القاهرة " المسلة " … دخلت حديقة الأزهر على أجندة السياحة الداخلية لسكان وزوار العاصمة المصرية القاهرة والمدن المحيطة بها، وأصبحت الحديقة مقصدا لمحبي الترويح والمتعة خاصة العائلات والأسر، ممن يريدون قضاء يوم جميل، بعيدا عن ضجيج الشوارع والميادين الغاصة بالزحام.
تقع الحديقة وسط مساحات من المناطق التاريخية الإسلامية والمدن القديمة بالقاهرة، وتمتد على مساحة 30 هكتارا من الخضرة في منطقة القاهرة الفاطمية، حيث يقع على جانبها الغربي من ناحية الجنوب مسجد السلطان حسن من أهم درر العمارة الإسلامية في مصر والعالم، بالإضافة إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي. وقد شرعت في إنشاء الحديقة عام 1984 مؤسسة «أغا خان» الدولية بالتعاون مع الحكومة المصرية ومؤسسة الأزهر، وكان على العاملين في المشروع نزع تراكمات من القمامة والحجارة تراكمت على مدى 500 عام في الموقع، بمواد تقدر حمولتها بـ80.000 عربة قمامة كومت في الموقع عبر القرون، وبعد نحو تسع سنوات من العمل تم افتتاح الحديقة في احتفال دولي في مايو (أيار) عام 2005. ليتبدل حال الموقع الذي كان بالأمس مجرد «خرابة» تنعق فيها أكوام الزبالة إلى روضة غناء تصح فيها الطيور والأشجار على نغمات نوافير المياه، ومناظر الورود من كل الألوان.
توفر الحديقة القابعة على تلة مرتفعة جذابة توفر منظرا بانوراميا فريدا لمدينة القاهرة، تتقاطع فيه زاوية الرؤية بالمناطق التاريخية وعبق الماضي الحي. الطريف أنه أثناء تهيئة الموقع عثر على العديد من الاكتشافات الهائلة، كان من أبرزها اكتشاف سور المدينة الأيوبية والذي يعود للقرن الثاني عشر في عهد صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من الأحجار الثمينة وعليها كتابات هيروغليفية، والتي تصل أطوال بعضها إلى متر واحد، وكانت قد استخدمت في بناء سور صلاح الدين.
وتتميز تلك الحديقة عن غيرها من حدائق القاهرة في شكلها المعماري الإسلامي القديم، الذي يتجسد في شكل البساتين البديعة وأماكن الجلوس المظللة التي تعود بنا إلى العصر الذهبي للمسلمين في الأندلس، أو الطرق المغطاة ذات النمط الفاطمي. وتعد الحديقة مصدرا للهدوء والسكينة، حيث تنوع النباتات المزروعة بالحديقة، فنجد الأشجار المحلية مثل الجميز وأشجار العناب، وهناك الأشجار اليابانية، بالإضافة إلى الأعشاب الطبية التي تتضمن الغار والبابونغ والنعناع وحشيشة الليمون والكسبرة والزعتر، وأصناف عديدة من الورود الجذابة المظهر والرائحة.
وتحاط الحديقة بالنخيل من كل جانب، مع شلالات ومجارٍ للمياه تتوسط الصخور، ويطلق على هذا الجانب محور النخيل، وعلى امتداد المحور هناك ملامح كثيرة من العمارة الإسلامية، كما تنعكس لمسات تلك العمارة وأسسها على تصميم مساحات الحدائق، كما تنعكس في تصميم مجرات المياه والنوافير والأرض المخططة في تشكيلات هندسية إسلامية. ويتوسط الحديقة مطعم فخيم، ويطل على شاطئ البحيرة مقهى لبيع المشروبات الساخنة، على أنغام الأغاني التراثية العربية والإسلامية. وتعد التفاصيل المعمارية بالحديقة تحفة في حد ذاتها، حيث تحتفظ برونق خاص مما يميزها عن غيرها من الحدائق الأخرى.
