بقلم مسعود ضاهر – باحث أكاديمي من لبنان
احتضنت العاصمة اللبنانية بيروت، في 21 نوفمبر 2011، الملتقى السياحي اللبناني ـ الصيني الأول، الذي حمل عنوان "السياحة ثقافة وفنون وتفاعل حضاري"، والذي نظمه اتحاد النقابات السياحية في لبنان، برعاية رئيس الجمهورية اللبنانيّة العماد ميشال سليمان، وبالتعاون مع كلية السياحة في الجامعة اللبنانية، والرابطة اللبنانية ـ الصينية للصداقة والتعاون. وشاركت في أعمال الملتقى عشرون شخصية صينية، برئاسة نائب رئيس جمعية الصداقة للشعب الصيني مع شعوب العالم، وحضور الأمينة العامة لجمعية الصداقة الصينية ـ العربية، وشخصيات لبنانية وصينية تتبوأ مراكز رفيعة في إدارة الأعمال، وأكاديميون، ومدراء شركات سياحية، وإعلاميون، وفئات أخرى.
تضمن اليوم الثقافي جلستين علميتين، تناولتا السياحة في علاقتها الوثيقة بالثقافة والفنون والتفاعل الثقافي والحضاري. وقدمت فيهما أوراق ثقافية لباحثين لبنانيين وصينيين، ركزت على دور القطاع السياحي الواعد في الصين، وتأثير التشريعات على المؤسسات السياحية فيها، ودور وسائل الإعلام الحديثة في الترويج السياحي في الصين، وأهمية لبنان المتنوع الأوجه والمتعدِد الألوان والفنون الشعبية، والسياحة والتفاعل الثقافي في لبنان، ودور السياحة في تعزيز العلاقات الشعبية من منظور القوة الناعمة وفي تعزيز التفاعل الثقافي، ولبنان ملتقى الحضارات ومهد تفاعلاتها، والسياحة كلغة للتواصل بين الشعوب، والأثر الاجتماعي والثقافي للسياحة في لبنان والصين.. ومواضيع أخرى في هذا المجال.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الصين باتت تستقبل سنويا عشرات الملايين من السياح، ولديها قاعدة واسعة من فنادق الدرجة الأولى والمطاعم الفاخرة، ومختلف وسائل الترفيه السياحي، إضافة إلى تراث تاريخي عريق يضم أماكن أثرية ذات شهرة عالمية، كسور الصين العظيم، والمدينة المحرمة، والقصور السياحية الجميلة. ويتزايد عدد السياح الصينيين إلى الخارج بصورة مطردة، بعد أن اتسعت دائرة الطبقة الوسطى لتتعدى نصف مليار صيني في العام 2010.
أما لبنان، على صغر رقعته الجغرافية وقلة عدد سكانه بالقياس إلى الصين، فإنه يقدم للسائح الصيني لوحة طبيعية رائعة الجمال، نظرا لمناخه المعتدل، ومناظره الطبيعية الخلابة، وتراثه التاريخي العريق الذي يعرض أمام السائح شهادات حية عن تعاقب الحضارات على أرض لبنان.
وقد تفاعل اللبنانيون منذ القدم مع الثقافات الأخرى، مما أعطى لبنان صفة البلد المضياف، والمحب للثقافة، ويشجع كل أشكال الفنون.
وتوطدت العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية بين لبنان والصين بصورة متزايدة، خلال السنوات العشر الأخيرة. فتقدمت الصين على مستوى التبادل التجاري مع لبنان لتصبح في المراتب الأولى، ويزور الصين سنويا أكثر من عشرة آلاف لبناني معظمهم من التجار. وشارك لبنان رسميا في معرض شانغهاي الدولي في العام 2010.
لكن لبنان البلد الساحر في ذاكرة من زاره من الصينيين، ما زال مجهولا من جانب الشعب الصيني، بسبب بعد المسافة الجغرافية واختلاف العادات والتقاليد. أما اليوم، فلم يعد البعد الجغرافي عائقا أمام التواصل السياحي، ولا يحد من قدرة اللبنانيين والصينيين على تنظيم وفود سياحية متبادلة. وحسب إحصاءات رسمية صادرة عن الجهات الرسمية في لبنان وسفارة جمهورية الصين الشعبية فيه، فقد بلغ عدد السياح الصينيين الزائرين إلى لبنان 5938 عام 2010، من دولة يزيد سكانها على مليار و340 مليون نسمة. أما عدد اللبنانين الذين زاروا الصين في ذلك العام، فقد بلغ 12515، منهم 7018 سائحا.
