كربلاء "المسلة"…. لم يكن في الحسبان أن يتكبد الحاج فاضل البزاز، احد أقدم تجار الأقمشة في مدينة كربلاء خسارة مالية كبيرة بسبب أجندات السياسة الدولية التي لا ناقة له فيها ولا جمل، والتي تسببت في انخفاض عدد الزوار الإيرانيين الى كربلاء إلى اكثر من النصف.
العقوبات الإقتصادية التي فرضت على إيران والتي قضت بعدم شراء النفط من الجمهورية الإسلامية وإيقاف التعامل مع البنك المركزي الإيراني هي احد اهم الأسباب التي ادت الى كساد البضائع التي استوردها التاجر الخاسر قبل بضعة أسابيع من الصين.
ويقول الحاج فاضل "أواجه أزمة مالية كبيرة بعدما أقدمت على استيراد بضاعة بملايين الدنانير على أمل تسويقها في كربلاء التي كانت تشهد زخما سياحيا كبيرا من قبل الإيرانيين الوافدين لزيارة المراقد المقدسة".
نسبة ضئيلة من الزوار القادمين من ايران يقتنون الهدايا من كربلاء اليوم عكس ما كانوا يفعل اقرانهم في السابق، فانخفاض سعر التومان الإيراني من 103 تومان مقابل 100 الى 195 تومان لكل 100 دولار دفع الكثيرين منهم إلى الإقتصاد في النفقات.
الزائر الإيراني بات يحتاج الى ضعف النفقات التي كان يحتاجها زملاءه قبل فرض العقوبات ليتمكن من زيارة المراقد المقدسة في كربلاء والنجف، فنفقات الزيارة والتنقل الى تلك المدن التي لم تكلف الزوار في أكثر الحالات انفاقا أكثر من 1000 دولار ارتفعت اليوم الى2000 دولار.
تجار السلع في مدينتي كربلاء والنجف أوقفوا التعامل بالتومان الإيراني منذ اكثر من اسبوعين بعد انخفاض قيمته امام الدينار العراق إلى اكثر من النصف، واقتصروا في تعاملاتهم مع الزوار على الدولار الأميركي والدينار العراقي.
السياحة الدينية في كربلاء تمثل عصب اقتصادي فاعل في الحركة التجارية في المدينة المقدسة دينيا والتي يفد اليها الزوار الشيعة من مختلف أرجاء العالم، اما العملة الإيرانية فيتم تداولها بشكل أساسي في كربلاء، الى جانب الدولار الأميركي والعملات الخليجية، الا ان انخفاض قيمة التومان الإيراني الى 500 دينار عراقي بعدما كان يتجاوز 1000 دينار قبل شهرين أدى إلى توقف محال الصيرفة عن التعامل به.
بعض التجار في كربلاء يتوقعون انخفاض قيمة التومان الإيراني لتصل الى 300 دينار عراقي الأمر الذي يجعل فرص التداول به معدومة في كربلاء والنجف، ويقلص فرص السياحة الدينية في المدينتين الى الثلث تقريبا، سيما وان انخفاض قيمة التومان الإيراني امام الدينار العراقي صدمت الكثير من هؤلاء الزوار الذين لم يتوقعوا أن انخفاض قيمة عملتهم أمام الدولار سيؤثر سلبا على قيمتها امام الدينار العراقي.
الإحصائيات الرسمية في المدينة تشير الى وفود بين 6500-5000زائر ايراني الى المحافظة يوميا، أما اليوم فالعدد انخفض بشكل ملحوظ بشكل أدى الى كساد السلع في المحافظة وتضرر تُجارها.
رئيس اللجنة الإقتصادية في مجلس المحافظة طارق الخيكاني سبق وطالب الحكومة المركزية في بغداد بالتحرك لإيجاد حالة من التوازن الإقتصادي في المدينة عقب انخفاض التومان الإيراني بشكل يضمن عدم انهيار الإقتصاد في المدينة التي تعتمد على السياحة الدينية بشكل اساس في وارداتها.
مكاتب الصيرفة هي الأخرى تأثرت بالانخفاض المفاجئ لقيمة العملة الإيرانية التي تتداولها تلك المكاتب أكثر من تداولها الدولار الأميركي.
ويقول عبد الأمير الركابي احد الصيرفيين في كربلاء، إن الكثيرين من الصيارفة خسروا بعض سيولتهم المالية بعد الانخفاض الكبير والمتسارع للتمن الإيراني، مشيرا الى وجود مخاوف كبيرة لدى التجار من التداول بالعملة الايرانية، حتى ان البعض بات يرفض التعامل بها بعد ان كانت إحدى العملات الأساسية في الحركة التجارية داخل المدينة.
الصيرفي عادل عبيد يلفت الى اقبال بعض التجار الإيرانيين على شراء العملة الايرانية بكثرة نظرا لانخفاضها داخل العراق أكثر من قيمتها الفعلية في أسواق المال الدولية.
ويضيف "انخفضت قيمة التمن الايراني مقابل الدينار العراقي الى الثلثين، وهو أمر لا يعكس القيمة الفعلية له في ايران او بقية دول العالم".
محافظ كربلاء المهندس آمال الدين الهر حذر هو الآخر من تداعيات انخفاض عدد السياح الإيرانيين القادمين الى كربلاء رغم تأكده أن السياحة الدينية اتخذت منحى أكثر اتساعا ولم تعد مقصورة على توافد الزوار الإيرانيين فحسب كما كان في السابق.
وقال إن كربلاء أصبحت تستقبل الوافدين لغرض السياحة الدينية من مختلف دول العالم، العربية والإسلامية والأجنبية، وان معدل الزوار من غير الإيرانيين في كربلاء ارتفع الى 15 الف زائر يوميا، بعدما كان لا يتجاوز المئات في السنوات الماضية.
ويخالف بعض أصحاب الفنادق السياحية رأي محافظ كربلاء في هذا الشأن، مؤكدين على فداحة ما سيترتب على الانخفاض الكبير والمفاجئ في أعداد الزوار القادمين من إيران.
حسين الأنباري أحد اصحاب الفنادق قال لـ"نقاش" إن "كربلاء لم تشهد منذ عام 2003 انخفاضا كبيرا في أعداد الزائرين الإيرانيين الأمر الذي قد يؤول الى كارثة اقتصادية في كربلاء".
ويضيف "فنادقنا لا تعتمد على التمويل الحكومي في شيء، فالوقود والأجور اليومية نتكبدها في حال وجود نزلاء أو عدم وجودهم، وسنضطر إلى صرف بعض العاملين في الفندق لعدم تمكننا من دفع اجورهم".
الزوار القادمين من الدول الخليجية والآسيوية غالبا ما يكون توافدهم الى مدينة كربلاء موسميا، كما أن أعدادهم قليلة مقارنة بالزوار الإيرانيين الذين يتوافدون على مدار العام وبأعداد كبيرة، الأمر الذي يُنبئ بأزمة اقتصادية في المدينة التي يعتاش غالبية سكانها على السياحة الدينية.
المصدر: نقاش