ومن ضمن زوار تلك المنطقة الزرقاء داخل الحديقة، ساندرا فايز، والتي قالت إن أكثر ما يجذبها في المكان هو هذا اللون الأزرق المتدفق وسط الخضرة المتناثرة على حواف الحديقة، كما أن منظر البحيرة جذاب خاصة في أوقات الصباح والمساء.
ولم تغفل إدارة الحديقة إعداد برامج زيارة خاصة لأطفال المدارس التي يتعرفون من خلالها على القاهرة التاريخية ويعودون إلى مدارسهم بمعلومات تاريخية وثقافية شديدة الأهمية. بالإضافة إلى توفير ساحات واسعة من الخضرة تتيح للأطفال اللعب والجري بأمان وحرية، كما تتضمن الحديقة مسرحا خاصا لعروض الأطفال، إضافة لأماكن الملاهي الممتلئة بالأراجيح والألعاب التي تناسب كل مراحل الطفولة.
ويطلق على مسرح الحديقة اسم «مسرح الجنينة»، والذي لم تقتصر نشاطاته على تقديم عروض للأطفال فقط، بل يشمل أيضا تقديم برامج ثقافية وموسيقية ومسرحية متنوعة على مدار العام، تقدم معظمها فرق ومجموعات فنية مستقلة من مصر والمنطقة العربية، وتجذب هذه البرامج أعدادا كبيرة من الشباب. يساعد على ذلك تمتع المسرح بنمط معماري شديد الجمال والخصوصية، فسطحه المكشوف يساعد على انبساط الخيال، كما يحتوي على مدرج روماني المعمار، بالإضافة إلى خشبة مسرحية متنقلة ومجهزة بأحدث أجهزة الإضاءة والكراسي المتحركة، ويقع المسرح بالقرب من السور الأيوبي في غرب حديقة الأزهر.
ومن أهم المناطق داخل الحديقة التي تجذب عيون الزوار، مطعم القلعة الذي يطل بشرفته الواسعة على قلعة صلاح الدين، وينفرد بحجراته الدافئة حيث كوب الشاي والقهوة. ويتألف هذا المطعم من طابقين ليشمل مطعما ومقهى في المكان نفسه، ويطل على منظر خلاب بالحديقة. أيضا من الأماكن الجذابة بالحديقة كافتيريا واحة النخيل، وتقع وسط أصوات الشلالات المريحة للأعصاب. فيجول البعض حول تلك الكافتيريا للاستمتاع بجمال الطبيعة.
زينب إسماعيل، زائرة معتادة للحديقة، تقول وهي تبتسم: «أنا دائمة الوجود في حديقة الأزهر خاصة للاحتفال بالمناسبات الخاصة، كعيد ميلاد إحدى زميلاتي بالجامعة أو إقامة حفل تكريم لإحدى الصديقات». وتضيف أن منظر الخضرة وسط الأشجار والورود يعطيها إحساسا بالبهجة والدفء، كما أن قرب الحديقة من قلعة صلاح الدين يعطيها إحساسا بالنوستالجيا حيث اعتادت الذهاب للقلعة وقت المدرسة مع أصدقائها.
شاركتها الرأي مجدولين نشأت، التي أكدت سحر تلك الحديقة لها، فهي تشعر بالسكينة حين الجلوس وسط الخضرة والمياه المتناثرة من الشلالات. وأضافت أنه لا بد من التقاط الصور وسط المناظر الجذابة التي تعد تذكارا جميلا من الحديقة يضاف إلى ألبوم الصور الخاصة.
ولم تقتصر الحديقة على توفير خدمات ترفيهية فقط، بل أيضا تقدم خدمة المؤتمرات والأفراح حيث توفر صالات وغرفا وعروضا خاصة بهذه المناسبات، مجهزة بأعلى مستوى وتشمل الاجتماعات الكبيرة والصغيرة.
المصدر : الشرق الاوسط