لذلك سعى الجانبان مؤخرا إلى تغيير هذا الوضع غير المرضي، فتم توقيع "اتفاقية التعاون السياحي بين الحكومتين الصينية واللبنانية" في ديسمبر2005. وتم توقيع "مذكرة التفاهم لتسهيل قدوم الفرق السياحية الصينية إلى لبنان" نوفمبر 2008. نشير هنا إلى أنه في العام 2009، استقبلت الولايت المتحدة 525 ألف سائح صيني، أنفقوا 3,496 مليار دولار أميركي. وتحتل الدول الأوربية نسبة تتراوح ما بين 5-10% من إجمالي وجهات السياح الصينيين إلى الخارج. وتستقطب الدول الآسيوية نسبة تتراوح ما بين 80 90% من السياح الصينيين.
وقد تقدمت الصين إلى المرتبة الخامسة دوليا في مجال إنفاق السياح، حيث ارتفع إجمالي إنفاق السياح الصينيين إلى قرابة 30 مليار دولار أميركي، فدخلت الصين بقوة إلى صفوف الدول الخمس الكبرى الأكثر إنفاقا في السياحة. وفي العام 2010 بلغ عدد السياح الصينيين سبعة وخمسين مليون سائح، وباتت الصين تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث الإنفاق السياحي.
وشددت أبحاث الملتقى على أهداف السياحة الثقافية عبر محاورها الثلاث: الاهتمام بالمنشآت الثقافية والعروض الفنية والترفيه الثقافي، وحماية الأماكن الثقافية ونشر الوعي بالتراث الثقافي، وتشجيع الإبداع الثقافي والعروض الثقافية وتبادل الخبرات الفنية.
ولا بد من التأكيد على أن تبادل السياح بين الصين ولبنان ما زال قليلا جدا حتى الآن، رغم وفرة الثروات السياحية فيهما والتي تجعل كلا منهما مقصدا سياحيا هاما في العالم. ففي الصين واحد وأربعون معلما سياحيا مصنفة ضمن قائمة التراث الثقافي والطبيعي العالمي. كما أن لبنان حافل بالكثير من الأماكن التي اعتبرتها منظمة اليونيسكو تراثا عالميا يجب الحفاظ عليه، ولديه عدد كبير من المواقع السياحية المشهورة عالميا، كبعلبك، وصور، وجبيل، وبيت الدين. ولا بد من التنويه بمغارة جعيتا كمعلم سياحي وحضور طبيعي ساحر، وهي فعلا من عجائب الدنيا السبع، إلا أن آلية التصويت أخرجتها من هذا التصنيف.
من المتوقع أن يساهم هذا الملتقى الهام في تنشيط الحركة السياحية بين لبنان والصين، وأن يرتفع عدد السياح بين الجانبين بسرعة في حال تنفيذ بعض توصيات الملتقى، كتوقيع اتفاقيات سياحية ثنائية، ونشر الدعاية الفعالة، وتقديم التسهيلات الضرورية في الحصول على تأشيرات الدخول، وتنظيم رحلات سياحية منظمة، والاستمرار في عقد الملتقيات السياحية، ونشر التوعية الثقافية بأهمية العلاقات السياحية بين لبنان وجمهورية الصين الشعبية.
إن السياحة تحتل اليوم موقعا مهما في الاقتصاد العالمي، بعد أن باتت صناعة عالمية في القرن الحادي والعشرين، حيث تتنافس الدول على جذب السياح إليها. وقد أصبحت ركيزة أساسية يمكن الاستفادة منها محليا ودوليا في مجال التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، لما تقدمه من فرص عمل كثيرة لليد العاملة المحلية، وللحرفيين، ولأجيال متعاقبة من الشباب الذين يدخلون سنويا سوق العمل.