بيروت"المسلة" … يلجأ أهالي الدول العربية التي تعاني من أزمات الحروب والأزمات المالية إلى لبنان، للتخلص من خالة الخوف وعدم الاستقرار التي يعيشونها، حيث أصبحت بيروت مركز السلام في المنطقة، وحيث لا تتوقف حياة المرح والسهر والسياحة.
بيروت: تشكّل بيروت ملاذاً آمناً للهاربين من الثورات والأحداث الأمنية في بلاد الربيع العربي، فبالنسبة للذين يسعون إلى التخلص من الخوف وعدم اليقين الذي يلف مختلف أنحاء المنطقة، تستعيد بيروت موقعها على الرغم من المصاعب التي عصفت بها.
في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ "نيويورك تايمز" عن نور الطائي، الشابة العراقية التي كانت تتجول مرتدية تنورة جلدية قصيرة، قولها إن لبنان "يجمع بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والشرق والغرب"، مشيرة إلى أنها فرّت من العنف في بلادها ولجأت إلى بيروت لأن "جّوها ودي للغاية."
بالنسبة للكثير من الغربيين، لا تزال صورة لبنان متجمدة عند لحظة الحرب الأهلية التي عصفت في البلاد في السبعينات وغيرها من الأحداث الأليمة: المذابح الطائفية، الرهائن، الغزو الإسرائيلي، والدخان المتصاعد من الجبال. لكن بالنسبة للأثرياء على الأقل، فقد استعادت هذه البلاد روحها وبهجتها.
حياة الليل في العاصمة بيروت لا يوقفها شيء، ولم تغرق كلياً في المخاوف من امتداد النزاع الطاحن في سوريا إلى داخلها. وبالنسبة للعرب الذين ملّوا من القصف في حمص، والأزمة المالية في دبي، أو القلق السياسي في القاهرة، فإن بيروت هي مركز السلام في المنطقة.
"هذا البلد لا يتغير، الناس يحبون الحياة في لبنان"، تقول سونيا البينوني، وهي طبيبة نفسية سورية، تتجول في شوارع المدينة بالقرب من "زيتونة باي" وسط بيروت.
قد يكون الشعب الذي بدأ الحرب الأهلية في لبنان، هو الذي ساعدعلى عزل البلاد عن ثورات الربيع العربي التي اندلعت خلال العام الماضي. وانتهت الحرب عام 1990 بعد توزيع حصص السلطة بين الطوائف الدينية، فبات النظام اللبناني منقسما وغير فعال، لكنه يسمح بالمعارضة ويحافظ على دولة ضعيفة، مع القليل من القدرة على فرض الرأي أو التخويف.
الوضع الراهن لمدينة بيروت لا يعني أن قطاع السياحة في المدينة لم يعان من الأحداث الأمنية والسياسية، فنسبة الإقبال على الفنادق سجلت 55 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2011، مقارنة مع 68 في المئة في عام 2010، وفقا لشركة إرنست و يونغ للخدمات المهنية.
ويعتقد العديد من الغربيين أن لبنان ما زال كما في السابق، ولا ينعم بالأمان والسلام. كما أن السياح العرب والإيرانيين يخشون زيارة لبنان برّاً من خلال سوريا، على الرغم من أنها الطريقة الأقل تكلفة للوصول إلى لبنان.
وأشارت الـ "نيويورك تايمز" إلى أن الحركة السياحية في بيروت كانت لتعاني أكثر لولا المدمنين على "حياة المرح والتمتع بالحياة" في بيروت: الشتات اللبناني، السعوديون والأردنيون الذين يفرون من الحر، إضافة إلى أهالي بيروت الأثرياء.
وكانت السياحة في بيروت تعاني من انقطاع مؤقت أثناء الحرب مع اسرائيل حرب عام 2006، التي تعرف بـ "حرب تموز". لكن المدينة بدأت تستعيد رونقها مع انتهاء الحرب فعادت الحانات والمطاعم والفنادق لتفتح أبوابها.
ونقلت الصحيفة عن وزير السياحة اللبناني فادي عبود، في حديث إلى صحيفة "دايلي ستار"، قوله ان لبنان ملجا الكثيرين هذا العام، وتحديداً السوريين الذين يتوجهون الى بيروت خلال عطلة نهاية الأسبوع لتجنب الاشتباكات بعد صلاة الجمعة في بلادهم، "فيساعد السوريون الذي يسعون إلى الهدوء في التعويض عن خسائر الفنادق".
وإلى جانب كونها وجهة سياحية، تعتبر بيروت أيضاً وجهة لرؤوس الأموال، فقد نقل رجال الأعمال السوريين أموالهم إلى المصارف اللبنانية، في الوقت الذي يفر فيه العديد من المستثمرين من الأزمة المالية في دبي، إضافة إلى الهاربين من التوترات المذهبية والأمنية في العراق الذي اصبح ساحة معركة للميليشيات الاسلامية.
وقالت السيدة بيلوني، التي تسكن في بيروت مع زوجها منذ سنوات طويلة، إن "الحرب في سوريا لن تمتد إلى لبنان"، مشيرة إلى أنها تساعد أقاربها على الفرار من حلب إلى بيروت "لأن الحرب لن تندلع هنا، فقد مرّ كل شيء على هذه البلاد، وربما أسوأ".
واعتبرت الـ "نيويورك تايمز" أنه لا يزال هناك نوعاً من الحنين إلى الفوضى في لبنان، الذي يعاني من الفساد والركود، ونقلت عن صحافي لبناني قوله: "لا شيء يحدث هنا. فالشعب كسول وغارق في الطائفية".
في بيروت، تكتظ النوادي الليلية بالمراهقين، الذين لم يتأثروا بالأحداث في سوريا، على الرغم من ان بعضهم يحاول جمع التبرعات للاجئين السوريين.
أما على كورنيش البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة شعبية في العاصمة بيروت يقصدها اللبنانيون لركوب الدراجات الهوائية ومشاهدة غروب الشمس، فبات يزدحم بالمهاجرين السوريين الذين يهمسون بخوف أنهم فروا من قصف الحكومة ليحضروا زوجاتهم وأطفالهم إلى لبنان.
أما في وسط بيروت، تقول دينا عرفان، وهي وكيلة سفر من القاهرة، إنها وصلت لتوها لقضاء عطلتها في لبنان إلى أن تمر فترة الترقب السياسي في مصر. وتتساءل بسخرية: "أين سأقضي عطلتي غير بيروت؟ سوريا؟ ليبيا؟".