بقلم : جـلال دويــدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
كان هناك توقعات ان تكون السياحة.. صناعة الأمل قد بدأت تدخل مرحلة التعافي واستعادة انطلاقتها من جديد لتقوم بدورها البناء في فرص الاقتصاد القومي في عبور أزمته الحالية ولكن »ليس كل ما يتمناه المرء يدركه« كما يقولون.. لقد جاءت الرياح السياسية بما غير منتظر.. حيث ارتفعت الأنواء لتنسف كل الأمنيات التي ينتظرها الملايين من العاملين في هذا المجال لاكتساب رزقهم ومتطلبات معيشتهم.
كانت الآمال قد انتعشت بعد ان بدأت مظاهر التحرك نحو الخروج من المأزق السياسي من خلال الانتخابات رغم كل ما شاب الطريق إلي اقرار هذه الخطوة والتي تجسدت في قلب مثلث البناء الديمقراطي السليم الذي كان يقضي باعداد الدستور أولا.. من المؤكد ان هذا الدستور كان أمرا ضروريا لاقامة الأساس السليم لبناء الدولة الجديدة التي نادت بها ثورة ٥٢ يناير والذي يتم من خلاله وضع القواعد الخاصة بانتخابات مجلسي الشعب والشوري ثم الانتخابات الرئاسية.
ودون البكاء علي اللبن المسكوب.. فقد تحركت الأمور علي غير ما هو متوقع ونحن علي مشارف انتخابات مجلس الشعب وفق ما جاء في الاعلان الدستوري الذي كان الاصرار علي اعطاء الأخذ به.. الأولوية أمرا معيبا ومثيرا للشكوك. كان وراء هذه التطورات.. أزمة ثقة عنيفة عظمها الانعطاف بالدفة السياسية لصالح اتجاه بعينه. ان من حق هذا الاتجاه المشاركة في الحياة السياسية الجديدة ولكن لم يكن من حقه في إطار المبادئ التي نادت بها الثورة فرض هيمنته وتسلطه. كان من نتيجة هذا الوضع الذي استحال تحمله أن تتفجر ثورة الغضب في الشارع المصري متمثلة في اندلاع المظاهرات والتجمعات والمليونيات التي استهدفت رغم التطرف في بعض المطالب تعديل المسيرة إلي المسار الصحيح.
لقد أدت هذه التطورات وتوافقا مع طبيعة السياحة التي يتعارض تقدمها وانتعاشها – وكما يحدث دائما- إلي اصابتها بلطمة شديدة دفعت بها إلي التراجع وتوالي الالغاءات للبرامج السياحية بسرعة كبيرة. جاء رد الفعل نتيجة عدم وضوح الرؤية بالنسبة لاستقرار الأوضاع وتوقع تصاعد الانفلات الأمني وما يمثله من تهديد لما تتطلبه السياحة من اطمئنان ومناخ يضمن تنفيذ البرامج السياحية.
ان ما حدث يعطي مؤشرا سلبيا بتصاعد الخسائر التي انخفضت بسبب الصدمات المتتالية والتي بدأت في يناير الماضي متواكبة مع أحداث الثورة رغم ان احدا من السياح لم يتعرض لأي أذي أثناء تواجده علي أرض مصر خلال هذه الفترة. لقد قدر الخبراء قيمة الخسائر التي لحقت بالصناعة طوال هذه الشهور بما يزيد عن ثلاثة مليارات من الدولارات ومن المتوقع ان تتزايد هذه الخسائر مع استمرار تلك المظاهر التي تعكس عدم الاستقرار.
كم أرجو ان تقدر جميع الأطراف إذا كانت حقا تضع في أولويات انتمائها الوطني.. حب مصر.. خطورة هذه التداعيات علي أحوالنا الاقتصادية. عليها ان تدرك أهمية التوصل إلي توافق وطني حول الخطوات اللازمة لإزالة اسباب التوتر وانعدام الثقة. لا جدال ان عدم التوصل إلي حل لهذه المعادلة وما يترتب عليها من تأثير سلبي علي الاستقرار المأمول حيث لا يكون هناك فرصة لعودة حياة الأمن والأمان التي عرفت دوما عن مصر وكانت من أهم عوامل الجذب السياحي. ان تواصل الوضع الحالي بدافع من العناد والأنانية سوف يعني فقدان مئات الآلاف لوظائفهم المباشرة بالاضافة إلي الملايين الذين يسترزقون من السياحة بشكل غير مباشر من خلال الأنشطة المختلفة المتصلة والمرتبطة بها.
هل نأمل ان يتنبه الجميع إلي هذه الحقيقة التي من المؤكد انها غائبة عنهم.