بغداد " المسلة " … بشوارعها الواسعة وإنارة الشوارع العاملة بالطاقة الشمسية والعدد الكبير من الفنادق، فإن مدينة النجف الاشرف تعتبر منارة للاستثمار في العراق ، تنير الطريق امام المناطق الاخرى التي تتلكأ فيها المشاريع الخدمية.
المستثمرون الاجانب والمحليون يتلهفون للمشاركة في بناء البلاد لكنهم يشكون من روتين موظفي الحكومة وضعف القطاع المصرفي وضعف التشريعات، كما ان الافتقار الى الاراضي المخصصة للمشاريع يشكل عائقا كبيرا امام الاستثمار.
حسب سامي الاعرجي رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، فإن من بين 780 ترخيصا استثماريا بقيمة 32 مليار دولار منحت لرجال الاعمال في كل انحاء العراق منذ عام 2008 ، هناك حوالي 30 % فقط من المشاريع قد بدأ العمل فيها. الا ان مدينة النجف الاشرف تنعش الامل في هذا المجال، اذ ان النجاح في تقدم المشاريع يوحي بامكانية التغلب على المعوقات من خلال السياسة الصائبة، ويمكن ان تكون علامة على اندفاع الاستثمار في كل البلاد.
في الحقيقة ان النجف اصبحت نموذجا لبقية المحافظات، فالمسؤولون في اماكن اخرى في العراق يستنيرون بها حول مختلف القضايا مثل تخصيص الاراضي للمشاريع وكيفية العمل مع عدم كفاءة النظام المصرفي . يقول وافي البهاش، رئيس لجنة الاستثمار في النجف ، ان اكثر من 50% من مشاريع الاستثمار المرخصة، البالغ عددها 200 مشروع بقيمة اجمالية تبلغ 8 مليارات دولار، هي حاليا تحت الانشاء في المحافظة معظمها في قطاعي الاسكان والسياحة .
ان مدينة النجف – التي تضم مرقد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام – تستقبل ملايين الزائرين كل عام، وقد منحت لجنة استثمار المحافظة 51 رخصة لبناء فنادق من اجل ايواء الزائرين المتدفقين على المدينة من كل انحاء العالم.
وانت تقود السيارة عبر الشوارع النظيفة، يمكنك ان ترى الكثير من اللوحات التي تقول " النجف 2012 : عاصمة الثقافة الاسلامية ". الرافعات الشاهقة تظلل الشوارع، ومواقع البناء مليئة بالعمال بعكس المحافظات الاخرى المليئة بالمباني المهجورة غير المكتملة . احد المشاريع الكبيرة في النجف بكلفة 25 مليون دولار هو فندق خمس نجوم تقوم ببنائه شركة قصر الخورنق العراقية، بعشرة طوابق ومطعم دوار في قمته ومن المتوقع انجاز العمل فيه نهاية 2013 حيث بدأ تشييده في نيسان 2011 . نموذج مثالي آخر بكلفة 7 ملايين دولار بتمويل من ثلاثة مستثمرين محليين هو مشروع لبناء 134 وحدة سكنية في ضواحي المدينة، حيث بدأ العمل فيه في نيسان 2011 ومن المتوقع انجازه العام القادم. تم بيع اكثر من ثلاثة ارباع الوحدات السكنية كما انتقلت احدى العوائل للسكن في اول دار قبل شهرين .
بالمقارنة مع محافظة بابل المجاورة، فإن الصراع بين المسؤولين ادى الى تأخير تطوير العمل في بناية واحدة لمدة سنتين. يقول علاء ابراهيم رئيس لجنة استثمار بابل "المستثمر ينتظر منذ سنتين قرارا من مديريتين في نفس الوزارة، احداهما تصر على مبنى بطابقين والاخرى تريد مبنى بطابق واحد ". في محافظة الانبار الغربية، ينتظر المستثمرون منذ العام الماضي الموافقة على بناء معمل سماد بكلفة 800 مليون دولار. يقول عامر عوض رئيس لجنة استثمار الانبار " سبب التأخير هو ارسال المشروع من المحافظة الى الحكومة المركزية التي تستغرق موافقتها وقتا طويلا . لدينا موافقة مبدئية لكنها ليست نهائية".
