دمشق " المسلة " … في حي دمشقي قديم يعبق فيه التاريخ تتوزع بضعة محلات لبيع بضائع من نوع خاص حيث تتراصف لوحات الفن التشكيلي بقياسات وألوان ومواضيع مختلفة بإنتظار سائح أو مغترب أو في حالات نادرة ابن البلد ليدفع فيها المبلغ المعلوم فتصبح أحد مقتنياته بكل ما فيها من احاسيس وافكار وتجليات.
وبالاضافة الى المحلات السبعة في حي القيمرية الذي يتجاور مع الجامع الأموي ومقهى النوفرة..تتوضع ثلاثة محلات في شارع بغداد واربعة محلات في سوق المهن اليدوية بالتكية السليمانية ومحلان في سوق مدحت باشا وثلاثة محلات في حي الشعلان ومحل في سوق القصاع ليصبح مجموع المحلات التي تبيع لوحات الفن التشكيلي في مدينة دمشق عشرين محلاً فقط وهي في مجملها محلات صغيرة تتزاحم فيها اللوحات وبالكاد تتسع لشخصين أو ثلاثة.
ومعظم أصحاب المحلات الذين التقتهم وكالة سانا هم فنانون يرسمون في هذه المحلات الضيقة ولكن اللوحات المعروضة في كل محل ليست لفنان واحد بل يسترسم صاحب المحل فنانين آخرين من الهواة وطلاب المعاهد الفنية وكلية الفنون الجميلة مؤمناً لهم فرص عمل ومحققاً التنوع في معروضاته لإرضاء الزبائن.
يقول رياض السهلي صاحب محل فنون بالقيمرية إن معظم زبائنه هم من السياح العرب والأجانب الذين يرغبون في اقتناء لوحات تمثل الحارات الدمشقية مشيراً إلى إنه باع حتى الآن أكثر من سبعمئة نسخة من اللوحات الدمشقية.
ويوضح السهلي خريج مركز ادهم اسماعيل للفنون الجميلة الآلية التي يتبعها في عملية البيع قائلاً: بعد أن أرسم اللوحة أقوم بتصويرها واحتفظ بالصور لعرضها على الزبائن الذين يختارون منها مايناسبهم فانفذها لهم بالمقاسات والألوان المطلوبة مع اجراء التعديلات التي يريدونها.. وهناك من يحضر لي صورة صغيرة لمنظر طبيعي مثلاً فأرسمها له بالمواصفات التي يرغبها..وقد تعاملت مع سياح من جنسيات مختلفة حتى انهم صاروا يسوقون أعمالي ويروجون لها في بلدانهم فارسل مايطلبونه في طرود بريدية ولكن بأسعار مضاعفة.
وتختلف أذواق الناس برأي السهلي الذي كان يرسم وهو يتحدث فمنهم من يطلب لوحة تتناسب الوانها مع الوان أثاث بيته مؤكداً أن اللوحة ليست جزءاً من الأثاث المنزلي بل هي فن يتعلق بالاحساس والذوق وشخصية الانسان وهذا ما يبدو جليا لدى الزبون الاجنبي الذي يتذوق الفن بعد ان قطع المراحل التقليدية وانطلق إلى الفنون التجريدية وانفتح عليها.
الا ان السهلي يؤكد أن المواطن السوري بدأ يدرك أهمية اللوحة التشكيلية ويسعى لاقتنائها مستبدلا اللوحة الفوتوغرافية بلوحة تشكيلية فيها احساس وتذوق وحس فني بسبب انفتاح المجتمع السوري وارتقاء الذوق الفني لدى الكثيرين رغم قلة امكانياتهم المادية فهناك من يشتري اصغر اللوحات في المحل بسعر500 ليرة فقط ومنهم من يقسط ثمن اللوحة اذا كان مرتفعاً. وللطرافة فإن هناك لوحات دارجة يطلبها الزبائن أكثر من غيرها مثل لوحة مؤلفة من ثلاثة أقسام تكمل بعضها ولوحات مرسومة بالأبيض والأسود يتم ادخال اللون الأحمر عليها لكسر الرتابة.
وينهي السهلي حديثه بانه رغم الأزمة التي تمر بها البلاد فما زال هناك اقبال على شراء لوحات الفن التشكيلي ولكن بنسبة أقل بكثير بعد تناقص أعداد الأفواج السياحية . أما الفنان الشاب علي جوهر صاحب محل مدينة الفن فيقول إنه لم يبع اي لوحة منذ شهر حتى الان بسبب غياب السياحة العربية والأجنبية فالفن هو أول مايتوقف وأخر مايشتغل أيام الأزمات حسب رأيه.
