بقلم : محمود كامل … من غير واسطة التحقت بجريدة الأهرام سنة 1985 ضمن أول دفعة صحافة بجامعة القاهرة، يومها سألت عن مكان «مؤسسة الأهرام»، فقال لي أولاد الحلال إنها في «شارع مظلوم» أمام «عمارة اللواء»، وإن الطريق إليها من «باب الحديد» هو «تُرماي 4 بشَرطة»، فطلبت من سوّاق الترماي أن يدلني عليها، ليتوقف «الرجل الطيب» في غير محطة، مشيراً إلى المبنى العريق. أيامها كان عبدالناصر قد عيّن محمد حسنين هيكل رئيساً للتحرير قادماً من أخبار اليوم، ليوقع عقدي كمحرر تحت التمرين «بشارة تكلا» أحد أصحاب الأهرام، حيث لم يكن من صلاحيات رئيس التحرير توقيع عقود المحررين. أيامها تلقيتُ مرتباً قدره ثلاثة جنيهات كمحرر تحت التمرين -مش عايزين قرّ- ويُنفق من هذا «المرتب المهول» نصف جنيه مواصلات، حيث كان ثمن تذكرة الترماي «ثمانية ملليمات» -وهي عملة غير اليورو والدولار- وكان الكمساري يعطينا «مشط كبريت» مقابل بقية القرش صاغ، وكان الكمسارية يقبلون منّا «أربعة أمشاط كبريت» مقابل التذكرة، وفي أكثر الأيام لم يكن لدينا «لا القرش ولا الكبريت» لكنا كنا نركب الترماي (برضه)، وعندما يحضر الكمساري نسأله: مش الترماي ده رايح الهرم يا عم؟ ليرد الرجل الطيب: الهرم «14 بشرطة»، انزل وخد الترماي اللي وراه، وكنا ننزل ونركب «4 بشرطة» اللي وراه، ونسأل الكمساري نفس السؤال، ونتلقى نفس الإجابة للنزول وركوب «14 بشرطة»، لحظتها نكون قد وصلنا لشارع مظلوم. ويتصادف حظنا العاثر أحياناً لنقع في يد كمساري تعاملنا معه «بنفس الاستهبال» أكثر من مرة، ليعطينا درساً في الأخلاق، موضحاً أن الكذب هو نوع من «خراب الذمة»، وأن ذلك قد يسوقنا يوم القيامة إلى جهنم وبئس المصير، وبعلامات الخجل المصطنع يصعب على الكمساري حالنا، خاصة وأنا أدعي أنني قادم من الأرياف، وأن ضعف نظري هو الذي يجعلني أقرأ «14 بشرطة» وكأنها «4 بشرطة»، ليفرج عنّا الكمساري، ليثور في ذهني سؤال: هُوَّ إحنا حنفضل نقبض ثلاثة جنيهات ليوم القيامة؟.. دي تبقى مصيبة!
وسوم: تُرماي-4-بشَرطة