بقلم : جـلال دويــدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين المصريين
عندما أذيع خبر حادثة طريق الغردقة السياحي التي راح ضحيتها ١١ وإصابة ٧٢ من السياح المجريين. قلت لنفسي وأنا في غاية الأسي »هيه السياحة ناقصة« ألا يكفيها ما أدت إليه الاحداث منذ يناير الماضي حيث تشير الاحصائيات والبيانات إلي ان خسائرها بلغت خلال هذه الفترة ما يزيد عن الثلاثة مليارات دولار أي حوالي ٨١ مليار جنيه، تكبدها اقتصادنا القومي .
هذه الخسارة الفادحة تحققت رغم عدم تعرض أي سائح من الذين تواجدوا علي أرض مصر اثناء الثورة وحتي الآن لأي أذي. إن كارثة طريق الغردقة أكدت أننا مازلنا نعاني من سوء حالة البنية الأساسية والذي يعد توافر شبكة مجهزة للطرق أحد عناصرها ذات الأولوية.
ليس هذا القصور وحده سبب هذا الحادث المأساوي وإنما يضاف إليه أيضا رعونة بعض السائقين العاملين علي الاوتوبيسات السياحية.. هذا الأمر يحتم علينا سرعة تشغيل مركز التدريب ومتابعة سرعة الاوتوبيسات والذي من المقرر أن يباشر نشاطه هذا الشهر وفق التصريحات الصادرة عن المسئولين في اتحاد الغرف السياحية.
وفيما يتعلق بالطرق العاملة في منطقة الغردقة خاصة التي تربطها بالقاهرة فإن سوء حالتها يحتاج إلي تحرك جدي من الدولة. لا يعقل بالطبع ان يكون عرض الطريق الذي وقع عليه حادث السياح المجريين ٨ أمتار في الاتجاهين رغم ان هذه المنطقة تستقبل علي الأقل ثلث عدد السياح الوافدين إلي مصر أي ما يقرب من أربعة ملايين سائح سنويا.
وبهذه المناسبة أذكر انني كتبت منذ حوالي عشرين عاما معلقا علي عملية التطوير التي تم إجراؤها علي طريق القاهرة الغردقة وانها لا تتفق مع حجم الحركة السياحية. ردا علي مقالي تلقيت رسالة من المهندس سليمان متولي وزير النقل والمواصلات في ذلك الوقت يتفاخر بأن عملية التطوير استهدفت توسيع الطريق إلي ٢١ مترا!! وكان ردي عليه في ذلك الوقت ان هذا يتناقض مع الاحتياجات والمتطلبات حيث كان من المفروض ألا يقل اتساع الطريق عن ٠٢ مترا لخدمة الاتجاهين.
صحيح ان القوات المسلحة قد قامت منذ عدة سنوات ببناء جزء من هذا الطريق علي أحدث ما يكون ممتدا من الكريمات حتي العين السخنة.. بينما بقي الجزء الآخر وهو الأخطر من السخنة وحتي الغردقة ومرسي علم دون تطوير بينما كان هو الأكثر احتياجا لذلك تجنب لوقوع هذه الحوادث الكارثية.
ان تداعيات حادث أوتوبيس السياح المجريين يدفعنا إلي القول: »هو احنا .. موعودين بمثل هذه الكوارث التي كثيرا ما يتواكب وقوعها – لسوء الحظ- قبل المناسبات السياحية الدولية التي نستخدمها للتسويق والترويج«. هذه المرة كانت الضحية مشاركتنا الحالية في
سوق لندن السياحي لتخيم الآثار السلبية للحادث علي أداء الوفد المصري الذي كان يتطلع إلي القيام بعملية تنشيط لحركة السياحة المتراجعة. هذا الموقف تكرر عدة مرات في منافسات أخري بعد وقوع حادث تمرد قوات الأمن المركزي وما أشاعوه من رعب في القاهرة في منتصف الثمانينيات من الألفية الثانية أي منذ ٥٢ سنة ثم حادث الهجوم الارهابي علي السياح في معبد حتشبسوت بالأقصر عام ٧٩٩١.
قد يقول البعض ان السياح يتعرضون لحوادث طرق في الكثير من دول العالم فلماذا هذه الضجة تجاه ما يحدث في مصر؟ الرد علي هذا القول يمكن ان يوضح أن اسباب هذه الحوادث ليست هي نفس اسبابها في مصر والتي تعود أساسا إلي الاهمال وغياب الوعي والمسئولية. لابد ايضا أن نذكر في هذا المجال ان الطرق في هذه الدول واسعة ومجهزة، كما ان عمليات الانقاذ تتم بسرعة قياسية وهو ما يترتب عليه تجنب تفاقم الخسائر البشرية.
الشئ المؤسف ان يقع حادث الغردقة لسياح ينتمون لدول شرق أوروبا الذين زاد اقبالهم علي زيارة مصر في السنوات الأخيرة مما يعطي مؤشرا بتعاظم الأمل في تنمية اعدادهم كأسواق جديدة واعدة.
توافقا مع عاداتنا السيئة في إصدار التصريحات وإغراقنا في الآمال التي تبُشر بحل المشاكل التي تواجهنا نتيجة الحوادث التي تدهمنا.. فقد انهالت التصريحات حول تطوير طرق الغردقة!! كم أرجو أن تكون هذه الوعود حقيقية وصحيحة وان لا تكون فشنك ولا هدف من ورائها سوي احتواء حالة الحزن والاثارة الناتجة عن حوادث الطرق التي يتعرض لها السياح. انها دائما ما تجئ كرد فعل سرعان ما تختفي بعد أيام اعتمادا علي داء النسيان المتمكن من مسئولينا.
ان أملنا ان يكون هؤلاء المسئولون ومعهم الدولة علي قدر القول في عملية تطوير الطرق السياحية.