وانتقد جوهر اتحاد الفنانين التشكيليين الذي لم يقدم أي دعم أو تسهيلات لأصحاب هذه المهنة على قلتهم.. كما انتقد اصحاب صالات العرض الخاصة الذين لايشجعون المواهب الشابة بل يستقطبون الأسماء المعروفة فقط متسائلا كيف سيصبح اسمي معروفاً إذا لم تتح لي فرصة المشاركة في أي معرض مضيفاً أن المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة أيضاً فيها تعقيدات وكذلك وزارة السياحة التي اوفدتني في احدى المرات للمشاركة في أحد المعارض خارج سوريا ولكنني فوجئت ان لوحاتي عرضت بين الألبسة والسلع الأخرى وكانت خسارتي كبيرة.
ولدى سؤال اتحاد الفنانين التشكيليين عن التسهيلات التي يقدمها الاتحاد لأصحاب هذه المحلات قال أمين السر أنور الرحبي إن الاتحاد يقيم مسابقة كل ستة أشهر لإتاحة الفرصة أمام أصحاب المواهب لنيل عضوية الاتحاد بعد المرور على لجنة تحكيم مؤلفة من ثمانية أعضاء من أساتذة كلية الفنون ومن الخبرات التي لها باع طويل في المجال الفني.
وأضاف الرحبي أن الاتحاد يقيم سنوياً أربعة معارض لفنانين من أعضاء الاتحاد إضافة إلى معرضي الربيع والخريف وهناك معرض سيقام بعد شهر والفرصة متاحة لكل من يريد المشاركة من الشباب الموهوبين حتى لو كانوا غير منتسبين للاتحاد من باب تقديم التسهيلات.
وأشار إلى أن الاتحاد يقدم إلى أعضائه خدمات اجتماعية مثل التقاعد وصندوق المساعدة الاجتماعية والمساعدة الفورية وقريباً هناك التأمينات الاجتماعية. ويطمح جوهر أن يكون لدينا في دمشق وفي كل مدينة سوريا شارع أو مكان مخصص لمحلات بيع اللوحات حيث يرسم الفنانون ويعرضون لوحاتهم ليوم واحد في الأسبوع على الأقل.
وحول العلاقة بين الفن والتجارة يرى إنه لا يوجد فنان في العالم يرسم الا ليبيع وليس هناك فرق بين اللوحة المعدة للبيع واللوحة الفنية فكل منهما تحمل موضوعاً وفكراً معيناً وعن الدافع وراء شراء السياح للوحة التشكيلية قال انهم يأخذونها أما للذكرى أو لتقديم الهدايا أو لتذوق العمل الفني أو برستيج اجتماعي كإحدى السائحات الخليجيات التي كانت تسأل ما هي أغلى لوحة بالمحل لكي تشتريها.
ويقول شادي عتوم الذي يعمل في محل زينة أرت أن معظم المواضيع المطلوبة من قبل الزبائن العرب والأجانب تتعلق بحارات دمشق القديمة وبيوتها وشرفاتها وشبابيكها وأسواقها ومساجدها وخاصة الجامع الأموي..ويضم محلنا حوالي ستين لوحة تتناول هذه المواضيع .
وأضاف أن صاحب المحل يرسم معظم اللوحات في مرسمه الخاص ويعرضها هنا في المحل كما يستعين ببعض الرسامين المبتدئين لإنجاز بعض اللوحات وأشار إلى أن البيع خاضع للصدفة فقد يمر أسبوع دون أن نبيع شيئاً وفي الأشهر الأخيرة تراجعت حركة البيع كثيراً بسبب غياب السياحة أما المواطن السوري فنادراً مايشتري بسبب استغلاء أسعار اللوحات أو ربما عدم تذوقها وبالمقابل هناك من يعجب بلوحة ما فيشتريها مهما غلا ثمنها.
وأجمع أصحاب محلات بيع اللوحات بالقيمرية على ضرورة الاهتمام بأسواق المدينة القديمة ومنع السيارات من دخول دروبها الضيقة ما يشكل إرباكاً للمارة والزبائن والأفواج السياحية ولأصحاب المحلات أنفسهم وخصوصاً عندما تقف السيارات أمام محلاتهم الصغيرة فتحجب مداخلها وتسبب التلوث للوحات.
أم وسيم سيدة عراقية مقيمة في سوريا دخلت أحد المحلات وسألت عن أسعار اللوحات لتختار إحداها..تقول لسانا إن اللوحة التشكيلية هي أفضل هدية تأخذها لأقربائها وأصدقائها في كندا لأنها تقدر الفن فهي تدفع ثمن قيمة فنية وليس ثمن شيء مادي وترى أن اللوحة الفنية تكتسب قيمة اكبر كلما مر عليها الزمن وتفضل لوحات البيوت الدمشقية كذكرى من مدينة دمشق.
المصدر : سانا