لا يزال الاقتصاد العراقي مركزيا بيد الدولة، وان ثقافة الائتمان الضعيفة قد اعاقت تطويره. يقول المستثمرون ان الافتقار الى القوانين والضمانات يجعل العمل في البلاد صعبا للغاية.
في مؤتمر للاستثمار عقد مؤخرا في البرلمان حضره الاعرجي وكافة رؤساء لجان الاستثمار في المحافظات، اقر المسؤولون بحاجتهم الى تكثيف الجهود من اجل تحسين مجال الاعمال . احدى المشاكل الرئيسية هي تراكم المشاريع بانتظار موافقة الحكومة المركزية، ويطلب المسؤولون في المحافظات ضرورة منحهم سلطات اكثر للعمل مع المستثمرين .
منحت بغداد 70 رخصة استثمار منها سبعة مشاريع يجري العمل فيها. اما في ميسان وواسط وديالى ، فبين كل عشرة مشاريع استثمارية مرخصة في كل محافظة ، بدأ العمل في ثلاثة فقط او اقل . قال السيد عوض خلال المؤتمر " علينا تقليص الروتين والبيروقراطية في منح تراخيص الاستثمار. اننا نضيع فرصا كبيرة لصالح دول اخرى بسبب هذه المشاكل وغيرها".
التوترات المتصاعدة داخل الائتلاف الحكومي تسببت في اعاقة العمل وتأخير الموافقة على الكثير من القوانين مثل قانون النفط والغاز الذي طال انتظاره والذي يعتبر حاسما للقطاع النفطي . كما ان صناعة السياسة تدفع ثمن عقود من العزلة الاقتصادية . فالكثير من المسؤولين لم يعتادوا التحرك بالسرعة التي يطلبها المستثمرون الاجانب، وحتى عند تمرير مشروع قانون جديد فإن الامر يمكن ان يستغرق شهورا من اجل ان تفهمه الحكومة وتقوم بتنفيذه .
يقول السيد البهاش ان مفتاح نجاح مدينة النجف هو التعاون الوثيق بين لجنة استثمار المحافظة والحكومة المحلية، حيث يبادر المسؤولون الى تذليل ومعالجة المشاكل بدلا من انتظار التوجيه من الحكومة المركزية . ويضيف "المحافظ واعضاء مجلس المحافظة يتعاونون معنا ، ويدعمون خطوات الاستثمار وهذا لا يحصل في المحافظات الاخرى ". من جانبه يقول السيد رزاق شريف، نائب محافظ النجف، ان المحافظة قد شهدت الشروع بالكثير من المشاريع لأنها تمتلك نهجا مقيدا هو ان على كل مستثمر سبق منحه رخصة دفع 10 بالمئة من كلفة المشروع مقدما كضمان للعمل وفق التزاماته . وقد اثبتت هذه القاعدة نجاحها مع المستثمرين المحليين والاجانب على حد سواء، واليوم يجري تعميمها على المحافظات الاخرى بأمر من الحكومة المركزية.
يهدف العراق من خطته الاقتصادية الخمسية الى جذب 85 مليار دولار كاستثمار بحلول عام 2014 . يبدو التعهد بهذا المبلغ المغري سهلا نسبيا، لكن ترجمته الى ارض الواقع العملي تتطلب تثقيف الكثير من المسؤولين الحكوميين . يقول السيد عوض رئيس لجنة استثمار الانبار " ان دعم الحكومة المركزية في هذا المجال محدود، فبعض المسؤولين لا يفهمون ثقافة الاستثمار حتى على مستوى الوزراء".