من وسيلة يجري الخير على يديها، ذلك أنه لا علاقة له بـ»القدر» -الذي هو الله- وفيه قيل: لا تسبّوا القدر، فإنني أنا القدر، ومن ثم فقد وجب على مقدم الخير أن يعلم الحقيقة التي تستحق شكر الله على هذا التفضل بأن يضع في رزق الشخص أرزاق أناس آخرين، أي إن المانح الكبير قد تفضل على المُعطي الإنسان بتلك المكرمة حتى ليبدو الأمر لمن لا يعرف وكأنه تفضل من إنسان على إنسان، بينما الله هو معطي الطرفين، وتلك أدوار موزعة إلهياً، ومن يُحسن القيام بها كافأه الله باستمرار النعمة، وإن أساء عاقبه بحرمانه منها، أو تحميله ذنوب نهب أرزاق الآخرين، وفيها «البخل بالزكاة» على أصحابها ضمن رزق مقدّر في السماوات العلا.
أما الذين يضيقون بالابتلاء القدري فليتهم يعلمون أن ذلك كله يأتي ضمن «اختبارات الصبر» التي تقول عنها آيات القرآن الكريم: وبشّر الصابرين، أي أن اليسر بعد العسر قادم لو نجح العبد في الاختبار، ولعل التكرار الكريم في الآيات: إن بعد العسر يسرا، إن بعد العسر يسرا، تأكيد على «معنى وقيمة» العطاء للصابرين، وعلينا جميعاً –المُعسر فينا والميسر رزقه- أن يعلم أن كل ما في الحياة مقدور بداية بالميلاد وحتى الموت، وذلك منذ رُفعت الأقلام.. وجفّت الصحف!