بقلم : جـلال دويــدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
شتان بين يوم الحصاد والحساب لصناعة السياحة في ديسمبر ٠١٠٢ وبين ما تضمنته المحصلة وحساب العام الماضي ١١٠٢. كانت احتفالية العام الماضي تفاؤلية مليئة بالآمال والتوقعات الثرية للاقتصاد القومي بالنسبة لهذا العام. الجميع كانوا ــ سواء قطاعا رسميا أو قطاعا خاصا ــ يمارسون نشاطهم في هذا المجال في حالة انتشاء واعتزاز بما تحقق لهم ولمصر متمثلا في عوائد بالعملات الحرة بلغت ٥.٢١ مليار دولار ـــ٣.٦٣ مليار جنيه مصري ـــ انفقها في مصر ما يقرب من ٥١ مليون سائح جاءوا الينا ضيوفا اعزاء يستمتعون بآثارنا وتراثنا ومقوماتنا الطبيعية.
في العام الماضي كان هناك استبشارا بالمستقبل من جانب العاملين المباشرين في الانشطة السياحية والذي يصل عددهم إلي ٥.٢ مليون عامل. يضاف الي هذا العدد العاملون والمستفيدون غير المباشرين الذين يعملون في الانشطة التي تقدم انتاجها وعملها – من تجارة وصناعة وخدمات – وهم لا يقل عددهم عن اربعة او خمسة ملايين مواطن مصري. وانهم وبدلا من ان تحمل لهم رياح ثورة الاصلاح والتغيير المزيد من الأمل والازدهار علي ضوء الانبهار والترحيب الذي استقبلت بها هذه الثورة عالميا.. نجدهم هذا العام ونتيجة للفوضي والانفلات الامني والاضرابات والاعتصامات علاوة علي التهديدات الموجهة مباشرة الي السياحة.. يستعدون لفقد اعمالهم ومصدر رزقهم نتيجة التراجع في عدد السياح والايرادات. لا تقتصر هذه الاضرار عليهم كمواطنين ولكنها امتدت وللأسف إلي صلب الاقتصاد القومي الذي اصيب احتياطيه النقدي ــ الذي يؤمن استيراد احتياجاتنا الاساسية بضربة قاصمة ــ تمثلت في انخفاض هذا الرصيد من ٦٣ مليار دولار إلي ٦١ مليارا. وليس جديدا القول بان ايرادات السياحة تمثل عنصرا أساسيا فيما فقده هذا الاحتياطي وهو ما يعني بكل المقاييس مصيبة كبري للمواطن والوطن.
كل هذه التوقعات أشرت اليها أكثر من مرة طوال الشهور الماضية عندما حرصت علي التأكيد بأن الانحسار السياحي الذي اصبحت تعاني منه مصر سوف تنعكس اثاره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. استنادا إلي ما تحققه السياحة للاقتصاد القومي. تأتي هذه التحذيرات التي أطلقتها ومازلت اطلقها إيمانا من جانبي ومن خلال علاقتي ومتابعتي الصحفية لهذا النشاط علي مدي سنوات طويلة.. باهمية هذه الصناعة وما اصبحت تقوم به من دور مهم في حياتنا الاقتصادية. احد المقالات التي تناولت فيها المحنة التي تمر بها السياحة من خلال الارقام والاحصائيات.. كان بعنوان »لك الله.. يا سياحة مصر؟!« وقد نشر يوم ٩٢ ديسمبر الماضي بمناسبة بعض التصريحات غير المسئولة لبعض الرموز الوافدة علي الحياة السياسية المصرية والتي تحدثت عن القيود التي سوف يتم فرضها علي السياحة.
قلت في هذا المقال انه وحتي تكون الامور واضحة تماما فيما يتعلق بصناعة السياحة لابد وان أؤكد ان غالبية الاستثمارت في الانشطة السياحية.. وطنية ومملوكة لمسلمين وتقدر بعشرات المليارات من الجنيهات. اشرت في هذا المقال إلـي كل الارقام والاحصائيات المتعلقة بالعوائد والعمالة التي تساهم في الناتج المحلي بما يقترب من ٢١٪.
وقد حرص منير فخري عبدالنور وزير السياحة علي تأكيد هذه التوقعات وما صاحبها من ارقام واحصائيات في الاحتفال بيوم الوفاء السياحي الاحد الماضي. اشار إلي ان التراجع في الايرادات السياحية المباشرة وفقا للبيانات الموثقة اقتربت من ٤ مليارات دولار ــ ٤٢ مليار جنيه مصري ـــ نتيجة انخفاض عدد السياح من ٥.٤١ مليون سائح الي ٠١ ملايين سائح والليالي السياحية من ٨٣١ مليون ليلة إلي ٤١١ مليون ليلة. وتعبيرا عن هذه الحالة التي لا تسر عدوا ولا حبيبا لمصر المحروسة.. فقد كتبت مقالا يوم ٥ يناير من هذا الشهر تحت عنوان »سنة جديدة ولكن بدون سياح« قلت فيه انه ولاول مرة في مصر تأتي رأس السنة بينما فنادقها ومنشآتها السياحية تنعي من بناها حيث لم تتجاوز نسبة الاشغال الـ٠٢٪. حرصت في هذا المقال علي الاشارة الي الاجتماعات التي عقدها قطاع السياحة برئاسة رئيس الاتحاد الهامي الزيات مع ممثلي الاحزاب الدينية التي كان لتصريحات بعض رموزها النصيب الاكبر مما اصاب السياحة في الشهور الاخيرة من اضرار.
من المؤكد ان هذا التخبط وهذا اللغط الذي تناول هذه الصناعة كان مبررا للعديد من منظمي الرحلات السياحية الي وقف او الغاء الترويج لبرامجها التي تتضمن زيارة مصر. وكما هو معروف فإن هذه الصناعة وانشطتها تتسم فعالياتها بالحساسية المفرطة خاصة تجاه ما هو سائد حاليا. ليس امامنا سوي ان ندعو الله كي يساعد مصر علي تخطي محنتها.